"ليش ما بلّغت؟".. سعوديات يكشفن السر الصعب

في الحجر المنزلي ما كلنا آمنين ثورة السعوديات ضد العنف الأسري (مواقع التواصل)
الحجر المنزلي الناتج عن انتشار فيروس كورونا تسبب في تزايد العنف الأسري بمعظم البلاد (مواقع التواصل)

 

فريدة أحمد

في توقيت متزامن توالت تقارير من مختلف دول العالم تؤكد ارتفاع حاد في حالات العنف المنزلي ضد النساء، مع اتساع رقعة إجراءات الإغلاق التي تتخذها عدة دول للحد من انتشار فيروس كورونا، ووصل الأمر إلى الأمم المتحدة التي دعا أمينها العام أنطونيو غوتيريش إلى اتخاذ تدابير لمعالجة ما سماها "الطفرة العالمية المروعة في العنف المنزلي".

أما في المملكة العربية السعودية فقد أطلقت نساء وفتيات وسم "ليش_ما_بلغت؟" على تويتر يحكين فيه عن تجاربهن مع العنف الأسري.

وتناولت روايات السعوديات أنواعا متعددة من العنف الأسري، ما بين لفظي وجسدي ونفسي، وعبرت إحداهن عن المشكلة بوضوح واختصار "في الحجر المنزلي ما كلنا آمنات".

تزايد العنف وندرة التقارير
ومع تزايد حالات العنف المنزلي ضد النساء حول العالم وورود تقارير مختلفة توثق تلك الطفرة مع بقاء المعنفة مع معنفها في بيت واحد لفترات طويلة، لم تكن السعودية مختلفة عن باقي الدول، لكن طبيعة المملكة لا تسمح بخروج مثل تلك الإحصاءات والتقارير.

من جانبه، يرى ناشط حقوقي سعودي -طلب عدم ذكر اسمه- أن حالات العنف ضد النساء في السعودية ترتفع بصورة كبيرة مع حالة الإغلاق التي تشهدها البلاد، وهو ما ساهم في ظهور ذلك الوسم.

وقال الناشط للجزيرة نت "تشهد السعودية تغيرات كثيرة، لكن المجتمع السعودي يحتاج إلى سنوات طويلة لتقبل ذلك الأمر، والرجال الذين نشؤوا على التحكم في المرأة يحتاجون إلى فترات أطول لتقبل الحد من سلطتهم على النساء".

ووفقا لمركز رؤية للدراسات الاجتماعية، فإن العنف ضد النساء يبدأ مبكرا، ويتنوع ما بين تفضيل الأبناء الذكور على الإناث وإعاقة زواج البنات دون مبررات كافية، فضلا عن الضغوط التي تمارس على المرأة المطلقة والحد من تحركات النساء.

ويقول الناشط الحقوقي إن "الحصول على إحصاءات وأرقام حول العنف الأسري أمر صعب للغاية، إذ لا تتمكن الضحايا في أغلب الحالات من الإبلاغ عن الجاني، ورغم أن السعودية في العام 2013 أصدرت تشريعا يجرم العنف المنزلي فإنه لا يتم تفعيل القانون في كثير من الحالات، إذ ينظر إلى تلك الحوادث باعتبارها شأنا أسريا".

بينما أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش في العام 2018 إلى أن 35% من السعوديات تعرضن للعنف، وأن النساء يعانين عند الإبلاغ عن حادث للشرطة أو عند الحصول على الخدمات الاجتماعية.

‪البعض ينظر لحالات العنف المنزلي باعتبارها شأنا أسريا‬ (مواقع التواصل )
‪البعض ينظر لحالات العنف المنزلي باعتبارها شأنا أسريا‬ (مواقع التواصل )

إجابة السؤال الصعب
لماذا لم تبلغ السعوديات عن العنف؟ كان ذلك هو السؤال الذي قامت على أساسه حملة "# ليش_ما_بلغت؟"، وتعددت الإجابات وتنوعت بين المغردات، كان أكثر الإجابات صغر السن والأعراف التي تلقي باللوم على الفتاة، خاصة إذا كان الجاني أحد أقاربها، وتقول إحدى المغردات "ما بلغت لأنه أبي"، وتقول أخرى "لأنه عمي وتكتموا على الموضوع لأنه كان صغيرا، مع العلم أنه بالمتوسط وقتها، يعني واعي".

