أطلق مشروعا رقميا لمكافحة التطرف.. المغرب يكثف جهوده لمواجهة التهديدات الإرهابية

سناء القويطي/ الرباط/ مقر الرابطة المحمدية للعلماء بالرباط
الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب أطلقت مشروعا لتحصين الشباب من خطاب التطرف والكراهية في بعده الرقمي (الجزيرة)

أطلقت الرابطة المحمدية للعلماء في المغرب مشروعا لمكافحة التطرف عبر الإنترنت في صفوف الشباب بقصد تحصينهم من خطاب التطرف والكراهية، خاصة في بعده الرقمي.

وحسب الرابطة (هيئة دينية رسمية)، فإن هذا المشروع -الذي يمتد على مدى سنة- يتمحور حول 4 أهداف رئيسية تشمل إجراء تشخيص للمخاطر المرتبطة بالمحتويات المتطرفة عبر الإنترنت التي تستهدف الشباب، ودعم الفاعلين الوطنيين في استعمال تكنولوجيا المعلومات والتواصل وكذلك وسائل الإعلام للتصدي للتطرف العنيف وخطاب الكراهية، وتوعية الشباب المغاربة عبر الشبكات الاجتماعية للنهوض بخطاب بديل، وتعزيز التعاون وتبادل الخبرات في مجال مكافحة التطرف العنيف عبر الإنترنت.

ويأتي إطلاق هذا المشروع قبل أيام قليلة من تفكيك خلية إرهابية قال المكتب المركزي للأبحاث القضائية إنها تتكون من عناصر موالية لتنظيم الدولة الإسلامية.

وحسب المكتب، فإن زعيم هذه الخلية قام بمعية مشاركيه بإعلان بيعتهم للخليفة المزعوم لتنظيم الدولة، قبل أن يخططوا لتنفيذ عمليات إرهابية في المملكة المغربية.

ومنذ بداية العام الجاري فككت السلطات المغربية 6 خلايا إرهابية، واعتقلت أكثر من 27 شخصا قالت إنهم كانوا بصدد التحضير لارتكاب أعمال تستهدف أمن وسلامة المملكة، حيث حجزت مجموعة من الأسلحة النارية والأسلحة البيضاء والمواد التي يشتبه في استخدامها بصنع المتفجرات لدى عناصر هذه الخلايا.

بالمقابل، فككت العام الماضي 13 خلية إرهابية، من ضمنها خلايا لتجنيد مغاربة للقتال في بؤر التوتر.

برامج تفكيك التطرف

وإلى جانب العمليات الأمنية الاستباقية تعمل مؤسسات رسمية عدة في إطار شراكات على برامج لتفكيك خطاب التطرف ونشر قيم الاعتدال، سواء في صفوف المعتقلين على ذمة قضايا الإرهاب أو بين الشباب، خاصة في المجال الرقمي، حيث تتسلل الأفكار المتطرفة ويُستدرج الشباب للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية.

ويأتي مشروع محاربة التطرف الرقمي -الذي أطلقته الرابطة المحمدية للعلماء- ضمن سلسلة مشاريع تشتغل عليها منذ سنوات إلى جانب شركاء آخرين.

توقيف أعضاء خلية إرهابية
توقيف أعضاء خلية إرهابية في المغرب (مواقع التواصل الاجتماعي)

ومن هذه المشاريع -حسب معطيات الرابطة- إنشاء وحدة تفكير لتفكيك خطابات التطرف، وقد أثمرت إعداد دراسات حول المفاهيم التي حرفت من قبل الجماعات المتطرفة، مثل مفهوم الدولة الإسلامية والخلافة والحاكمية، ومفهوم القتال والجهاد والجزية وغيرها من المفاهيم، وقد نشرت إلكترونيا وورقيا.

وأطلقت منصة علمية إلكترونية اسمها "الرائد" بهدف نشر المعرفة الدينية الآمنة، والمساهمة في تحصين رواد الشبكة الرقمية من خطابات التطرف والانحراف والجمود.

مصالحة وعفو

وتشارك الرابطة بعلمائها ومرشديها إلى جانب المندوبية العامة للسجون والمجلس الوطني لحقوق الإنسان في تنزيل برنامج "مصالحة" الموجه للمعتقلين في إطار قضايا التطرف والإرهاب الذين بلغ عددهم ألف معتقل عام 2016 حسب بيانات رسمية.

