السباق نحو قرطاج.. النهضة بوابة العبور

الجزيرة -لقاء الغنوشي والسبسي في قصر قرطاج
مراقبون يرون أن نهاية التوافق بين حركة نداء تونس والنهضة ستؤثر في السباق الرئاسي (الجزيرة)

محمد علي لطيفي-تونس

يشتد التنافس حول الانتخابات الرئاسية في تونس، المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في حين يرجح مراقبون أن تكون مسألة الحسم حول فوز الرئيس المقبل والوصول إلى كرسي قرطاج مرتبطة بدعم حركة النهضة من عدمه.

يأتي ذلك في وقت عبّرت فيه أغلب قيادات الحركة (ذات الأغلبية البرلمانية) في أكثر من مناسبة أنها لم تحدد بعد مرشحا لخوض غمار الرئاسيات، وأنها ستدعم مرشحا وفقا لتوصيات مجلس الشورى، ويعتقد متابعون للشأن السياسي أن تكون النهضة -التي حافظت على تماسكها الداخلي خلافا لبقية خصومها- اللاعب السياسي البارز الذي يتحكم في موازين المنافسة الانتخابية.

ويرجح مراقبون أن تراجع شعبية نداء تونس، الذي شهد خلافات وانقسامات أدت إلى بروز حزب "تحيا تونس"، الذي سيرشح يوسف الشاهد، و"مشروع تونس" الذي سيرشح محسن مرزوق، فضلا عن نهاية التوافق بين حركة نداء تونس والنهضة، وبروز خصوم ومنافسين جدد؛ كلها عوامل ستؤثر بشكل مباشر في مجريات السباق الرئاسي.

‪الشاهد يعول على حربه ضد الفساد والناقمين على حافظ الباجي قايد السبسي‬ (الجزيرة)
‪الشاهد يعول على حربه ضد الفساد والناقمين على حافظ الباجي قايد السبسي‬ (الجزيرة)

توافق المؤسسات
وفي هذا السياق، أكد النائب عن حركة النهضة سامي الفطناسي للجزيرة نت أن حركته ستنتصر في الانتخابات الرئاسية القادمة للمرشح الذي ستتفق حوله مؤسساتها، وقال الفطناسي "شخصيا سأرشح الباجي قايد السبسي بدل المنصف المرزوقي، في صورة تكرر سيناريو نتائج انتخابات 2014 بمرور المرشحين إلى الدور الثاني".

وحول مسألة الرغبة الملحة لقواعد نداء تونس في ترشيح الباجي قايد السبسي لعهدة ثانية، التي يرفضها جزء من الشارع التونسي نظرا لكبر سن السبسي وحالته الصحية؛ يقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي إن ذلك سيؤدي حتما إلى تراجع الأصوات التي سيحظى بها السبسي خلال المحطة الانتخابية المقبلة.

وأضاف أن انقسام حزب نداء تونس -الذي انتصر سنة 2014- سيؤثر سلبا على نتائج التصويت، حيث من المرجح أن تنقسم الأصوات بين نجله حافظ قايد السبسي وحزب تحيا تونس الداعم للشاهد.

ويتوقع الجورشي أن تتغير موازين قيادة قرطاج بناء على التكتيك السياسي، الذي ستوظف فيه الأحزاب القوية خبرتها وحنكتها للتحالف مع النهضة، لا سيما مع نهاية التوافق بينها وبين نداء تونس، مما يعني عدم كسب مرشح نداء تونس دعم الحركة، حيث سيشتد التناحر بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد المؤسس لحزب تحيا تونس ورئيس الجمهورية الحالي الباجي قايد السبسي.

ووفقا لهذا الصراع الدائر، يرجح أيضا أن يكون الرئيس السابق المنصف المرزوقي الذي انسحب من الدور الثاني ضد منافسه السبسي في انتخابات 2014 من بين أبرز المستفيدين، خاصة في ظل مواقفه الداعمة لحركة النهضة.

‪المنصف المرزوقي سيكون من أبرز المستفيدين من الصراع بين النهضة ونداء تونس‬  (الجزيرة)
‪المنصف المرزوقي سيكون من أبرز المستفيدين من الصراع بين النهضة ونداء تونس‬ (الجزيرة)

حظوظ الشاهد
المناورات السياسية جزء من منافسة الانتخابات الرئاسية، لكن الحسم عادة يرتبط بمصالح كل طرف سياسي وموقعه في الانتخابات.

وفي هذا الجانب، يذهب المحلل السياسي محمد بوعود بالقول إن المعارضة والانتقادات الشديدة التي يواجه بها رئيس الحكومة يوسف الشاهد من جميع الأحزاب، بما في ذلك حركة النهضة التي طلبت من الشاهد عدم توظيف مؤسسات الدولة لخدمة مصالحه، هو مجرد تكتيك سياسي.

