استنتاجات مما يحدث في مصر

Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi (L) chack the hands with Army Generals with Egypt's Minister of Defense Sedki Sobhi (back) during a presentation of combat efficiency and equipment of the armed forces in Suez, Egypt, October 29, 2017 in this handout picture courtesy of the Egyptian Presidency. The Egyptian Presidency/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY

ضعف النظام
الحياد الخارجي
فائدة لثوار يناير! 

الدراما السريعة التي تقع في مصر -المتأهبة للانتخابات الرئاسية 2018- أدهشت المتابعين؛ فقد ظهر الإلحاح الشديد والصريح من النظام على انفراد المشير عبد الفتاح السيسي بخوض الانتخابات، في غياب أي منافس حقيقي أو بلا منافس على الإطلاق. فضُغط على الفريق أحمد شفيق -العائد من الإمارات لخوض المعركة- حتى تنازل، وهو يعلم أن إصراره سيودي به.

وكانت مفاجأة الفريق سامي عنان -رئيس أركان الجيش المصري الأسبق- بإعلان الترشح أشد وقْعا رغم توقُّع ذلك؛ فقد انتظر إعلان السيسي للترشح ليعلن خوضه المعركة هو الآخر، في بيان مقتضب انتقد فيه السياسات التي تُدار بها الدولة، لكن اللكمة التي وُجهت له أخرجته من الحلبة تماما متهَما بالتزوير والتحريض على القوات المسلحة!!

وأخيرا لم يجد المحامي والحقوقي خالد علي -وهو المدني الوحيد البارز في هذا السباق الساخن قبل بدئه، والبارد جدا في لجان الاقتراع والفرز كما يُتوقَّع- لنفسه موضعا وسط هذه السيقان الطويلة والصراع العسكري على منصب الرئاسة، فلملم أشياءه وانسحب أخيرا!!

ضعف النظام
يبدو رعب النظام واضحا من خوض انتخابات تنافسية تتقارب فيها احتمالات فوز المرشحين لها، فضلا عن أن تترجح كفة شخصية أخرى غير السيسي، وهو ما يؤكد أن النظام ليس بالقوة التي يحسبها بعض المتابعين، إلا أنه يراهن على امتلاكه القوة الخشنة للدولة متمثلة في الجيش والشرطة.

ولكي نضع النقاط فوق الحروف في هذه القضية؛ يجب أن نعلم أن السيسي يتحكم في هاتين المؤسستين بطرق لا تضمن له السيطرة الطبيعية عليهما؛ أي أنه لم يحقق هذا بحب وارتباط نفسي إيجابي بهما، وإنما سيطر على الشرطة بتوسيع سلطتها في التعامل مع المواطنين، وعدم محاسبتها على أخطائها وجرائمها.

يبدو رعب النظام واضحا من خوض انتخابات تنافسية تتقارب فيها احتمالات فوز المرشحين لها، فضلا عن أن تترجح كفة شخصية أخرى غير السيسي، وهو ما يؤكد أن النظام ليس بالقوة التي يحسبها بعض المتابعين، إلا أنه يراهن على امتلاكه القوة الخشنة للدولة متمثلة في الجيش والشرطة

كما رفع سقف الدخول المالية والامتيازات الاقتصادية لها، فصار مصيرها مرتبطا بمصيره؛ فللشرطة تعلم جيدا أنها هي أول ما سيزول من النظام إن سقط في هبة شعبية.

وأما الجيش، فإن المشاركين المباشرين من رجاله في جرائم النظام -حتى في مذابح رابعة والنهضة ورمسيس- ليسوا بالكثرة التي نلاحظها في الشرطة، إلا إذا استثنينا قوات الجيش العاملة بسيناء، فإنها صنعت عداوات عميقة بينها وبين سكان شمال شبه الجزيرة، بسبب اتساعها في العقوبة كمًّا وكيفًا؛ احترازا من العمليات الإرهابية أو ردا عليها.

إلا أن النظام قد توسع في تقديم الخدمات لرجال "الميري" (الجيش) عموما، ورفع رواتب أفراده وأصحاب رتبه الكبيرة عدة مرات. لكن مع هذا وذاك، فإن مساحة التأييد لقيادة السيسي لمصر داخل جيشها غير معروفة بالضبط بسبب حساسية المسألة وخطورتها.

