تونس.. أي حظوظ لحكومة الجملي في تصويت البرلمان؟

صورة 2: حزب قلب تونس يعقد مجلس الوطني لحسم موقف كتلته البرلمانية تجاه الحكومة المقترحة/أحد الفنادق/ العاصمة تونس/يناير/كانون الثاني 2020 (صورة من صفحة حزب قلب تونس)
الجملي (يسار) أثناء تقديم تشكيلة حكومته للرئيس (الصحافة التونسية)

خميس بن بريك-تونس

لا يستبعد مراقبون إمكانية عدم مرور الحكومة التونسية المقترحة من قبل رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي في جلسة منح الثقة بالبرلمان المقررة غدا الجمعة، بسبب غياب حزام سياسي يدعمها من الكتل البرلمانية، فضلا عن الاعتراضات الموجهة ضد عدد من الوزراء.

وتواجه الحكومة المقترحة التي مضى نحو شهرين على تكليف الجملي بتشكيلها اختبارا عسيرا صباح غد، لا سيما بعد انفضاض عديد الأحزاب السياسية على غرار التيار الديمقراطي وحركة الشعب عن دعم الحكومة بسبب رفضهما توجهات رئيس الحكومة المكلف.

وزاد رفض حزب "قلب تونس" -بزعامة قطب الإعلام نبيل القروي- من المشاركة في الحكومة المقترحة، من حالة الغموض المحيطة بمنحها الثقة، بل غذى اجتماع القروي مؤخرا برئيس الحكومة المنصرف يوسف الشاهد الشكوك حول التوجه إلى إسقاط الحكومة.

دعم مفقود
ومن غير الممكن حسابيا حصول حكومة الجملي على ثقة البرلمان (109 أصوات على الأقل) في غياب دعم "قلب تونس" (38 مقعدا) الذي كانت حركة النهضة الفائزة بالانتخابات التشريعية (52 مقعدا) ترفض التحالف معه بسبب التهم الذي لاحقت مؤسسه نبيل القروي بالفساد.

وحسب محللين، تجد حركة النهضة نفسها في موقف غير قوي، ليس فقط بسبب غياب دعم سياسي لحكومة الجملي، وإنما أيضا بسبب غياب موقف موحد داخلها لدعم الحكومة المقترحة، بسبب تحفظات جزء منها حول بعض الوزراء الذين تم اختيارهم.

وقال القيادي بالحركة عماد الحمامي للجزيرة نت إن حزبه لديه تحفظات بشأن تركيبة الحكومة المقترحة، موضحا أن دعوة حزبه إلى انعقاد مجلس الشورى مساء الخميس تأتي في إطار تدارس آخر تطورات تشكيل الحكومة والبحث عن كل السيناريوهات بما فيها عدم تزكيتها.

ويأتي انعقاد مجلس شورى النهضة في وقت تم الكشف فيه عن لقاء مثير بين القروي والشاهد الذي يتزعم حزب "تحيا تونس"، اعتبر مراقبون أن هدفه إسقاط حكومة الجملي.

ويبدو حزب "قلب تونس" من خلال تصريحات قياداته رافضا لمنح الثقة للحكومة المقترحة. وفي هذا السياق يقول القيادي بالحزب عياض اللومي للجزيرة نت إن المجلس الوطني للحزب يدرس قرار التصويت للحكومة من عدمه، منتقدا في الوقت ذاته كفاءة الحكومة واستقلاليتها.

شبهات فساد
وزادت الانتقادات الموجهة لبعض الوزراء في الحكومة المقترحة على غرار وزير الدفاع عماد درويش ووزير المالية عبد الرحمان الخشتالي ووزير الرياضة طارق ذياب ووزير الشؤون الاجتماعية سيد بلال ووزير الداخلية سفيان السليطي، في صناعة رأي عام يشكك في مصداقية الحكومة المقترحة.

