نظرة على تاريخ العلم مع الثقوب السوداء في الفضاء

The collision of two black holes - a tremendously powerful event detected for the first time ever by the Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory, or LIGO - is seen in this still image from a computer simulation released in Washington February 11, 2016. Scientists have for the first time detected gravitational waves, ripples in space and time hypothesized by Albert Einstein a century ago, in a landmark discovery announced on Thursday that opens a new window for studying the cosmos. REUTERS/The SXS (Simulating eXtreme Spacetimes)/Handout via Reuters FOR EDITORIAL USE ONLY. NOT FOR SALE FOR MARKETING OR ADVERTISING CAMPAIGNS. THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. IT IS DISTRIBUTED, EXACTLY AS RECEIVED BY REUTERS, AS A SERVICE TO CLIENTS TPX IMAGES OF THE DAY
تصادم الثقوب السوداء تنتج عنه أمواج جاذبية يتم رصدها على الأرض (رويترز)
في سبتمبر/أيلول 2015 أعلن مرصد موجات الجاذبية بالتداخل الليزري في الولايات المتحدة المعروف باسم "ليغو" أنه رصد أمواج جاذبية ناتجة عن تصادم ثقوب سوداء في الفضاء السحيق.

تتابع بعد ذلك رصد مثل تلك الأمواج التي تعتبر مؤشرا قويا على وجود الثقوب السوداء التي لا يمكن اكتشافها إلا عن طريق جاذبيتها، لكن تاريخ تعقب هذه الأجسام الغامضة يعود إلى القرن الـ18، وكانت المرحلة الحاسمة في هذا المجال خلال الحرب العالمية الثانية.

وفي تقريرها الذي نشره موقع "ذا كونفرزيشن" الأسترالي سلطت الكاتبة كارلا رودريغيز ألميدا الضوء على تاريخ العلم الحديث مع الثقوب السوداء وكيفية اكتشافها وتطور المعادلات التي تعنى بشرحها حتى تسنى لنا فهمها بالطريقة الحالية.
وأفادت الكاتبة بأن أول من تطرق إلى مفهوم الجسم الذي يحبس الضوء والذي يصبح على إثره ذلك الجسم غير مرئي هما جون ميشيل وبيير سيمون لابلاس في القرن الـ18، وهما فيلسوفان مختصان في الدراسة الفلسفية للطبيعة والفضاء الكوني المادي.

وقد استخدم هذان الفيلسوفان قوانين نيوتن للجاذبية لحساب سرعة إفلات جسيمات الضوء من جسم ما، وتكهنا بوجود نجوم كثيفة لدرجة أن الضوء لا يستطيع الهروب منها، وأطلق عليها ميشيل آنذاك اسم "النجوم السوداء".

ولكن بعد اكتشاف أن الضوء يتخذ شكل موجة سنة 1801 بات من غير الواضح كيف سيتأثر الضوء بحقل الجاذبية النيوتوني، لذلك تم التخلي عن فكرة النجوم السوداء.

واستغرق فهم كيفية عمل موجة الضوء تحت تأثير مجال الجاذبية نحو 115 سنة، مع نظرية النسبية العامة لألبرت آينشتاين سنة 1915، وبعد سنة تمكن عالم الفيزياء والفلك الألماني كارل شفارتزشيلد من التوصل إلى حل لهذه المشكلة الفيزيائية.

undefined
فضلا عن ذلك، تنبأ شفارتزشيلد بوجود محيط جسم بالغ الأهمية لا يمكن للضوء عبوره معروف باسم "نصف قطر شفارتزشيلد"، وكانت هذه الفكرة مشابهة لما توصل إليه ميشيل، ولكن يبدو أن هذا المحيط بدا كحاجز لا يمكن اختراقه.
وأشارت الكاتبة إلى أن العلماء لم يتمكنوا من دحض هذه النظرية إلا سنة 1933عندما بين جورج لومتر أن عدم قابلية اختراق الجسم كانت مجرد وهم بالنسبة لمراقب من مسافة بعيدة.