 

وتقول أخرى "لأنه بكل بساطه قالت لي أمي إذا بدك تعيشي ما تحكي لحدا".

والسبب الثاني الأكثر انتشارا بين المغردات لعدم التبليغ هو عدم الثقة في الجهات المنوط بها متابعة حالات العنف الأسري، إذ أشارت إحدى المغردات إلى أن الجهات المسؤولة تميل إلى الوقوف بجانب الرجل وتتجاهل البلاغات التي تقدمها النساء ضد ذويهن من الرجال.

وعبرت بعض الفتيات عن أن مركز بلاغات العنف الأسري 1919 لا يؤدي دوره كما يجب، لكن المركز رد على بعض المغردات عبر حسابه الرسمي على تويتر، إذ طالبهن المسؤولون عن المركز بالتواصل، مع التأكيد على "اتخاذه الإجراءات اللازمة لحماية الأطراف والتدخل العاجل بما نصت عليه لائحة الحماية من الإيذاء".

دور الرعاية.. سجن الضحية
وجاء الخوف من دور الرعاية كأحد أهم الأسباب التي تمنع السعوديات من الإبلاغ، إذ أكدت إحدى المغردات أن الضحية تسجن في دار الرعاية والجاني يبقى طليقا.

ويشير الناشط الحقوقي إلى أنه رغم أن المجتمع السعودي شهد كثيرا من التحولات مؤخرا وعددا من الإصلاحات التي تصب في صالح المرأة السعودية، كرفع قوانين ولاية الرجل، والسماح لها بالسفر دون إذن، وتمكينها من تسجيل المواليد والوفيات، والسماح لها بقيادة السيارة فإن تلك الإصلاحات ما زالت مقيدة على أرض الواقع.

ويوضح "يمكن للمرأة السفر أو محاولة ممارسة حقوقها كما كفلها القانون، لكن في نفس الوقت يمكن لزوجها أو والدها أو عمها أو شقيقها أن يعطل ذلك ويتهمها بعدم طاعة ولي الأمر، فتسجن في دار الرعاية ولا تخرج منها إلا بموافقته، تلك الإصلاحات لا وجود فعليا لها على أرض الواقع، وكان الأولى أن تغلق تلك المؤسسة".

افتعال المشاكل
من جانبها، تشير دلال ناصر -وهي سيدة سعودية في نهاية الثلاثينيات- إلى أن المرأة حصلت على الكثير من حقوقها بفضل الإصلاحات الأخيرة في المملكة، وأصبحت لها مكانة، موضحة أن عددا من النساء استفدن من تلك الإصلاحات، لأنهن كن يعانين من أقارب ظالمين حسب وصفها، في المقابل هناك نساء استغللن تلك القرارات بشكل خاطئ وظلمن أهلهن، على حد قولها.

وتروي دلال في حديثها للجزيرة نت قصة صديقة تنتمي إلى أسرة ثرية، تقدمت بشكوى ضد والدها وطالبت بإسقاط ولايته بزعم أنها فوق السن لأنها تريد العيش بمفردها، لكن المؤسسات الحكومية لا تنظر في تلك الشكاوى لأنه ليست هناك أسباب مقنعة، وقام والدها حينها بطردها من البيت، وسكنتها الدولة في دار الرعاية.

وتضيف دلال "بالنسبة للأهل الظالمين للفتيات أصبحوا يحسبون ألف حساب قبل أن يمسوا المرأة، لأنه لو أحدهم ابتزها تستطيع الإبلاغ عنه وهي بالمنزل، إذ تقوم الجهة المسؤولة بتقصي الحقيقة ومعاقبة الجناة".

المصدر : الجزيرة