وأعلنت النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي اليوم الخميس رفضها التعامل مع وزير الداخلية المقترح سفيان السليطي الناطق الرسمي باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، محذرة من التصعيد ضده بحجة أنه ساهم بعد ثورة 2011 في ضرب المؤسسة الأمنية وتفكيك جهاز أمن الدولة.

كما وجهت اليوم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مراسلة إلى الجملي تتضمن قائمة أسماء لبعض الوزراء وكتاب الدولة ضمن تركيبة الحكومة المقترحة، تتعلق بهم شبهات فساد وملفات مودعة ضدهم لديها بتهم إدارية ومالية أحيلت على القضاء.

ومن بين هذه الأسماء وزير المالية المقترح عبد الرحمن الخشتالي الذي تم التحقيق معه الأربعاء الماضي بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي، ووزير الشؤون الاجتماعي المقترح سيد بلال الذي قال إن القضاء برأه من التهم.

وكان الجملي تعهد قبل أيام بإدخال تغييرات على تركيبة حكومته إذا قدمت له أي إثباتات حول تورط أي وزير في قضايا فساد، مطالبا بتزكية حكومته أولا، لكن يبدو أن تعهداته لم تجد آذانا صاغية من قبل عديد الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية.

كما دعا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة حقوقية) إلى عدم منح الثقة للحكومة بسبب ما اعتبرها غياب الكفاءة لدى الوزراء، بينما نددت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بتعيين وزير الدفاع المقترح الذي اتهمته بالوقوف وراء تجميد نشاطها في عهد الدكتاتورية.

حظوظ ضعيفة
ويرى المحلل السياسي عبد الجواد الحرازي أن هناك احتمالا كبيرا جدا بعدم منح الثقة للحكومة المقترحة بسبب ضعف الحزام السياسي حولها، موضحا أن حزب "قلب تونس" أصبح محددا في تزكية الحكومة، وأن رفضه منحها الثقة سيشكل عائقا أمام تمريرها بالبرلمان.

واعتبر الحرازي أن الاعتراض على تركيبة الحكومة (42 وزيرا وكاتب دولة) بسبب وجود شبهات فساد والتشكيك في استقلاليتها ونسبة عدد من وزرائها إلى حركة النهضة، ساهم في نسف مصداقية الحكومة وجعل حظوظ تزكيتها ضعيفة في ظل غياب دعم حزبي وازن لها داخل البرلمان.

وأشار إلى أن حركة النهضة أصبحت تفكر جديا في المرور إلى سيناريو تكليف رئيس الجمهورية قيس سعيد لرئيس حكومة جديد بعد انقضاء مهلة الشهرين عن أول تكليف دستوري للجملي من قبل حركة النهضة يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

من جهته، يقول المحلل السياسي جوهر بن مبارك للجزيرة نت إن الغموض والتشويق يكتنفان جلسة منح الثقة صباح الغد، معتبرا أن حصول الحكومة المقترحة على الثقة أمر لم يحسم في ظل الانتقادات الموجهة لها وعدم وضوح موقف حركة النهضة.

ويوضح بن مبارك أن "حزب قلب تونس أصبح محددا في تزكية الحكومة، لكن حركة النهضة في حد ذاتها ليست متأكدة من التصويت لفائدتها، وهناك احتمال لتغيير موقفها، ووارد أن تسحب ثقتها من الحكومة"، غير مستبعد أن تقرر النهضة المشاركة في حكومة الرئيس إذا سقطت الحكومة المقترحة.

يشار إلى أنه سيتم الانتقال إلى مهلة دستورية جديدة لشهرين طبقا لأحكام الفصل 89 من الدستور، حيث يتكفل رئيس الجمهورية بتكليف رئيس حكومة في أجل 10 أيام من إسقاط الحكومة المقترحة للشروع في تشكيل حكومة جديدة.

وبعد انقضاء شهرين من مشاورات تشكيل الحكومة دون حصولها على تزكية البرلمان، يصبح لرئيس الجمهورية الحق في حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة.

المصدر : الجزيرة