تنازلات أم حوافز؟.. السلطة في السودان تغازل شباب الاحتجاجات

Sudanese demonstrators gather as they participate in anti-government protests in Khartoum, Sudan January 17, 2019. REUTERS/Mohamed Nureldin Abdallah
الشباب يشكلون نواة الاحتجاجات في السودان (رويترز)

أحمد فضل-الخرطوم

قررت الحكومة السودانية مراجعة قانون النظام العام في إطار حزمة حوافز للشباب، بعد أن ظلت مواده المثيرة للجدل سارية منذ التسعينيات رغم اعتراض نشطاء حقوق الإنسان.

وظن الكثير من الناشطين أن مدير الأمن السوداني صلاح قوش كان يرتجل عندما عزا الاحتجاجات للتضييق على الشباب، لكن مع استمرار المظاهرات بدأت السلطة تقدم للشباب ما يراه أنصارها حوافز وما يعده معارضوها تنازلات.

والجلي أن الاحتجاجات المتصلة منذ نحو شهرين ظل الشباب وقودها، فغالب دعاة الحراك والمعتقلين وحتى القتلى والمصابين هم من أجيال رأت النور في كنف الرئيس عمر البشير الذي يحكم منذ ثلاثة عقود.

ومغازلة الشباب بدأها البشير الشهر الماضي لدى مخاطبته حشدا في ولاية النيل الأبيض عندما قال إن للشباب قضايا عادلة ستلبيها الدولة، ثم عاتب قوش السلطات على منعها ارتياد الشباب لشارع النيل وتدخين "الشيشة"، كما اعتبر رئيس الوزراء معتز موسى مطالب الشباب مشروعة وستجد آذانا صاغية.

‪جانب من اجتماع المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني الذي خصص لمناقشة قضايا الشباب‬ (الجزيرة)
‪جانب من اجتماع المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني الذي خصص لمناقشة قضايا الشباب‬ (الجزيرة)

نسخة جديدة
وكان اللافت تخصيص حزب المؤتمر الوطني الحاكم اجتماعا ليل السبت لقضايا الشباب، حيث استمع فيه إلى مسؤولي الشباب في الحزب، وقرر مراجعة قوانين النظام العام والخدمة الوطنية (التجنيد الإجباري) حتى يجد الشباب فرصا للعمل.

وتضرر الشباب والفتيات من ملاحقات شرطة النظام العام التي يمكنها توقيفهم بناءً على مواد في قانون النظام العام تتعلق بالزي والفعل الفاضح، وكانت تتم المحاكمة في محاكمات إيجازية لا توفر حق الدفاع.

واعتبر نشطاء أن نتائج الاجتماع هي تنازلات لنسخة جديدة من "الإنقاذ" التي بدأت حكمها في يونيو/حزيران 1989 بتطبيق الشريعة الإسلامية ثم تجييش الشباب وإعلان الجهاد في جنوب السودان.

لكن محمد الواثق نائب الأمين العام لأمانة الشباب في حزب المؤتمر الوطني، ينفي للجزيرة نت أن تكون حزمة "الحوافز" اتخذت تحت ضغط الاحتجاجات، وإن كانت تصلح كقراءة لأسباب الاحتقان.

في المقابل يرى أحد الشباب المؤيدين للاحتجاجات -ويدعى البراق النذير الوراق- أن ما تقدمه الحكومة وحزبها الحاكم مجرد "تنازلات غير بريئة" نتيجة الضغط الشعبي وخوفا من إجبار النظام على ترك السلطة.

‪شباب يتظاهرون في الخرطوم‬ (رويترز)
‪شباب يتظاهرون في الخرطوم‬ (رويترز)

خطط مسبقة
ويقول الواثق إن لجنة من أمانة الشباب بدأت منذ يونيو/حزيران 2018 وضع مؤشرات انبنت عليها إستراتيجية خاصة بالشباب للفترة من 2019 إلى 2024، ويضيف "كنا نتحدث عن القضايا الرئيسية للشباب لأنهم يمثلون غالبية السكان، في ظل نسبة بطالة تبلغ 19.8%".

ويقول الواثق إن موازنة العام الحالي أتاحت 20 ألف وظيفة إلى جانب 140 ألف فرصة عبر التمويل الأصغر وحزمة حوافز أخرى، معتبرا أنها لا تمثل الطموح مع حاجة 900 ألف خريج خلال عشر سنوات لنحو 160 ألف وظيفة، لكن ثمة معالجات تتعلق بربط الاستثمار بالتوظيف.

وبشأن قانون النظام العام والخدمة الوطنية، يشير الواثق إلى أنها إشكالات طرحت منذ أكثر من شهر بالتركيز على الحريات والقوانين المقيدة للحركة الاجتماعية، من ضمنها مواد في قانون النظام العام لرفع وصاية الدولة على المجتمع، وزاد "عليها خلافات وتحتاج لمراجعات".

ويطالب حقوقيون الحكومة بإلغاء قانون النظام العام الساري في ولاية الخرطوم، كونه يفتح الباب واسعا لقوات الضبط والقضاة لاستخدام سلطاتهم التقديرية ضد الضحايا.

أما هاشم القصاص نائب الأمين العام لقطاع الطلاب في المؤتمر الوطني، فيقول للجزيرة نت إن ثمة حاجة لحواضن ثقافية وترفيهية لمقاومة الهجمة التي يتعرض لها الشباب في زمن الفضاء المفتوح، فضلا عن التوسع في الملاعب والمسارح لاستيعاب المواهب.

ويشدد على أهمية التوسع في أموال المحافظ بالبنوك لتقديم تسهيلات أكبر في التمويل الأصغر عبر مراجعة نسبة المرابحة المحددة بـ15% ورفع مبلغ التمويل.

رؤية مغايرة
لكن الوراق -المؤيد لحراك الشارع- يصف للجزيرة نت حزمة الحوافز بأنها "تصورات كلاسيكية خرجت من عقلية متكلسة وتقرأ الواقع بشكل زائف، فهي مطالب تجاوزها الشارع وهم يعرفون ذلك لكن يريدون تزييف الإرادة الشعبية مجددا".

ويتساءل "أين كانت هذه الوعود عندما كانت الأجهزة الأمنية تطيح بالشباب وتقيد حريتهم وتغلق عليهم منافذ الوعي والترفيه وتبادل المعرفة؟ أين كانوا خلال ثلاثة عقود هي عمر الإنقاذ؟"، ويطالب الحكومة بإبداء الجدية عبر إطلاق سراح المعتقلين بدلا عن مواجهتهم بالعنف والتعذيب.

ويقول الوراق إن أسلوب الوصاية لم ينجح ولن ينجح، وما لم يتم التغيير الشامل فستعبث يد الفساد والمحسوبية بأي مشروع يطرحه النظام، لذلك يجب أن يذهب ويترك الساحة لآخرين يقودون أي شكل للإصلاح الاجتماعي، بحسب وصفه.

وبمثل ما اتهم الرئيس البشير الاحتجاجات بأنها محاولة لاستنساخ الربيع العربي، فإن تبني حزبه الحاكم عقد مؤتمر قومي لمناقشة قضايا الشباب، يبدو أيضا محاولة لاستنساخ منتدى شباب العالم في مصر الذي يتبناه الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل شخصي، بحسب رأي بعض الناشطين.

المصدر : الجزيرة