السياسة الخارجية الأميركية وتشكيلتا فريقي الحكم

السياسة الخارجية الأميركية والتشكيلتان المحتملتان لفريقي الحكم



طارق الكحلاوي

– فريق أوباما للسياسة الخارجية
– فريق ماكين للسياسة الخارجية

نشر موقع بوليتيكو (Politico.com) الذي أصبح في الأشهر الأخيرة الموقع الإعلامي الأبرز في تغطية الأجواء الانتخابية الأميركية، تقريرين منفصلين يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول بناء على مصادر مطلعة من بين المقربين من مرشحي الرئاسة الأميركيين حول الأسماء التي يمكن أن تجد لها مكانا في فريق الحكم الذي سيصل إلى البيت الأبيض في كلا الحالتين سواء أفاز السيناتور باراك أوباما أو السيناتور جون ماكين في الانتخابات الرئاسية يوم الثلاثاء الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني.

"
كان خطاب أوباما على منبر منظمة اللوبي الإسرائيلي (أيباك) يوحي بالتشكيك في كل التقارير التي أشارت قبل ذلك إلى تحلق فريق من المستشارين المعادين لإسرائيل حول السيناتور الديمقراطي
"

ورغم أهمية المقاعد الخاصة بالسياسات الداخلية، خاصة موقع وزير الخزانة الذي قد يكون من أول المواقع التي سيعلن الفائز في الانتخابات الرئاسية عن صاحبه، فإن الكثيرين داخل وخارج الولايات المتحدة ينتظرون الأسماء المرشحة لنيل المقاعد الخاصة بالسياسة الخارجية.

ومع ذلك فالتحضيرات جارية منذ الآن لضمان انتقال هادئ للسلطات في وزارة الخزانة رغم أن الوزير الجديد لن يبدأ عمله قبل شهر يناير/كانون الثاني.

وقد كنت تعرضت في مقال سابق في الجزيرة نت (11 مايو/أيار 2008) إلى ملامح الفريق الذي يمكن أن يسير السياسة الخارجية لباراك أوباما في حالة فوزه بالرئاسة، وأشرت حينذاك إلى معطيات كنت أكدت عليها قبل حوالي عام تحيل على تركز ما يسمى بفريق "الواقعيين الجدد" حول أوباما.

ومن بين أهم النقاط التي تتشكل حولها رؤى هذا الفريق المكون من خليط من الأكاديميين والخبراء في السياسة الخارجية من ذوي الميول الديمقراطية، نقطة إعادة تشكيل خريطة الحلفاء الدوليين لا على أساس معطيات ثابتة أيديولوجية وعقدية مثلما حصل في عهد المحافظين الجدد، بل على أساس المصالح الواقعية للأمن القومي الأميركي.

وهذا يعني التقليص من حجم الدعم المطلق تقريبا للسياسات الإسرائيلية في المنطقة، وإعادة تقييم العلاقات الأميركية الإسرائيلية على أساس مدى إضرارها أو نفعها للنفوذ الأميركي في المنطقة.

ولم يكن من الصدفة تزامن بروز مستشاري أوباما في السياسة الخارجية في خريف 2007 مع هجمات عنيفة من قبل بعض الأوساط المقربة من اللوبي الإسرائيلي على أوباما.

غير أن مجموعة من التطورات التي حصلت في سياق الحملة الانتخابية لباراك أوباما، خاصة بعد التأكد من حيازته في منتصف الصيف الماضي على بطاقة ترشيح الحزب الديمقراطي، دفعت البعض لتقديمه على أنه مجرد رقم مكرر في تاريخ العلاقات التقليدية الأميركية الإسرائيلية.

لكن بعيدا عن التعبيرات الكلامية والخطابية فإن المؤشر الأدق لتقييم التوجهات الحقيقية لمرشحي الرئاسة هي الأسماء التي يمكن أن تتبوأ مواقع متقدمة في فريق الحكم. ومن هذه الزاوية فإن تقريري موقع بوليتيكو يكتسبان أهمية بالغة.


فريق أوباما المحتمل للسياسة الخارجية
مع منتصف الصيف الماضي والتأكد حسابيا من أن المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية سيكون السيناتور باراك أوباما توالت مجموعة من المعطيات، خاصة الكلامية والخطابية التي تحيل إلى كون أوباما سيحافظ على نسق العلاقات الأميركية الإسرائيلية ضمن نفس أسس الانحياز المطلق التي شهدناها عبر السنوات الثماني الماضية.

