طريق غير مفروش بالورود في يوم عالمي للمرأة الفلكية

عبد الغني بلوط - عبد الغني بلوط/ طالبة تتأمل ملصق معروض على هامش اللقاء العلمي حول النساء الفلكيات/ المغرب/ مراكش/ كلية العلوم - طريق غير مفروش بالورود في يوم عالمي للمرأة الفلكية
طالبة تتأمل ملصقا معروضا على هامش اللقاء العلمي حول النساء الفلكيات بكلية العلوم في مراكش (الجزيرة)

عبد الغني بلوط-مراكش

"كم أنتن محظوظات اليوم لكونكن نساء مقتحمات لعالم العلم بكل جرأة وشجاعة"، هكذا خاطبت الباحثة البروفسورة عزيزة بونهير الطالبات الباحثات في سلك الدكتوراه في مجال الفلك، واللواتي حضرن لتقديم بحوثهن العلمية في لقاء علمي نظم بكلية العلوم في مدينة مراكش المغربية.

تقول بونهير من مختبر فيزياء الطاقات العليا والفيزياء الفلكية بالكلية ذاتها -للجزيرة نت- إن الاحتفال العالمي من قبل الاتحاد الدولي للفلك في 11 فبراير/شباط بالنساء الفلكيات له دلالة كبيرة، بالنظر لكون عدد منهن تعرضن للتهميش والبخس في كل بلاد العالم. إنه احتفال يرمي إلى دفع النساء إلى العلم الدقيق، وتمكينهن من البحث والاكتشاف إلى جانب الرجال.

بخس وإقصاء
لا يتذكر أحد مثلا كيف أن العالم بيكورينغ في مرصد جامعة هارفرد استعمل في أبحاثه نساء في الحساب مثل آلات، لأنهن في نظره  يد رخيصة ولا يمكنهن التصويت والانتخاب.

تسرد بونهير أن العديد من النساء اللواتي أقصين استطعن أن يبهرن العالم فيما بعد باكتشافاتهن، منهن ويليامينا فليمينغ التي عملت في مختبر بيكورينغ، لكن هذه "الحاسبة" هي التي غيرت وجه العالم في مجال الفلك، وقامت بترتيب النجوم بطريقة مغايرة واكتشاف عدد كبير من المذنبات، وطريقة حساب المسافة التي تفصل الأرض عن أي كوكب آخر.

تقول بونهير: للأسف كانت هذه العالمة الفلكية مرشحة لنيل جائزة نوبل، لكن المنظمين اكتشفوا أنها ماتت قبل وقت طويل في تجاهل تام لإنجازها العبقري.

ماري كوبرفيل مثال آخر للتهميش، بحسب بونهير، وهي التي ترجمت كتابا في غاية الأهمية في الفلك بطريقة مبسطة، وساهمت في انتشاره بين المهتمين والباحثين.

‪طالبات دكتوراه مغربيات يقدمن شروحا عن علم الفلك للجمهور بكلية العلوم في مراكش‬ (الجزيرة)
‪طالبات دكتوراه مغربيات يقدمن شروحا عن علم الفلك للجمهور بكلية العلوم في مراكش‬ (الجزيرة)

وتبرز بونهير أنه لا يمكن حصر النساء الذين عانين من البخس في مجال العلم، مشيرة إلى أن عالمة فلكية مثل فيراك وببر روبان التي قدمت بحثها الرائع سنة 1950 في مؤتمر دولي في بينسيلفانيا، لكن نتائجه لم تقبل -لكونها امرأة- قبل أن يتم الاعتراف ببحوثها بعد ذلك بثلاثين سنة، وبالرغم من اكتشافاتها المتعددة والمهمة جدا لم يتم اقتراحها لجائزة نوبل.

بحوث بلمسة نسائية
تقول بونهير: بإلقاء نظرة سريعة على بحوث الطالبات الأربع عشرة في سلك الدكتوراه في المختبر، نجد لمسة نسائية لا يمكن تجاهلها، وتضيف "لا أطالب بتمييز إيجابي لصالحهن، ولكن توفير نفس الظروف وإتاحة نفس الفرص".

