غزة والنظام الجديد في الشرق الأوسط

epa03472903 Bombs dropped by Israeli warplanes explodes at a alleged position of Hamas extremists in the northern Gaza Strip, 16 November 2012. Israeli forces launched a heavy barrage of bombs at the break of dawn but also announce a three hours ceasefire during the visit of the Egyptian Prime Minister Hesham Qandil in the Gaza Strip. EPA/OLIVER WEIKEN
undefined

جاء في مقال لميشيل سنغ نشر في مجلة فورين بوليسي أن الحرب الدائرة في قطاع غزة تجري في ظروف إقليمية مختلفة بشكل كبير عن ما كان عليه الحال لدى اندلاع الجولة الأخيرة من الحرب في أواخر عام 2008 وأوائل العام 2009.

فالنظام الإقليمي القديم الذي كان سائدا آنذاك ولى إلى غير رجعة وحل مكانه نظام إقليمي جديد لم تتأكد ملامحه ولم يتم اختباره بعد, وشكلت الأزمة الأخيرة أول اختبار له، وستميط اللثام كثيرا عن كيفية تأثير الانتفاضات الأخيرة على اللاعبين الإقليميين الرئيسيين وعلى العلاقات فيما بينهم.

تم تشكيل النظام القديم في الشرق الأوسط بناء على مصالح مشتركة مما يعرف بنظام الأصول والفروع يعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة, فقد اهتم التحالف الأميركي فوق كل شيء بالاستقرار والازدهار الاقتصادي، رغم وجود اختلافات في رؤية كل جهة لمفهوم الاستقرار، فبالنسبة لأميركا كان الاستقرار يحتاج إلى إصلاحات سياسية واقتصادية، أما بالنسبة لحلفائها فقد كان ما يهمهم كثيرا هو المحافظة على الأمر الواقع المهتز بشكل متزايد.

كانت إسرائيل تشكل جزءا رئيسيا في هذا التحالف، وتعاونت بشكل واضح ومكشوف مع عدد من الدول الإقليمية, وبأساليب تكتيكية مع البعض الآخر, فقد كانت الرغبة المشتركة لدى كل من واشنطن وحلفائها العرب هي مقاومة وردع إيران ووكلائها ومحاربة المجموعات الإرهابية في المنطقة, وقد رحب العديد سرا أو جهرا عندما وجهت إسرائيل ضربة إلى حزب الله في الأيام الأولى من الحرب على لبنان عام 2006 أو عندما دمرت إسرائيل المفاعل النووي السوري عام 2007.

يبدو أن مرسي وحكومته حتى الآن ينتهجون سبيل الواقعية أو ما يعرف بالبراغماتية

نظام جديد
ويضيف الكاتب أن النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط أضحى مختلفا, ولكن لم يتضح مدى وكيفية هذا الاختلاف، وهناك سؤالان على وجه الخصوص يلفهما الغموض, أولهما: كيف ينظر القادة الجدد في المنطقة خاصة الرئيس المصري محمد مرسي إلى مصالحهم القومية وكذلك المصالح الإسرائيلية، علاوة على أن عدم الاستقرار أو مشاعر التطرف في المنطقة من شأنها صد الاستثمارات والسياحة التي تعتبر حيوية لإعادة انتعاش الاقتصاد المصري؟

إضافة إلى أن الحسابات السياسية للرئيس مرسي وأيديولوجية الإخوان المسلمين التي يعتنقها تشكل عقبة كأداء تحول دون حتى التعاون التكتيكي مع إسرائيل, ولكن يبدو أن مرسي وحكومته حتى حينه ينتهجون سبيل الواقعية أو ما يعرف بالبراغماتية, وسوف تكشف الأزمة الأخيرة في غزة إن كان مرسي ومعه زعماء المنطقة الآخرين يمنحون الأولوية للحسابات الأيديولوجية على حساب المصالح.