كان خطاب أوباما على منبر منظمة اللوبي الإسرائيلي (أيباك) يوحي بالتشكيك في كل التقارير التي أشارت قبل ذلك إلى تحلق فريق من المستشارين "المعادين لإسرائيل" حول السيناتور الديمقراطي.

غير أن خطابا يكرر مجموعة من الشعارات العامة التقليدية في الأوساط السياسية الأميركية، وخاصة اللغة المطمئنة التي تميز بها ذلك الخطاب في سياق حملة انتخابية ترغب في ضمان إجماع ديمقراطي حول أوباما ليس المؤشر الأكثر مصداقية في تحديد ملامح السياسة الخارجية لأوباما، خاصة إزاء موضوع العلاقات الأميركية الإسرائيلية، إذ إنه في نفس الإطار الزمني توالت تقارير إخبارية مختلفة تشير إلى صعوبة الحكم على توجهات فريق السياسة الخارجية لأوباما.

مما لا شك فيه أنه قد حصل تغيير في فريق مستشاري أوباما للسياسة الخارجية مع حلول منتصف الصيف الماضي، إذ لم يعد هذا الفريق مكونا فقط من المقربين من مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر زبيغنيو بريجنسكي الذين أصبحوا يشكلون محور الاتجاه المسمى بالواقعية الجديدة.

وكان من اللافت أن أوباما تجنب طلب التكلم في مؤتمر الحزب الديمقراطي من الرئيس كارتر، وهو ما تم تفسيره من قبل الكثيرين على أنه محاولة لتجنب إثارة غضب اللوبي الإسرائيلي الذي كان يشن حملة قوية على كارتر إثر اتهام الأخير إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري.

وتسرب إلى بعض وسائل الإعلام أن أوباما أقام صفقة مع فريق حملة هيلاري كلينتون يتم بموجبها دمج مجموعة مستشاريها بما في ذلك مستشارو السياسة الخارجية ضمن فريق أوباما.

أدى ذلك إلى فريق كبير جدا من المستشارين شديد التعقيد من حيث تضارب رؤاه، خاصة بين الواقعيين التقليديين (من مستشاري هيلاري كلينتون) والواقعيين الجدد.

وكان تقرير نشر في صحيفة نيويورك تايمز، وكذلك في نيويورك ماغازين بتاريخ 18 يوليو/تموز الماضي قد أشار إلى أن فريق أوباما للسياسة الخارجية أصبح وزارة خارجية بديلة وجيشا من الخبراء قارب عدده ثلاثمائة شخص.

وتم تقسيم هذا الفريق إلى مجموعة من ورشات العمل حسب المناطق الجغرافية عبر العالم، تقدم تقارير يومية إلى نخبة من المستشارين المحيطين بأوباما.

ومثل رئيس أميركي يباشر فعلا مهام الرئاسة يتلقى أوباما منذ منتصف الصيف الماضي يوميا تقريرا يلخص أهم المعطيات والتطورات الدولية، وهل من الضروري التعبير عن موقف في علاقة بأي من هذه التطورات وماهية ذلك الموقف.

والأسماء التي تم عرضها آنذاك كثيرة وتدل على تنوع التوجهات، مما يؤكد الآراء التي تحدثت عن صفقة ممكنة بين حملتي أوباما وكلينتون لدمج عدد من مستشاري الأخيرة في حملة أوباما.

وهنا تأتي أهمية تقرير بوليتيكو الصادر يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول بفعل احتواء قائمة المرشحين فيه على أسماء محددة وقليلة تجعل تقييم آفاق السياسة الخارجية لأوباما أقل صعوبة.

"
فريق الواقعيين الجدد سيلعب دورا كبيرا أيضا في السياسة الخارجية في تشكيلة أوباما بالرغم من أنه لم يحتكر المواقع مثلما كان عليه الوضع قبل ستة أشهر في حملة أوباما
"

احتوت القائمة على المرشحين أدناه حسب المواقع ذات العلاقة بشؤون السياسة الخارجية:
– المرشحون لموقع مستشار الأمن القومي: جيم ستاينبيرغ (نائب مستشار الأمن القومي لدى الرئيس بيل كلينتون) أو غريغوري كريغ (المستشار الخاص للرئيس كلينتون) أو سوزان رايس (كبيرة مستشاري حملة أوباما ومساعدة وزير الخارجية في الشؤون الأفريقية في عهد الرئيس كلينتون) أو أنتوني زيني (قائد القيادة العسكرية المركزية سابقا في عهد الرئيس كلينتون) أو سامانتا باور (أستاذة في مدرسة كينيدي للحكم في جامعة هارفارد وكبيرة مستشاري أوباما حتى استقالتها في شهر مارس/آذار الماضي).

