مرسوم رئاسي برفع سن الزواج يثير جدلا في فلسطين

التفاصيل التي يتذكرها الأزواج عن يوم زفافهم
مرسوم بقانون لرئيس السلطة الفلسطينية رفع سن الزواج لكلا الجنسين إلى 18 عاما (غيتي)

عوض الرجوب-الخليل

حسم مرسوم بقانون أصدره رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس جدلا طويلا حول رفع سن الزواج لكلا الجنسين إلى 18 عاما، لكن المرسوم أثار ردود فعل متناقضة بين من أيد القرار ومن رفضه أو تحفظ عليه.

على المستوى الرسمي ولدى المؤسسات الحقوقية قوبل القرار بارتياح، وكذلك بعض الأوساط الدينية، في حين عارضه آخرون ورأوا فيه قرارا مستعجلا وخضوعا لضغوطات خارجية سيما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي صادق عليها عباس عام 2009.

ونسّب مجلس الوزراء في 21 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى الرئيس بتعديل المادة الخامسة من قانون الأحوال الشخصية لعام 76، القاضي بتحديد سن الزواج ليصبح 18 سنة لكلا الجنسين، وذلك بعد شهور من تعهد رئيس الحكومة محمد اشتية بإقرار القانون.

وبالفعل أصدر الرئيس في الثالث من الشهر الجاري قرارا بقانون حدد فيه سن الزواج مع استثناءات محددة بقرار من المحكمة المختصة.

‪سريدا حسين: لا يجوز لمجتمع يخوض معركة تحرير من الاستعمار تزويج أطفاله وتحميلهم مسؤوليات تفوق إمكانياتهم‬ (الجزيرة)
‪سريدا حسين: لا يجوز لمجتمع يخوض معركة تحرير من الاستعمار تزويج أطفاله وتحميلهم مسؤوليات تفوق إمكانياتهم‬ (الجزيرة)

خطوة متأخرة
المنظمات النسوية عملت منذ تأسيس السلطة الوطنية على تحقيق هدف رفع سن الزواج، لكن مع صدور المرسوم أبدت تحفظا على الاستثناءات الواردة فيه، وتعهدت بالمضي في مساعيها لإلغاء الاستثناءات أو حصرها بأضيق الحدود.

تقول سريدا حسين مدير طاقم شؤون المرأة، وهو ائتلاف يضم الأطر والمؤسسات النسوية الأهلية "القرار تأخر كثيرا" منتقدة ما سمته تغييب القضايا الاجتماعية عن أجندة القيادة السياسية.

وتقول الناشطة إنه لا يجوز لمجتمع يخوض معركة لتحرير نفسه من الاستعمار أن يستمر بتزويج أطفاله وتحميلهم مسؤوليات تفوق إمكانياتهم.

واستعرضت جملة أسباب ترى أنها كافية لرفع سن الزواج منها: جهل الأطفال بمعنى الزواج ووظائف الجسم وتأسيس أسرة وكيفية التربية والتعامل مع مستجدات الحياة الأسرية.

‪صور من شبكات التواصل ضد رفع سن الزواج واتفاقية سيداو‬ (الجزيرة)
‪صور من شبكات التواصل ضد رفع سن الزواج واتفاقية سيداو‬ (الجزيرة)

أسر المتزوجين
وأوضحت سريدا حسين أن أسر "الأطفال" المتزوجين فقيرة في معظم الأحيان صحيا وماديا، وفي وقت لا تتوفر فيه الحماية لأسر البالغين لا يجد "الأطفال" المتزوجون أي حماية.

وأعربت الناشطة عن خشيتها من تدخل "القوى" التي عطلت صدور القرار منذ أكثر من ربع قرن لتجعل من الاستثناء الوارد في المرسوم قاعدة، متعهدة بالمضي في المعركة حتى إلغاء الاستثناءات أو حصرها في أضيق نطاق ممكن.

على مواقع التواصل الاجتماعي، احتدم الجدل بين المؤيدين والمعارضين. فالحقوقي فريد الأطرش أيد القانون رغم أنه يعارض قرارات القوانين التي يصدرها الرئيس الفلسطيني في ظل غياب المجلس التشريعي.

وهاجم الأطرش حزب التحرير الإسلامي الذي قاد حملة واسعة لمهاجمة القرار معتبرا أن معارضته تنبع عن عدم وعي ومعرفة بحالات الطلاق التي تنتج عن الزواج المبكر والمشاكل الاجتماعية التي يذهب ضحيتها على الأغلب النساء.

ويقول حزب التحرير أن رفع سن الزواج جزء من إجراءات السلطة الرامية لتنفيذ اتفاقية سيداو، محذرا من انعكاسات سلبية وتفكيك الأسرة وتخريب الأجيال الناشئة.

الشرع
شرعا، لا يرى مفتي الديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين غبارا على المرسوم الرئاسي فهو "صحيح، لا إشكالية فيه" مبينا أن "من حق السلطان في الإسلام أن يحدد المباح".

مع ذلك أشار المفتي إلى استثناءات في القانون، تستدعيها المصلحة ويقدرها القاضي المختص، مشيرا إلى أن تحديد سن الزواج بـ18 عاما كان معمولا به في فلسطين، كما أنه معمول به في عدد من دول الجوار.

أما أستاذ الفقه المقارن بجامعة القدس المفتوحة د. إسماعيل شندي، فيرى أن التكليف في الدين وإنشاء التصرفات وإبرام العقود أمر مرتبط ببلوغ الإنسان عاقلا راشدا، وهو يختلف من بلد لآخر، لكن قدره العلماء في بلادنا بسن 15 عاما.

وأضاف د. شندي -في حديثه للجزيرة نت- أن في رفع سن الزواج "مشكلة" قد ينحدر بها المجتمع إلى ما يخالف دينه وعاداته وتقاليده، مطالبا الجهات المسؤولة بالتريث ودراسة الحالة الفلسطينية بعمق بعيدا عن التقليد أو الخضوع تحت ضغط الآخر.

وشدد على أن العامل الأهم في حالات الطلاق -التي اتخذها البعض ذريعة للدفع بقانون رفع سن الزواج- ليس الزواج المبكر وإنما تجاوزات مرتبطة بالأزواج أنفسهم وأغلبها بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي.

وتسري في الأراضي الفلسطينية عدة قوانين وأنظمة تبعا للنظام الذي حكم البلاد بدءا من مجلة الأحكام العدلية العثمانية مرورا بالانتداب البريطاني ثم الحكمين الأردني والمصري، ولاحقا الاحتلال الإسرائيلي ثم السلطة الفلسطينية. 

معطيات الإحصاء
ووفق معطيات الجهاز المركزي للإحصاء فإن العمر الوسط عند الزواج الأول في فلسطين بلغ 25.1 للذكور و20.5 للإناث عام 2018.

وتشير المعطيات إلى تسجيل 43515 عقد زواج سنة 2018، منها 17641 عقدا للإناث من الفئة العمرية (14-19) و2153 عقدا للذكور من نفس الفئة.

ووفق نفس المعطيات فقد سجلت 8509 حالات طلاق في فلسطين عام 2018، منها 3925 حالات قبل الدخول، في حين بلغ عدد حالات الطلاق 2118 حالة (نحو ربع حالات الطلاق) منها 217 حالة للذكور بالفئة العمرية (15-19) و1901 من الإناث للفئة نفسها.

المصدر : الجزيرة