هل يلتئم الصف الفلسطيني في الصين؟

Hamas political leader Mussa Abu Marzuq (L) meets with Fatah official Azzam al-Ahmad in Damascus November 9, 2010.They discussed an Egyptian proposal to promote reconciliation between Hamas and the Fatah movement headed by Palestinian President Mahmoud Abbas. REUTERS/Hamas Office/Handout (SYRIA - Tags: POLITICS) THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. IT IS DISTRIBUTED, EXACTLY AS RECEIVED BY REUTERS, AS A SERVICE TO CLIENTS. QUALITY FROM SOURCE FOR EDITORIAL USE ONLY. NOT FOR SALE FOR MARKETING OR ADVERTISING CAMPAIGNS
عزام الأحمد (يمين) ترأس وفد حركة فتح بينما ترأس أبور مرزوق (يسار) وفد حماس (الأوروبية- أرشيف)

مرة أخرى تجتمع حركتا "فتح" و"حماس" الفلسطينيتان، ولكن هذه المرّة في الصين؛ لبحث سبل معالجة الانقسام الفلسطيني المزمن، وتوحيد الصف الفلسطيني في مرحلة استثنائية من تاريخ النضال الفلسطيني، يتعرّض فيها قطاع غزة لحرب إبادة شاملة بقيادة التحالف الصهيو- أميركي، ضمن محاولات تصفويّة حثيثة من اليمين الصهيوني المتطرّف، لتصفية القضية الفلسطينية، وابتلاع الضفة الغربية وقطاع غزة. فهل سيلتئم الجرح الفلسطيني الغائر في الصين، ويرتقي قادة الحركتَين إلى مستوى هذه المرحلة الخطيرة؟

الاستعراض السريع لتاريخ لقاءات المصالحة الفلسطينية، يكشف لنا هشاشة البنية السياسية الفلسطينية، وعجزها عن مواكبة تفاصيل حرب الإبادة الشاملة الصهيو- أميركية في قطاع غزة، وتداعياتها على الشعب الفلسطيني وقضيته

فشل مخجل

في الوقت الذي يقف فيه المرء وجلًا ليقدم تحية فخر واعتزاز وإجلال لصمود الشعب الفلسطيني، وإصراره على مقاومة الكيان الصهيوني، مهما بلغت التضحيات والمعاناة؛ يقف في غاية الخجل والحسرة والألم للفشل الذي منيت به محاولات توحيد الصفّ الوطني الفلسطيني، ورأب الصدع، ومعالجة الجرح الغائر الذي خلّفه الانقسام في صدر القضية الفلسطينية لأكثر من 17 عامًا.

وما يزيدك حسرة وألمًا، أنك تكاد لا تجد مثالًا لهذا الفشل تكرر عبر التاريخ، لأمة تمرّ في مثل ظروف القضية الفلسطينية، ويواجه فيها الشعب الفلسطيني عدوًا مشتركًا كالعدو الصهيوني.

وما يجعلنا لا نتوقّع من لقاء المصالحة المنعقد في الصين حاليًا أي تقدّم، كثرة اللقاءات التي انعقدت من قبل في العديد من العواصم العربية، وانتهت جميعها بالفشل، على الرغم من أنها لم تكن تمرُّ بالظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية حاليًا. ولتوضيح ذلك نمرُّ سريعًا على أبرز لقاءات المصالحة منذ بداية الانقسام إلى اليوم:

  • بعد وفاة الزعيم الراحل ياسر عرفات، انعقد اجتماع في القاهرة ضم معظم الفصائل الفلسطينية، – ومن بينها حركتا فتح وحماس، في مارس/ آذار 2005م-؛ بهدف توحيد الفصائل الفلسطينية ضد الاحتلال، وإعادة هيكلة منظمة التحرير.
  • بعد الانتخابات التشريعية التي فازت فيها حركة حماس في يناير/ كانون الثاني 2006، اجتمع زعماءُ الفصائل الفلسطينية في سجون الاحتلال – بمن فيهم فتح وحماس، في مايو/ أيار 2006م – واتّفقوا على وثيقة توافق وطنية عُرفت باسم "وثيقة السجناء"؛ بهدف توحيد الجهود بين الفصائل الفلسطينية ضد الاحتلال، وقد نصّت الوثيقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وقيام دولة فلسطينية على حدود 1967م، وقد وافق الرئيس محمود عباس على هذه الوثيقة، إلا أن المكتب السياسي لحماس رفضها؛ لأنها تستوجب اعترافها بدولة الكيان الصهيوني.
  • بعد الانتخابات التشريعية، اتفقت حماس مع الرئيس عباس على تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس وثيقة السجناء، لكنها رفضت الاعتراف بالاتفاقيات التي وقّعتها منظمة التحرير، ومبادرة السلام العربية لعام 2002م. في فبراير/ شباط 2007، اجتمع في مكة المكرمة، كل من الرئيس عباس، ورئيس وزرائه إسماعيل هنية، بحضور رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، ورئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة محمد دحلان، واتفقوا على الكفّ عن العدائيات، وإيقاف إطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
  • بعد سيطرة حماس على قطاع غزة سيطرة كاملة في يونيو/ حزيران 2007م، وانقسام السلطة الفلسطينية رأسيًا وأفقيًا إلى سلطتين: الأولى بقيادة حركة فتح في الضفة الغربية، والثانية بقيادة حركة حماس في قطاع غزة، اجتمع الطرفان في صنعاء في مارس/ آذار 2008م، واتفقا على استئناف الحوار لرأب الصدع، والعودة إلى ما كان عليه الوضع قبل أحداث غزة.
  • بعد معركة الفرقان (عملية الرصاص المصبوب) على قطاع غزة في ديسمبر/ كانون الأول 2008م، قدّمت القاهرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2009م وثيقة للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وقّعت عليها حركة فتح، إلا أن حماس من ضمن 7 فصائل أخرى رفضت التوقيع على الوثيقة، إلا إذا نصت على الثوابت الوطنية وحق المقاومة.
  • في سبتمبر/ أيلول 2010م اتفقت حركتا فتح وحماس في دمشق على الخطوات اللازم اتخاذها لتحقيق المصالحة بينهما، وعلى معالجة بعض المسائل العالقة باتفاقية القاهرة للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية.
  • في مايو/ أيار 2011، تم توقيع وثيقة القاهرة في احتفال خاص، والاتفاق على تشكيل حكومة مؤقتة مشتركة، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في عام 2012م.
  • تم الاجتماع بين الطرفين في الدوحة في فبراير/ شباط 2012م لمتابعة خطوات تنفيذ اتفاق القاهرة، الذي تم التأكيد عليه في القاهرة مرة أخرى في مايو/ أيار 2012م.
  • في أبريل/ نيسان وقّعت فتح وحماس مرة أخرى في غزة على تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات.
  • بعد معركة العصف المأكول (الجرف الصامد) في يوليو/ تموز 2014م؛ وقّعت فتح وحماس اتفاق القاهرة في سبتمبر/ أيلول 2014م، والذي أكد على تمكين حكومة الوفاق الوطني من القيام بمهامها في القطاع غزة، وتنفيذ الإعمار وحل الإشكاليات العالقة وتوحيد المؤسسات المدنية والأمنية.
  • التقى وفدا الحركتين في الدوحة في فبراير/ شباط 2016م؛ لبحث آلية تنفيذ الاتفاقيات السابقة، وعلى أن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية والإعداد للانتخابات في غضون ستة أشهر.
  • في أكتوبر/ تشرين الأول 2017م، وقّعت الحركتان على اتفاق القاهرة الذي اعتبره الرئيس عباس اتفاقًا نهائيًا لإنهاء الانقسام، والذي تم الاتفاق فيه على تمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها والقيام بمسؤوليتها الكاملة في إدارة شؤون قطاع غزة، بحد أقصى الأول من ديسمبر/كانون الأول 2017م.
  • لم يتم تنفيذ شيء مما سبق، وتوالت الاجتماعات بين القاهرة وبيروت وإسطنبول، دون أن تسفر عن شيء خارج الورق والتصريحات والبيانات الصحفية.
  • في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 اجتمعت الحركتان في الجزائر، واتفقتا على المصالحة وإنهاء الانقسام، إلا أن هذا الاتفاق لم يتجاوز كذلك البيانات والصور التذكارية.
  • في نهاية يوليو/ تموز 2023م، اجتمع عدد من الأمناء العامين للحركات الفلسطينية في مدينة العَلَمَين المصرية؛ بهدف المصالحة وإنهاء الانقسام – من بينها حركتا فتح وحماس – وحضره الرئيس أبو مازن، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.
  • وأخيرًا جاء اجتماع الفصائل الفلسطينية في موسكو أواخر فبراير/ شباط الماضي، بدعوة من الخارجية الروسية – وعلى رأسها حركتا فتح وحماس – من أجل توحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام؛ تحقيقًا لمصلحة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية في هذه المرحلة الحرجة، وانتهى الاجتماع دون أن يحقق شيئًا يتماشى مع ما يجري على الأرض الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، ولكنهم اتفقوا على مواصلة الحوار وصولًا إلى الوحدة الوطنية الشاملة في إطار منظمة التحرير، وكأنهم يجتمعون للمرة الأولى لهذا الغرض.

هذا الاستعراض السريع يكشف لنا هشاشة البنية السياسية الفلسطينية، وعجزها عن مواكبة تفاصيل حرب الإبادة الشاملة الصهيو- أميركية في قطاع غزة، وتداعياتها على الشعب الفلسطيني وقضيته، ويؤكد لنا للأسف الشديد أن اللقاء الجاري في بكين لا يتوقع له أن يسفر عن شيء يساعد في معالجة انقسام الصف الفلسطيني.

وسيبقى اللقاء مجرد تلبية بروتوكولية لدعوة الخارجية الصينية، ستضاف إلى سابقاتها من اللقاءات التي لم تفلح -رغم كثرتها- في معالجة الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني، والوقوف جنبًا إلى جنب في مواجهة التوحّش السافر للكيان الصهيوني وحلفائه.

هذا الفشل المنتظر يأخذنا من جديد إلى الأسئلة الدائرة الحائرة حول الأسباب الحقيقية لهذا الفشل، وإلى متى سيستمرّ، وكيف يمكن التغلب عليه؟. وهو ما سنحاول الإجابة عنه في مقال قادم بإذن الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.