وأضاف أن إعلان راشد الغنوشي التراجع عن دعم حكومة الشاهد، والتفكير في تغيير الحكومة، مجرد خلاف بسيط لا يعني القطيعة بين الشاهد والنهضة، معتبرا أن رهان النهضة على الاستقرار الحكومي لن يجعلها تخاطر بقطع علاقتها مع الشاهد أو ترفض دعمها له في الانتخابات الرئاسية القادمة، لمجرد خلافات حول التعيينات أو استعمال وسائل الدولة، وفق تعبيره.

وتابع بوعود أن الشاهد -الذي يسعى لكسب ود النهضة التي يدين لها بدعمها في وثيقة قرطاج ضد جميع الخصوم السياسيين الذين طالبوا برحيله- أصبح يعول في معركته الانتخابية في السباق الرئاسي على حربه الأخيرة على الفساد وعلى جزء من الجمهور الغاضب من نجل الرئيس الباجي قايد السبسي، وأيضا الذين سحبوا ثقتهم من رئيس الجمهورية السبسي.

المستقلون والمعارضة
ووفقا للأرقام ونتائج الانتخابات البلدية الأخيرة؛ فقد تغيرت موازين القوى بظهور أحزاب جديدة حققت صعودا بشكل ملفت للانتباه، لعل أبرزها التيار الديمقراطي، مقابل ذلك حافظت نتائج أحزاب أخرى على سابقتها في التشريعية والرئاسية، مثل الجبهة الشعبية.

في مقابل ذلك، يرجح مراقبون أن ينسحب مرشح الجبهة الشعبية (ائتلاف يساري يضم تسعة أحزاب تقدمية وقومية) أكبر المنتقدين للحكومة، والتي تتهم النهضة بالضلوع في تكوين جهاز سري، من الدور الأول، وذلك بسبب الخلافات بين مكوناتها حول مرشحها للرئاسيات، فرغم صوتها المعارض العالي فإنها لم تحقق نتائج في الانتخابات الأخيرة.

‪الجيلاني الهمامي يأمل أن تحقق الجبهة الشعبية نتائج أفضل في الانتخابات القادمة‬ (الجزيرة)
‪الجيلاني الهمامي يأمل أن تحقق الجبهة الشعبية نتائج أفضل في الانتخابات القادمة‬ (الجزيرة)

وعلق الجيلاني الهمامي القيادي في الجبهة الشعبية في تصريحه للجزيرة نت على ذلك قائلا إن الجبهة تأمل أن تحقق نتائج أفضل من التي حققتها في الانتخابات الماضية، معتبرا أن الجبهة تعول على مشروعها وبرنامجها الانتخابي في المراحل المقبلة، وأن يستنتج الشعب الدروس من الماضي.

من جهته، استبعد محمد عبو الناطق الرسمي باسم التيار الديمقراطي ومرشحه المفترض للانتخابات الرئاسية في تصريح للجزيرة نت إمكانية التقارب مع نداء تونس أو حركة النهضة، معتبرا أن حزبه ينتقد حركة النهضة والحكومة الحالية، ويسعى حاليا لربح أصوات الناخبين التونسيين، ولا يعول على استعطاف أي حزب في الانتخابات القادمة.

وأضاف عبو -الذي رفض حزبه سابقا التحالف مع قوى الجبهة الشعبية المعارضة- أن مرشح الانتخابات الرئاسية سيتم الإعلان عنه في اجتماع الحزب المقرر في 21 أبريل/نيسان القادم، معتبرا أن التيار الديمقراطي لن يتخلى عن مواقفه التي وصفها بالثابتة.

من جهة أخرى، يعتبر مراقبون للشأن السياسي أن الحزب الحر الدستوري الذي تقوده عبير موسي، كأحد بقايا النظام السابق، والتي تظهر نتائج مؤسسات سبر الآراء صعودها على مستوى نوايا التصويت، لن تحقق نتائج مفاجئة.

وعلى صعيد حزب نداء تونس، وحول موقفه من إمكانية إعادة التوافق مع حركة النهضة، اعتبر النائب عن نداء تونس رمزي خميس في تصريح للجزيرة نت "أن حزبه أنهى علاقته مع حركة النهضة، ولا يفكر في التحالف السياسي معها مجددا، معتبرا أن النداء سيسعى إلى ترميم بيته الداخلي، واستعادة ثقة جماهيره الواسعة، التي صوتت له في الانتخابات التي جرت سنة 2014.

ويرى مراقبون أن السبسي قد يلجأ إلى التحالف مع الحركات الدستورية لإعادة ترتيب بيت حزبه الداخلي، بشكل قد يعيد سيناريو رئاسيات 2014، التي أكد خلالها أن ترشح عدد كبير من المتنافسين سيشتت الأصوات.

المصدر : الجزيرة