وتعمل طالبة الدكتوراه إيمان مومن -سنة ثالثة في الفيزياء النووية النظرية- على تحليل مكونات النواة وشكلها، وتعتمد -بحسب تصريح للجزيرة نت- على معطيات تجريبية باستعمال معادلات حسابية، ومقارنتها مع أعمال تطبيقية منجزة في الخارج.

كما تبحث طالبة الدكتوراه جميلة شوقر (سنة ثالثة) في "احتمال وجود حياة في كواكب أخرى غير الأرض"، وتعتمد الدراسة على مبدأ علمي يشمل حساب الضوء خلال مرور نجم حول كوكب مرتبط به من خلال التلسكوب، وهو ما يمكّن من معرفة التركيب الكيميائي الموجود فيه.

وتقول للجزيرة نت إن البحوث التي تنجز حاليا أظهرت اكتشاف البوتاسيوم في كواكب أخرى، أو الكالسيوم أو الماء في حالته  البخارية، والهدف هو اكتشاف الماء في حالته السائلة أو الأكسجين، لأنه دليل كبير على وجود حياة في مكان آخر غير الأرض.

أما الطالبة آمال لطفي (سنة ثالثة ولها علاقة تعاون بحثي مع جامعة في فرنسا)، فتبحث في التأثيرات على الغلاف الأيوني خلال حدوث الظواهر الشمسية القصوى.

وتدرس آمال العلاقة بين الغلاف الأيوني والغلاف الجوي، حيث تجمع المعطيات من موقعين مختلفين في المغرب وفرنسا. وتبرز أهمية بحثها للجزيرة نت في كون الغلاف الأيوني يعتمد عليه في المواصلات اللاسلكية، وتلك الظواهر الشمسية القصوى قد تؤثر على جودة إرسال المعلومات واستقبالها.

‪جميلة بونهير: الاحتفال بيوم عالمي للمرأة الفلكية له دلالة كبيرة‬ (الجزيرة)
‪جميلة بونهير: الاحتفال بيوم عالمي للمرأة الفلكية له دلالة كبيرة‬ (الجزيرة)

معيقات
تقول بونهير وهي تجيب عن أسئلة الحضور: لا يمكن أن نسقط في النسوية العلمية ونحن نستعرض الظلم الذي لحق بالنساء الفلكيات، فالمرأة قد تظلمها امرأة مثلها أو رجل أو المجتمع والتقاليد.

فيما تجمع الطالبات أن وضعهن الاعتباري الآن في المجتمع المغربي يسمح لهن باقتحام مجال العلوم بكل حرية.

وقد تكون بعض التقاليد الأسرية عائقا في سفر المرأة أو ابتعادها عن الأسرة، لكن ذلك يتلاشى مع تقدمها في بحثها وتبوئها المكانة العلمية اللائقة بها في المجتمع، كما تؤكد للجزيرة نت أقادير خديجة طالبة الدكتوراه في السنة الأولى.

وتتأسف آمال لما وقع لعالمات فلكيات في الماضي، لكنها في المقابل تفتخر بما اكتشفنه، وهؤلاء هن قدواتها في رفع التحدي والاكتشاف.

أما إيمان مومن فتبرز في حديثها للجزيرة نت أن توجهها للمجال النظري راجع إلى قلة الإمكانيات في الدول النامية، ومنها المغرب.

فيما تعتقد جميلة شوقر أن في العلم لا يوجد قدوة أنثى وقدوة ذكر، وحده الإنجاز يكون معتبرا. وتقول "إذا كان من قدوة سأختار ألبرت آينشتاين"، قبل أن تعود لتضيف "تلهمني أيضا ماري كوري".

وبحسب الإحصائيات التي قدمت في الملتقى، فنسبة النساء الباحثات والعالمات ما زالت لم تصل إلى المستوى المطلوب، ويكاد الحضور يجمع أنه وحده عشق العلم والشغف به هو ما يصنع المجد، بغض النظر عن كل ما سواهما.

المصدر : الجزيرة