لماذا لفظ التونسيون الأحزاب التقليدية ومناضلي "سنوات الجمر"؟

Tunisia: Saied, Karoui set for 2nd round polls- - TUNIS, TUNISIA - SEPTEMBER 17: Nabil Bafon (2nd R), the chairman of the Independent High Elections Commission of Tunisia, holds a press conference at the Conference Palace in the Tunisian capital Tunis on September 17, 2019. Kais Saied and Nabil Karoui will face off in the second round of Tunisia's presidential election, state election authorities said on Tuesday. According to official results released by the Independent High Electoral Commission, Saied led with 18.4% of the vote while Nabil Karoui had 15.6%.
هيئة الانتخابات خلال مؤتمر صحفي لإعلان النتائج الخاصة بالجولة الأولى من رئاسيات تونس (رويترز)

آمال الهلالي-تونس

طرح مرور كل من المرشح المستقل قيس سعيّد ومرشح حزب قلب تونس نبيل القروي للجولة الثانية من انتخابات الرئاسة في تونس، مقابل هزيمة مرشحي الأحزاب ذات التاريخ السياسي والنضالي بيمينها ويسارها؛ تساؤلات عميقة لدى الأوساط السياسية والفكرية حول الأسباب والمبررات.

وتصدر الخبير الدستوري قيس سعيّد الترتيب بنسبة تصويت بلغت 18.4%، يليه صاحب قناة نسمة نبيل القروي بنسبة 15.58%، فيما حصل مرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو على 12.88% من الأصوات.

ولم يتمكن رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزير دفاعه عبد الكريم الزبيدي من المرور للدور الثاني، رغم تصدرهما لوقت غير بعيد نوايا التصويت، مما مثل صدمة حقيقية لما وصف بـ"القوى الديمقراطية الحداثية".

ودعا الشاهد لضرورة الوقوف على جملة الرسائل التي حملتها نتائج الانتخابات، سواء فيما يتعلق بضعف نسبة التصويت أو في إخفاق "الصف الديمقراطي" بتمرير مرشح للدور الثاني من الانتخابات.

وشدد الشاهد خلال مؤتمر صحفي على ضرورة التقاط الرسائل التي وجهها الناخب التونسي من خلال صندوق الاقتراع، ملقيا اللوم على قيادات العائلة الديمقراطية ودخولها في خلافات أفضت لتشتتها.

هزيمة اليسار
ومنيت أحزاب وائتلافات اليسار بهزيمة وصفت بالمدوية، رغم أنها رشحت من داخلها ثلاثة قيادات بارزة هم: حمة الهمامي، ومنجي الرحوي، وعبيد البريكي، حيث لم يستطع أي واحد منهم تجاوز عتبة 1% من نسب التصويت.

وأقر المرشح حمة الهمامي بإخفاق العائلة اليسارية في كسب ثقة الناخبين، مؤكدا في تصريح للجزيرة نت أن التونسيين عاقبوا الطبقة السياسية والحزبية سواء ممن هم في الحكم أو في المعارضة.

وشدد في المقابل على أن خسارته في الانتخابات الرئاسية لن تثنيه على مواصلة الدفاع عن مشروعه وبرنامجه السياسي، مؤكدا أن "خسار المعركة لا تعني خسارة الحرب".

وعبر في ختام حديثه عن أن النتائج الحالية التي أفرزتها الانتخابات الرئاسية بمرور شخصيتين مستقلتين للدور الثاني، لن تحمل أي حلول للتونسيين.

ويرى مراقبون أن تحقيق مرشحين مستقلين -لا يكاد يعرف لهم أي نشاط سياسي أو حزبي- نسب تصويت فاقت بعض الشخصيات السياسية ومن أصحاب الرصيد النضالي زمن بن علي، رسالة مضمونة الوصول بأن التونسيين لفظوا الطبقة السياسية برمتها.

