في أرياف تونس.. أصوات انتخابية "لمن يدفع أكثر"

استغلال عاملات الفلاحة في التصويت الانتخابي (الجزيرة) copy.jpg
عاملات القطاع الفلاحي يمثلن هدفا لسماسرة شراء الأصوات حسب مراقبين (الجزيرة)
ناجح الزغدودي-القيروان
في قرية زغدود الريفية المحاصرة بجبال الصنوبر والإكليل بمحافظة القيروان (وسط)، يحتد النقاش بشأن مرشحي الانتخابات الرئاسية التونسية المقررة بعد غد الأحد بين الأهالي المتخاصمين على أسبقيتهم في الاستفادة من مياه العين الجبلية والتي لا يزالون يوصلونها إلى بيوتهم على ظهور الحمير كما كان يفعل أجدادهم.
 
ينقطع سكون القرية المستسلمة للأقدار على غير العادة مع تتالي زيارات ممثلي المرشحين الذين يغازلون طيبة من تبقى بالقرية التي طردت أبناءها، فيراودون الشيوخ والنساء لربح ولائهم، كما يصف مراقبون.
 
مع اشتداد التنافس على أصوات الناخبين، ارتقت الوعود إلى النقود، حسبما أكد الشاب فادي (اسم مستعار) في تصريح للجزيرة نت. فقد عرض خدماته على أحد الأحزاب مقابل جلب الأصوات لفائدة مرشحه للرئاسة، لكن المنافسة بين الوسطاء كانت شديدة، فهزمه وسيط أكبر سنا.
 
"لن أصوت لهم ولكني أردت أخذ الأموال من هذه الأحزاب لمساعدة العائلات المعوزة"، يقول فادي، موضحا أنه "يتم تقديم ما بين 20 دينارا (7 دولارات) و50 دينارا (17 دولارا) إضافة لوعود بتمكين العائلة من استغلال الغابات وتشغيل أفرادها حراس غابات ومدارس". 
ويبلغ تعداد عمادة زغدود الريفية ذات التضاريس القاسية والمسالك الوعرة حوالي 5 آلاف ساكن، يعتاشون على تربية الماشية واستغلال المنتجات الغابية. وترتفع بها نسبة الفقر والأمية والانقطاع المبكر عن التعليم وهجرة شبابها إلى المدن بسبب الحرمان.
 
مثل منطقة زغدود، تعتبر المناطق الريفية بالقيروان فضاء خصبا لشراء الأصوات، حيث تُستغل حاجة العائلات الفقيرة للمساعدات في ظل تنامي الفقر وتدني المقدرة الشرائية وتراجع تدخل الدولة، فهم مستعدون لبيع ما يملكون، حسب بعض الأهالي الذين استطلعت الجزيرة نت آراءهم.
 
ومع اقتراب العودة المدرسية في 17 من الشهر الحالي، خصصت الحكومة مساعدات في شكل أدوات مدرسية للعائلات بالمناطق الريفية الفقيرة، وقد تم توزيعها بالإدارات المحلية، لكن ثبت أن المنتفعين يُطالبون التصويت لأحد المرشحين، حسب بعض الأهالي.
 
حصلت هذه المساومة بمنطقة حفوز الريفية بالقيروان، وفق شهادة موثقة تحتفظ الجزيرة نت بنسخة منها وتتضمن شهادات عن استغلال موظفين حكوميين لعملية توزيع المساعدات مقابل مطالبتهم بالتصويت للمرشح الذي يدعمونه.
 
ويمنع القانون الانتخابي على الموظفين استعمال المقدرات العمومية للتوظيف الحزبي والدعاية الانتخابية. وقد أفاد عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس محمد التليلي منصري بأنه تم إلى حدود 12 سبتمبر/أيلول 2019 رصد ألف مخالفة، أبرزها تتعلق بحياد الإدارة واستغلال فضاءات عمومية للدعاية.

أعمال خيرية مقنعة
ومع بدء الحملة للانتخابات الرئاسية، حذر مواطنون ومراقبون من "شراء أصوات الناخبين" بالأموال والمساعدات التي تشرف عليها جمعيات خيرية أو تنموية في ظاهر نشاطها، وأغلبها تحصل على تمويل أجنبي.

اختلفت المساعدات العينية للفقراء، وأهمها "القفة"، وهي عبارة عن سلّة بأذنين متوسطة الحجم توضع فيها مواد غذائية من مشتقات الحبوب وسكر وزيت وعلب طماطم، أو علب كرتونية بالمكونات ذاتها، تتراوح قيمتها بين 30 دينارا (10 دولارات) و60 دينارا (20 دولارا).

وقد لاقت مثل هذه الممارسات انتقادات بسبب ما وصف بإذلال الفقراء عبر تصوير تلقيهم المساعدات لتسويق العمل الخيري.

"كن حمارا على الأقل"
وبلغ انتقاد شراء الأصوات في صفحات التواصل الاجتماعي إلى حد السخرية ممن "يباعون ويشترون". ودعي المواطنون إلى عدم قبول المال مقابل التصويت على اعتبار أن من يبيع صوته بـ30 دينارا (10 دولارات) أقل شأنا من الحمار الذي يباع بـ600 دينار (200 دولار).

وأشارت منظمة "أنا يقظ" في تقريرها عن الحملة الانتخابية إلى أن 13% من التجاوزات التي رصدتها هي مخالفات "شراء أصوات". ووفق تصريح عضوة المنظمة يسرى مقدم فإن مراقبيها "رصدوا بالعين المجردة عمليات شراء أصوات".

وتضيف مقدم "ملاحظونا شاهدوا علميات شراء أصوات ولم نتمكن من توثيقها"، ويتمثل شراء الأصوات في توزيع الأموال وتوزيع الهدايا على الناخبين، موضحة في المقابل أن انتداب متطوعين للقيام بالحملة الانتخابية بمقابل مالي وفق ضوابط متفق عليها من حيث القيمة والفوترة يعتبر قانونيا.

وقالت إنه يجب على المرشحين احتساب هذه المصاريف ضمن المساهمات العينية، ويحتسب انتداب المتطوع الواحد بين 15 دينارا (5 دولارات) و45 دينارا (15 دولارا)، مؤكدة على ضرورة إدراج هذه النفقات ضمن السقف المالي للحملة.

عقوبة شراء الأصوات
ومنذ شهر أغسطس/آب الماضي، وضعت هيئة الانتخابات، وفق تصريح رئيسها نبيل بافون، إستراتيجية لمكافحة شراء الأصوات تتمثل في التعاون بين وزارة المالية والبنك المركزي وهيئة مكافحة الفساد والهيئة المستقلة للاتصال السمعي والبصري، وذلك من أجل مراقبة كل مسالك التمويل.

وأوضح بافون أن الهيئة لها من الأهلية والصلاحيات إسناد عقوبات وإحالة ملفات للنيابة العمومية لتتبع المخالفين إذا ثبت أنهم أفرطوا في استعمال الأموال في الانتخابات الرئاسية.

وأكد بافون أن القانون ينص على عقوبات قد تصل إلى السجن في صورة مخالفة إجراءات تمويل الحملات الانتخابية، مضيفا أن شراء الأصوات عقوبته السجن.

كما أفاد بافون في تصريحه للجزيرة نت بأن الهيئة سخرت 1200 عون محلف لمراقبة الحملة الانتخابية و350 منسقا محليا و4 آلاف رئيس مركز اقتراع، إضافة إلى تعاون الهيئة مع المراقبين المحليين والدوليين.

المصدر : الجزيرة