ويهدف هذا البرنامج إلى مصالحة أفراد هذه الفئة مع ذواتهم ومع المجتمع والنص الديني بهدف تمكينهم من التأهيل الفكري والديني والقانوني والحقوقي، خاصة التأهيل السوسيو اقتصادي لإعادة الإدماج.

ومنذ إطلاق البرنامج سنة 2017 استفاد 189 سجينا من دوراته السبع، 83 منهم غادروا السجن بعدما استفادوا من العفو الملكي.

وتقول مندوبية السجون في تقرير قدمته هذا الشهر أمام البرلمان إن التجربة ناجحة، بدليل ما سجلته من إقبال كبير عليها من خلال طلبات المشاركة المتزايدة، إضافة إلى عدم تسجيل أي حالة عودة في صفوف المستفيدين من البرنامج والمفرج عنهم.

الاستباق ومعالجة الأسباب

وينوه الأكاديمي والمحلل السياسي محمد بودن بإستراتيجية المغرب التي حققت في نظره نتائج جنبت المصالح الحيوية للبلاد والأفراد أضرارا كانت وشيكة الوقوع.

وأكد بودن في حديث مع الجزيرة نت أن "النموذج المغربي يرتكز بالأساس على الاستباق واليقظة، ومعالجة الأسباب المؤدية للتطرف، واعتناق ما يسميه بعض الباحثين "الإرهاب الاكتئابي".

سناء القويطي/ الرباط/ علم المغرب
المغرب أطلق في 2017 برنامج "مصالحة" الموجه للمعتقلين في إطار قضايا الإرهاب بهدف مصالحتهم مع النص الديني (الجزيرة)

وكانت جريمة قتل سائحتين في منطقة جبلية بضواحي مراكش عام 2018 آخر عمل إرهابي هز المغرب، وهو العمل الذي أعاد إلى الأذهان المخاوف التي رافقت تفجير مقهى أركانة بمراكش الذي خلف 17 قتيلا عام 2017، وتفجيرات 16 مايو/أيار 2003 في الدار البيضاء، والتي أسفرت عن مقتل 45 شخصا، بمن فيهم الانتحاريون.

ويرى بودن أن الاستجابة الأمنية السريعة تتطلب دعمها بتطوير أفضل السبل للحد من تعرض الجمهور للروايات المتطرفة، والعمل على تهميش وجهات نظرها، مع استحضار الحق في حرية التعبير، لافتا إلى أن بروفايل المتطرف أو "الإرهابي" غالبا ما يتشكل وسط بيئة محكومة بهشاشة الصحة النفسية أو العقلية أو الفهم الخاطئ للدين، أو على خطاب الكراهية أو الاحتفال بالإرهاب.

إستراتيجية متكاملة

ويقول بودن إن المغرب يرتكز على إستراتيجية متكاملة تقوم على التدابير الأمنية المؤسسة على المقاربة الاستباقية والجاهزية واليقظة والمقاربة القضائية بدل المقاربة التصفوية، وأيضا على سياسات وطنية على المستويين الديني والاجتماعي، مثل برنامج إصلاح الحقل الديني والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبرنامج مصالحة والسجل الاجتماعي الموحد وغيرها.

كما ترتكز إستراتيجية المغرب -حسب المتحدث- على التصدي للمحتويات المتطرفة في الفضاء السيبراني، ودعم مبادرات الاستقرار في العالم، والتعاون الإقليمي والدولي في مكافحة الإرهاب وتهديداته.

وبفضل يقظة المنظومة المغربية لمكافحة الإرهاب وقدرتها على توقع المخاطر والتهديدات -يقول الباحث- كرس المغرب اسمه كفاعل دولي ملتزم بمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، وكأحد الشركاء الأساسيين في المبادرات الدولية للتصدي للإرهاب، وهو ما مكنه من توقيع اتفاقية مع منظمة الأمم المتحدة لإحداث مكتب برنامج لمكافحة الإرهاب والتدريب في الرباط تابع لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ويتوقع افتتاحه -حسب تقرير لوزارة الداخلية- خلال بداية سنة 2021.

المصدر : الجزيرة