أما السؤال الثاني الذي يطرح نفسه فهو المنزلة التي تحتلها الولايات المتحدة في النظام الإقليمي الجديد، فالتردد والتقاعس الذي أبدته في مواجهة الاضطرابات الأخيرة في الشرق الأوسط وتوجه اهتمامها إلى آسيا، أعطى الانطباع بأن الولايات المتحدة ليست جاهزة للاستمرار في لعب دور الوسيط في المنطقة.

ويضيف ميشيل سنغ أن هذا يناسب بعض زعماء المنطقة, فزعماء كل من مصر وإيران يختلفون حول العديد من الأمور, ولكنهما يتشاركان في الرغبة بانحسار الدور الأميركي في المنطقة, ولكنه يثير السؤال المزعج بالنسبة لحلفاء أميركا بشأن الاعتماد على أميركا للعمل بحزم من أجل الحفاظ على مصالحنا المشتركة.

أدى هذا الغموض إلى تدهور ما عرف بنظام الأصل والفروع الذي استبدل به تشكيل نظام تحالفات إقليمية أصغر تعمل بشكل مستقل كما حصل عند تدخل مجلس التعاون الخليجي في البحرين, بينما هم يتنافسون فيما بينهم بشأن الزعامة, ولعل العامل الحاسم في تحول تركيا إلى الغرب أو الشرق هو البحث عن الزعامة الإقليمية والذي يعني النأي بنفسها عن تحالفها السابق مع إسرائيل.

الولايات المتحدة سوف ترد على الأزمة في غزة بما يقوي من مركزها, وأول ذلك هو التعبير عن دعمها القوي لإسرائيل, وستعمل من خلف الكواليس مع إسرائيل لتحديد الأهداف الرئيسية للعملية وإنجازها بصورة سريعة وحاسمة

نظرة مستقبلية
وفي حين اتضحت المعالم الأولى للتغيير في المنطقة فإنه ليس من المسلم به استمرارها، فسوف ترد الولايات المتحدة على الأزمة في غزة بما يقوي من مركزها وتحالفاتها في المنطقة, وأول ذلك هو التعبير عن دعمها القوي لإسرائيل, وستعمل الإدارة الأميركية من خلف الكواليس مع إسرائيل لتحديد الأهداف الرئيسية للعملية وإنجازها بصورة سريعة وحاسمة, وبمجرد توقف القتال فإن عليهما أن يطورا مقاربة واقعية ومشتركة تجاه غزة والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

أما الأمر الثاني فهو أن على الولايات المتحدة ممارسة شيء من النقاش السياسي الواقعي مع مصر وتركيا والحلفاء الإقليميين الآخرين, فأي تحالف قوي يجب أن يبنى على المصالح المشتركة وعلى أميركا إدراك أن زعماء المنطقة الجدد لا يشاركونها مفهوم تلك المصالح المشتركة, وأن حلفاءها يتصرفون وفقا لتلك المصالح, وفي هذا السياق يجب النظر إلى مساعداتها العسكرية والاقتصادية على أنها ليست من باب الإحسان أو أنها تعويض عن خدمة المزيد من المصالح الأميركية, ولكن كوسيلة سياسية لمزيد من المصالح المشتركة.

أما الأمر الثالث فهو أن على الولايات المتحدة أن تظهر قيادة حازمة وقوية خلال الأزمة لضمان أن تكون نتيجتها هي الدفع قدما بمصالحها ومصالح حلفائها, وكانت الخطوة الأولى لإدارة أوباما إيجابية, ولكن هناك المزيد من العمل عبر الأمم المتحدة لضمان استمرارية أي وقف لإطلاق النار وتعزيز الأمن الإقليمي وتشجيع حلفاء أميركا العرب للضغط على حماس لوقف التصعيد.

أما على المدى الأبعد فيجب تحويل دعمهم إلى السلطة الفلسطينية ولضمان وضع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين في مواقع أقرب للسلام منها إلى الحرب.

المصدر : فورين بوليسي