في متحف الكهرمان.. قمل بدائي يتغذى على ريش الديناصورات

بدت الحشرة وكأنها حية داخل الكهرمان حيث كانت محفوظة بدرجة ممتازة (جامعة كابيتال نورمال)
الحشرة بدت وكأنها حية داخل الكهرمان حيث كانت محفوظة بدرجة ممتازة (جامعة كابيتال نورمال)

أحمد الديب

في روايته الشهيرة "الحديقة الجوراسية" يتخيل الكاتب مايكل كرايتون إمكانية استنساخ الديناصورات من بقايا دمائها المحفوظة في أحشاء البعوض الذي اقتات على تلك الدماء، قبل أن يدفن لملايين السنين داخل الكهرمان المتحجر.

لكن إذا كان القيام باستنساخ كهذا ما زال يقع -حتى الآن على الأقل- تحت نطاق الخيال العلمي فإن الفكرة التي بني عليها الخيال حقيقية تماما.

فالكهرمان ليس سوى إفراز عضوي طبيعي خرج سائلا من أشجار عاشت قبل ملايين السنين، واحتجز في قلبه بعض الحشرات التي قابلها وهو يسيل في طريقه، ثم تجمد مع مرور الزمن ليصبح بصفرته البهية الرائقة من أجمل التوابيت الممكنة، وأكثرها حفاظا على المدفون داخلها، وفي عزلة تامة عن الهواء والجراثيم وكل عوامل التحلل.

الآفة العتيقة
ومن المؤكد أن تأثير الرواية -والفيلم طبعا بالضرورة- على هذا الجيل كان هائلا، حتى قرر كثير من أبنائه دراسة علوم الأحافير (البليونتولوجي) بل تخصص بعضهم في دراسة الآفات التي تطفلت على الديناصورات.

وذلك مثل الفريق البحثي للدكتور تشونجكون شيه وزملائه من جامعة كابيتال نورمال في بكين، والذي نشر دراسة قبل أيام بدورية نيتشر كوميونيكيشنز أعلن فيها عن اكتشاف نوع جديد من الحشرات -يشبه القمل كثيرا- في ميانمار (بورما) عثر عليه محتجزا في كهرمان يقدر عمره بمئة مليون سنة، مع ما كان يتغذى عليه من ريش يعود لديناصورات.

‪الحشرة المكتشفة مع ريش ديناصورات داخل كهرمان تشبه القمل المعاصر‬ (جامعة كابيتال نورمال)
‪الحشرة المكتشفة مع ريش ديناصورات داخل كهرمان تشبه القمل المعاصر‬ (جامعة كابيتال نورمال)

يقول الدكتور شيه "كانت عينة الكهرمان التي عثرنا عليها محفوظة بدرجة ممتازة تجعلنا ننظر إلى تلك الحشرات كأنها ما زالت حية! إن أمثال تلك الآفات مصاصة الدماء قد لعبت أدوارا لا يستهان بها في تاريخنا البشري، مثل البراغيث التي كانت سببا في اندلاع وباء الطاعون الأسود".

قبل هذا الاكتشاف كانت أقدم قملة معروفة للعلم تتغذى على ريش الطيور التي جابت أوروبا قبل 44 مليون عام، لكن اكتشاف الحشرة الجديدة -واسمها العلمي ميزوفثيراس إنجيلي- قد فتح الباب الآن لفهم التاريخ الطبيعي لتلك الحشرات الطفيلية، والذي استمر لغزا أمام العلم لفترة طويلة بسبب صعوبة العثور على عينات محفوظة لها.

أجيال وأجيال
كان فريق البحث قد عثر على عشر حشرات في طور الحوريات -يبلغ طول الواحدة منها خُمس المليمتر فقط- من نفس النوع داخل عينتين من الكهرمان، مع ريشتين لديناصورات ظهرت عليها آثار قرض الحشرات.

وهناك شبه لافت بين حشرات "م. إنجيلي" والقمل المعاصر، من غياب الأجنحة وصغر العينين وقصر الأرجل وقرون الاستشعار، لكن هناك بعض الاختلافات في الأجزاء الفموية (التي هي أكثر تعقيدا لدى القمل المعاصر) وفي شكل المخالب في نهايات الأرجل.

وهناك اختلاف آخر مهم من الناحية السلوكية، ففي حين تعرف معظم أنواع القمل المعاصرة بانتقائيتها الشديدة لضحايا من نوع واحد فقط، بل أحيانا لجزء دون غيره من أجساد العوائل فقد بدا أن الريشتين المعثور عليهما داخل قطعتي الكهرمان تعودان على الأرجح إلى ديناصورين من نوعين مختلفين.

ومع هذا، فإن آثار التلف والقضم على الريشتين تشبه كثيرا تلك التي تحدثها عضات أنواع القمل المعاصرة التي تتخصص في التغذية على ريش الطيور، مما يرجح أن حشرات "م. إنجيلي" هي المسؤولة عن الآثار في الريشتين.

وبينما يتغذى القمل المتخصص في استهداف البشر على دمائهم فإن الكثير من أنواع القمل الأخرى -ومنها هذا النوع البدائي المكتشف- تتغذى على الريش أو قشور الجلود ولا تقرب الدماء، وهو ما قد يصيب محبي "الحديقة الجوراسية" ببعض الإحباط، لكنهم سيظلون -مع ذلك- في ترقب مشوب بالرهبة المستحقة لأول عملية استنساخ لديناصور يغامر بها البشر.

المصدر : الجزيرة