ولو ربطنا الأمور بشَغْل السيسي للجيش في قضايا الصراع السياسي الداخلي، وتسببه في صراع استنزافي كبير له في سيناء، وتوظيفه لقواته في تثبيت سلطته؛ لتوقعنا وجود نسبة غير قليلة من عدم الرضا عن المشير في صفوف القيادة والضباط والجنود.

ولعل الطريقة التي يتعامل بها السيسي مع الجيش تُثبت ارتفاع هذه النسبة من عدم الرضا، وإن كان في الغالب مكتوما؛ فقد اهتم بالسيطرة على جهاز المخابرات العسكرية والسيطرة به على بقية الجيش، واصطفى لنفسه حراسا من أقرب الضباط إليه وأمهرهم، وينتمي بعضهم إلى الفرقة 777 الخاصة المتهمة بالمشاركة في مذبحة رابعة العدوية.

وقد منع السيسي غير حراسه من الدخول عليه بالسلاح، وبالغ في الاحتراز الأمني -حتى من زملائه القادة العسكريين- في اللقاءات التي تُذاع على الناس من وقت إلى آخر.

وباختصار؛ فإن النظام الضعيف عوَّل في تصرفاته مع المنافسين -بما في ذلك البطش بمن يسعى إلى منافسته سياسيا- على امتلاكه القوة الخشنة للدولة، لكن ولاء هذه القوة له ليس مضمونا تماما كما يشي بذلك كثير من الأدلة.

الحياد الخارجي
لم يَخف التواطؤ الخارجي الإقليمي والدولي في تنفيذ انقلاب الجيش في 3 يوليو/تموز 2013؛ فقد وقعت ضغوط غربية على الرئيس الشرعي المعزول محمد مرسي حينئذ، وشاركت بعض دول الجوار المصري في الإعداد والمساعدة على تنفيذ الانقلاب، بما لم يَبق فيه شك الآن.

لكن ماذا عن الموقف الخارجي مما يجري من الإصرار على عقد انتخابات رئاسية مصرية محسومة قبل انطلاقها لصالح السيسي؟

حين نستدعي صورة من التاريخ العربي قبل حوالي قرن من الآن، سنجد أن الصراع الذي دبّ في الجزيرة العربية بين الشريف حسين والأمير عبد العزيز آل سعود (الملك لاحقا)، كان يشهد تنافسا كبيرا بين الطرفين على الفوز برضا ومساندة بريطانياله مقابل رعاية مصالحها.

سامي عنان يمثل بديلا لمن يريد لمصر الاستقرار وإنهاء حالة الصراع، والوصول إلى نوع من المصالحة الداخلية التي تتنازل للمعارضة الثورية قليلا مقابل الصمت والسكون الثوري، على أن يتبع هذا هدوء ثوري بالتدريج في جبهات أخرى مثل اليمن وليبيا. ولعل هذا هو خيار ملك السعودية والاتحاد الأوروبي وغيرهما

وقبل أن ينتصر عبد العزيز في "معركة تِرْبَة" كانت الأصوات البريطانية المؤيدة له أقل من خصمه؛ باعتبار أنه ضعيف ولا يستطيع السيطرة على المنطقة وتنسيق العلاقات مع لندن. لكن انتصاره في المعركة المذكورة رفع أسهم الأمير ابن سعود الذي واصل طريق الانتصار والتوسع على حساب غريمه، بمساعدات بريطانية لم تنس الوثائقُ وكتب التاريخ تسجيلَها.

وكأني بهذه الصورة تحكي ما يحدث في مصر الآن؛ إذ ما دام الصراع القائم لا يحتوي على بدائل خطرة بين المرشحين، فدع الصراع يحسمه الأقوى، وإن كان لا بد من انتقادات غربية ديكورية تتعلق بحقوق الإنسان وحرية الترشح لانتخابات الرئاسة ولا تحسم شيئا، فلا بأس بهذا.