وكان المحامي سيف الدين مخلوف، والطبيب لطفي المرايحي، والكاتب الصافي سعيد، حققوا نتائج غير متوقعة بوجودهم ضمن ترتيب المرشحين العشرة الأوائل المتقدمين في نتائج الانتخابات الرئاسية.

ولم يشفع لشخصيات سياسية بارزة تاريخها النضالي ضد الرئيس المخلوع بن علي أو ما يعرف بمناضلي "سنوات الجمر"، حيث تذيلت سلم الترتيب، على غرار الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي الذي تحصل على 2.97%، وزعيم التيار الديمقراطي محمد عبو 3.63%.

وأكد المرزوقي -في تدوينة له- تحمله المسؤولية الكاملة في فشل إقناع الناخبين بشخصه وبرنامجه الانتخابي، واصفا النتيجة بالمخيبة للآمال.

على صعيد آخر، كانت لنتائج الانتخابات الرئاسية تداعيات واضحة داخل حركة النهضة التي فشل مرشحها عبد الفتاح مورو في اجتياز الدور الأول، حيث وجه المدير السابق لمكتب الغنوشي انتقادات لاذعة له ولصهره القيادي في الحركة رفيق عبد السلام.

وقدم القيادي في الحركة أيضا زبير الشهودي في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك استقالته من الحركة، داعيا الغنوشي لاعتزال السياسة "وأن يلتزم بيته ومحرابه"، كما وجه اعتذاره للشعب التونسي عما قال إنه تقصير في المساهمة في تحقيق أهداف الثورة والتنمية والرفاه والعدالة الاجتماعية.

موجة ثورية ثانية
ووصف القيادي في النهضة رفيق عبد السلام إخفاق مرشح الحركة عبد الفتاح مورو في الوصول للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية بـ"الأمر المتوقع"، لما قال إنه تأخر الحركة في الإعداد للحملة الانتخابية.

وأوضح في تصريح للجزيرة نت أن عدم حسم النهضة بشكل مبكر شأن تقديم مرشح من داخل الحركة أو اختيار شخصية توافقية من خارجها واحتدام النقاش داخلها، أثر بشكل كبير على موعد انطلاق الحملة الانتخابية.

وأشار إلى أن أولوية الحركة كانت تتجه نحو العمل أكثر على الانتخابات البرلمانية، لكنها أجبرت على اختيار مرشح من داخلها للرئاسية بعد تعرضها سابقا لحرج كبير من قواعدها التي دفعت نحو ترشيح قيادي من الداخل.

وفي قراءته لما أفرزته نتائج الانتخابات الرئاسية، قال عبد السلام إن التونسيين أزاحوا "المنظومة القديمة" التي تمكنت في 2014 من إعادة التموقع، مقابل صعود موجة ثانية من الثورة التونسية في 2019 تنادي بتحقيق أهداف الثورة.

وأضاف: "التونسيون صوتوا اليوم لقيس سعيّد بعقولهم في إطار توجهات ثورية الثوري، وصوتوا بالمقابل ببطونهم وحاجياتهم الاجتماعية لمن استثمروا في عوزهم وفقرهم، وهنا أعني المرشح نبيل القروي".

وشدد على بروز فئة جديدة من الشباب الذين لم يصوتوا سابقا في انتخابات 2014 ومنحوا أصواتهم لقيس سعيد وكانوا سابقا أقرب للقاعدة الانتخابية النهضوية.

تصفية حسابات
ورفض عبد السلام في المقابل التعليق على تدوينة الشهودي، معتبرا أنها تنصب ضمن تصفية الحسابات الصغيرة والرغبة في التموقع الشخصي على حساب المصلحة الحزبية، مشيرا إلى أن "تأشيرة الدخول أو الخروج من الحياة السياسية لا يمتلكها الشهودي".

يشار إلى أن الهيئة العليا للانتخابات كانت قد طرحت ثلاثة مواعيد محتملة لإجراء الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، إما يوم 29 سبتمبر/أيلول الجاري، أو 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وعلى أقصى تقدير يوم 13 من الشهر المقبل.

المصدر : الجزيرة