– المرشحون لموقع وزير الدفاع: شاك هاغل (سيناتور جمهوري) أو ريتشارد دانزيغ (سكرتير البحرية الأميركية في عهد الرئيس كلينتون) أو جون هامر (رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ونائب وزير الدفاع أواخر عهد الرئيس كلينتون) أو استمرار وزير الدفاع الحالي روبرت غيتس في موقعه إلى عام آخر.

– المرشحون لموقع وزير الخارجية: بيل ريتشاردسون (حاكم ولاية نيو مكسيكو) أو جون كيري (سيناتور ديمقراطي والمرشح السابق للرئاسة سنة 2004) جون لوغار (سيناتور جمهوري).

– المرشحون لمنصب نائب وزير الخارجية: غريغوري كريغ (المذكور أعلاه)

– المرشحون لمنصب مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية: سامانتا باور (المذكورة أعلاه).

– سفير الولايات المتحدة في منظمة الأمم المتحدة: سوزان رايس (المذكورة أعلاه) أو كارولين كينيدي (ابنة الرئيس الراحل جون كينيدي).

– مدير وكالة الاستخبارات المركزية: تيم رومير (نائب ديمقراطي سابق في مجلس النواب) أو جاين هرمان (نائبة ديمقراطية في مجلس النواب).

– مدير الاستخبارات القومية: جاين هرمان (المذكورة أعلاه).

الملاحظات المبدئية والسريعة في هذا السياق تؤكد أن هذه القائمة تشير بدون شك إلى ميل أكبر لدى أوباما إلى النخبة التقليدية للسياسة الخارجية داخل الحزب الديمقراطي أكثر مما كان عليه الوضع قبل ستة أشهر أي قبل حصوله على ترشيح الديمقراطيين للرئاسة في منتصف الصيف الماضي.

يظهر ذلك بشكل خاص في الحضور البارز لمساعدين سابقين للرئيس كلينتون، لكن يجب القول إن عددا من هؤلاء مثل سوزان رايس كانوا موجودين ضمن حملة أوباما بشكل مبكر ولم يكونوا ضمن حملة هيلاري كلينتون، مما يعني أننا لسنا بصدد وجوه تقليدية تماما من إدارة الرئيس كلينتون.

ومن اللافت مثلا غياب وجوه بارزة من التيار الواقعي التقليدي ومن المقربين بشكل خاص من آل كلينتون مثل ريتشارد هولبروك الذي كان سيلعب دورا متقدما إذا ما فازت هيلاري بترشيح الحزب.

من جهة أخرى من الضروري أن نلاحظ أن فريق الواقعيين الجدد سيلعب دورا كبيرا أيضا في السياسة الخارجية في تشكيلة أوباما بالرغم من أنه لم يحتكر المواقع، مثلما كان عليه الوضع قبل ستة أشهر في حملة أوباما.

تكرار اسم سامانتا باور في هذا القائمة يشير إلى حتمية حضورها في إدارة أوباما القادمة، وهذا مؤشر على تمسك أوباما بحضور رؤية الواقعيين الجدد ضمن فريقه للسياسة الخارجية.

للتذكير فإن باور تعرضت لحملة انتقادات شديدة من قبل اللوبي الإسرائيلي في الربيع الماضي بدعوى أنها معادية لإسرائيل، وذلك بسبب انتقادها السياسات الإسرائيلية والتحيز الأميركي المطلق لإسرائيل، وهو ما أدى لاستقالتها من حملة أوباما.

تبدو الاستقالة في السياق الراهن وكأنها كانت خطوة تؤكد توجه أوباما التكتيكي لحماية نفسه من ضغوط اللوبي الإسرائيلي في ذلك الوقت الحساس من حملته الانتخابية.

حضور بيل ريتشاردسون أيضا يصب في اتجاه الواقعيين الجدد وفي اتجاه الابتعاد عن النخبة التقليدية التابعة للرئيس كلينتون.

وقد كان ريتشاردسون أحد الأعمدة السابقة لإدارة الرئيس كلينتون إلا أنه دخل في صراع قوي معه، وكان من الأوائل الذين رفعوا شعار الواقعية الجديدة على رأس أولياته عندما طرح نفسه مرشحا في الانتخابات الداخلية للحزب الديمقراطي.