لكن مع هذا لا بد من أن نقول: إن السيسي يمثل خيارا لمن يريد إعادة ترتيب المنطقة من جذورها وفقا لمصالح خاصة، ومن هنا يمكن أن نرجح كونه خيارا للإمارات وإسرائيل وبعض أطراف الإدارة الأميركية.

وأما سامي عنان فيمثل بديلا لمن يريد لمصر الاستقرار وإنهاء حالة الصراع، والوصول إلى نوع من المصالحة الداخلية التي تتنازل للمعارضة الثورية قليلا مقابل الصمت والسكون الثوري، على أن يتبع هذا هدوء ثوري بالتدريج في جبهات أخرى مثل اليمن وليبيا. ولعل هذا هو خيار ملك السعودية والاتحاد الأوروبي وغيرهما.

ومهما يكن، فإن من الاستنتاجات المهمة للدراما ما قبل الانتخابية في مصر، أن الخارج لا يعنيه من أمر بلادنا إلا مصالحه، ولا يعبأ بها إلا حين تحتوي على بدائل خطرة عليه وعلى مصالحه.

فائدة لثوار يناير!
لم يتحول ثوار 25 يناير إلى أحافير قديمة إلى الآن، بل ما زالت هناك أصوات منهم ترتفع من وقت إلى آخر تنادي باستعادة الثورة ومواجهة الانقلاب، أو تذكّر العالم بكارثة الآلاف من النفوس البريئة التي تتعرض للمحاكمات الجائرة والتنكيل والقتل البطيء في سجون النظام.

وقد بدا بوضوح أن وجود مرشح ينافس السيسي في انتخابات الرئاسة سيفتح باب الخلاف في صفوف الثوار القدامى؛ خاصة بعد رسالة الملياردير الإخواني المصري يوسف ندا "الشخصية"، باستعداد الإخوان المسلمينلدعم عنان إذا ترشح بشروط، هي:

إن دراما ما قبل الانتخابات قد تركت للمعارضة الثورية ذكرى مهمة، وهي أن السيسي يوسّع دائرة أعدائه داخليا، وتبدو سياساته غير لائقة بأي دولة عاقلة مستقلة. وبالتالي؛ فإن التناقض تتسع دائرته، والغضب المكتوم يزداد مع الوقت، وهو ما يحتاج إلى توظيف دقيق

العودة بالجيش إلى مهمته الأصلية المتمثلة في خدمة الشعب وحمايته وحماية الدولة، والطلب من الرئيس المنتخب محمد مرسي التنازل لصالح الأمة، وتطهير القضاء والشرطة، والإفراج عن المعتقلين وتعويضهم، وإعادة النظر في القرارات المتعلقة بثروة مصر وحدودها.

فهل كان قيام السيسي باستبعاد المنافسين -بكل وسيلة- خيرا قدمه لمعارضيه بدون قصد؛ خاصة أن فوز عنان والمصالحة معه سيعني في عيون الراديكالية الثورية وضع نقطة النهاية لثورة 25 يناير؟

والحقيقة أننا لو قلنا إن السيسي قدّم خدمة للمعارضة -بهذه الدكتاتورية الفظيعة- بأن منعها من الاختلاف والتشرذم، فإن هذا يعني أن هذه المعارضة عاجزة عن الاتفاق على رأي، وعن إيجاد حلول للحالة المصرية القائمة، بل عاجزة عن مجرد قراءة الواقع بصورة صحيحة متكاملة، وعن المراهنة على زحزحات الواقع وتطوراته والاستعداد لذلك بما يلائمه.

إلا أن هذا لا يمنع من القول: إن دراما ما قبل الانتخابات قد تركت للمعارضة الثورية ذكرى مهمة، وهي أن السيسي يوسّع دائرة أعدائه داخليا، وتبدو سياساته غير لائقة بأي دولة عاقلة مستقلة.

وبالتالي؛ فإن التناقض تتسع دائرته، والغضب المكتوم يزداد مع الوقت، وهو ما يحتاج إلى توظيف دقيق؛ بحيث يمكن لفظ هذا النظام البائس بدون إدخال البلاد في صراع أهلي يدمر كل شيء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.