أخيرا هناك توجه واضح لإقحام قيادات من الحزب الجمهوري معروفة باستقلاليتها ومعارضتها القوية والمبكرة للحرب على العراق ودعوتها للانسحاب من هناك.

ينطبق ذلك بشكل واضح على كل من هاغل ولوغار اللذين رافقا أوباما في رحلته إلى العراق في الصيف الماضي، وتم تقديمهما على أنهما دليلين للسيناتور الشاب في استكشاف طريقه في العراق (انظر بهذا الصدد تقريرا صدر عن مجلة تايم بتاريخ 17 يوليو/تموز الماضي).


"
هناك ما يكفي من المعطيات الدالة على حسم ماكين أمره وميله نحو ما تبقى من أقطاب المحافظين الجدد مثل وليام كريستول في ملف السياسة الخارجية
"

فريق ماكين للسياسة الخارجية
لا يمكن الحديث بشكل مطول عن الفريق المحتمل الخاص بالسياسة الخارجية بالنسبة للسيناتور ماكين وذلك لسببين أساسيين، أولا، لتشكل الملامح العامة لفريق السياسة الخارجية لماكين بصورة مبكرة عند إعادة تشكيل خارطة تحالفاته على خلفية ترشيح الحزب الجمهوري له في الرئاسيات، ثانيا، لأن تقرير بوليتيكو الخاص بماكين، بعكس التقرير الخاص بأوباما لا يحتوي على الكثير من المرشحين مما يعكس أزمة الثقة التي ميزت حملة ماكين في الفترة الأخيرة بما في ذلك شكوك عدد من مساعديه في إمكانية تحقيق انتصار في الانتخابات الرئاسية.

وكانت تقارير مختلفة في بداية هذا العام خاصة تقرير بإمضاء جاكوب هايلبورن في موقع "هافينغتون بوست" بتاريخ 21 يناير/كانون الثاني 2008 قد قدمت ما يكفي من المعطيات الدالة على حسم ماكين أمره وميله نحو ما تبقى من أقطاب المحافظين الجدد مثل وليام كريستول في ملف السياسة الخارجية.

التقارب بين الطرفين، بعد مرحلة طويلة من التباعد وحتى الصراع، تجسد في الالتقاء منذ عامين حول سياسة "زيادة القوات الأميركية" في العراق.

وقد أشار بوب ودورد في كتابه الأخير "الحرب في الداخل" إلى العلاقة القوية بين مخططي هذه السياسة من أعضاء "معهد المؤسسة الأميركية" المقرب من المحافظين الجدد والسيناتور جون ماكين.

وتعمقت العلاقة بين ماكين وهذا التيار حتى تجسمت في قرار ماكين اختيار سارة بالين لموقع نائبة الرئيس، وهي المقربة من أوساط الإنجيليين اليمينيين، الحليف التاريخي للمحافظين الجدد.

وعموما لا يوجد الكثير من الجدال حول الدور البارز للأخيرين في السياسة الخارجية إذا ما أصبح ماكين رئيسا.

تقرير بوليتيكو الخاص بالمرشحين المحتملين لتشكيل فريق الحكم لماكين لا يحتوي أسماء كثيرة:
– المرشحون لمنصب وزير الدفاع: جون ليهمان (الوزير السابق للبحرية في عهد الرئيس ريغان، والعضو البارز في عدد من مراكز البحث خاصة "مشروع من أجل قرن أميركي جديد") أو جو ليبرمان (السيناتور الديمقراطي سابقا والمستقل حاليا). أو ليندسي غراهام (السيناتور الجمهوري) أو روبرت غيتس وزير الدفاع الحالي.

– المرشحون لمنصب مستشار الأمن القومي: راندي شونمان (كبير المستشارين حاليا لجون ماكين في السياسة الخارجية ومن أبرز أعضاء "مشروع من أجل قرن أميركي جديد" ترأس "لجنة تحرير العراق" فيه، وهو مستشار سابق لوزير الدفاع السابق دونالد رمسفيلد)

لا يمكن عدم الانتباه إلى أننا هنا بصدد قائمة تحتوي حضورا بارزا لصقور الحزب الجمهوري أو حتى المستقلين مثل ليبرمان، وتحديدا من بين المقربين من مراكز أسست لتيار المحافظين الجدد في تسعينيات القرن الماضي خاصة منها "مشروع من أجل قرن أميركي جديد".
__________________
كاتب تونسي

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.