وباستخدام التوضيح الشهير "أليس وبوب" افترض الفيزيائي أنه إذا وقف بوب ساكنا بينما تقفز أليس نحو الثقب الأسود فإن بوب سيشاهد صورة أليس تتباطأ شيئا فشيئا إلى أن تصبح جامدة بشكل كامل قبل الوصول إلى "نصف قطر شفارتزشيلد".

كما أظهر لومتر أن أليس تكون قد اخترقت هذا الحاجز، ولكن في الحقيقة الأمر مر كل من بوب وأليس بتجربة مختلفة للحدث نفسه.

وعلى الرغم من أهمية هذه النظرية فإنه لم يكن يوجد في ذلك الوقت جسم معروف بذلك الحجم أو أي شيء شبيه بالثقب الأسود، لذلك لم يصدق أحد أن هناك شيئا مشابها للنجوم السوداء التي افترض ميشيل وجودها.

وفي الواقع، لم يجرؤ أحد على دراسة هذه الفرضية بشكل جدي حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية.

من النجوم السوداء إلى الثقوب السوداء
في غرة سبتمبر/أيلول 1939 غزا الجيش الألماني النازي بولندا، مما تسبب في إشعال فتيل حرب غيرت مجرى تاريخ العالم إلى الأبد، ومن الملفت للنظر أنه تم نشر أول ورقة أكاديمية بشأن الثقوب السوداء في ذلك اليوم.
ويعتبر المقال الذي نشره عالما الفيزياء الأميركيان روبرت أوبنهايمر وهارتلاند سنايدر بعنوان "انكماش الجاذبية المستمر" نقطة مفصلية في تاريخ دراسة الثقوب السوداء، ولكن يبدو هذا التوقيت غريبا بعض الشيء، ولا سيما في ظل اهتمام بقية الدول المشاركة في الحرب العالمية الثانية بتطوير نظرية الثقوب السوداء.
كانت هذه الورقة الأكاديمية الثالثة والأخيرة التي نشرها أوبنهايمر في علم الفيزياء الفلكية، حيث تنبأ مع سنايدر بالانكماش المستمر للنجم تحت تأثير حقل الجاذبية الخاص به، مما يتسبب في إنشاء جسم يحتوي على قوة جذب شديدة لا يستطيع حتى الضوء اختراقها.

وكانت هذه هي النسخة الأولى من المفهوم الحديث للثقب الأسود الذي بات يعرف بأنه جسم فلكي ضخم كثيف لا يمكن اكتشافه إلا عن طريق جاذبيته.

undefined
خلال سنة 1939 كان من الصعب تصديق هذه الفكرة التي بدت غريبة للغاية آنذاك، واستغرق الأمر عقدين من الزمن حتى تم تطوير هذا المفهوم بشكل كاف ليشرع علماء الفيزياء في قبول نتائج الانكماش المستمر التي توصل إليها أوبنهايمر.

وقد لعبت الحرب العالمية الثانية دورا حاسما في تطوير هذه الفكرة، حيث عملت الحكومة الأميركية على الاستثمار في الأبحاث المتعلقة بالقنابل النووية.

إعادة إحياء الأبحاث
بطبيعة الحال لم يكن أوبنهايمر مجرد شخصية مهمة لها بصمتها في تاريخ الثقوب السوداء، بل أصبح فيما بعد مدير مشروع مانهاتن، وهو مركز الأبحاث الذي عمل على تطوير الأسلحة النووية خلال الحرب العالمية الثانية.
وأشارت الكاتبة إلى أن السياسيين أدركوا أهمية الاستثمار في العلوم من أجل تحقيق أهدافهم العسكرية، وقد شهدت تلك الفترة سباقا واسع النطاق للاستثمار في الأبحاث الثورية المرتبطة بالحرب في مجال الفيزياء النووية وتطوير تكنولوجيات جديدة.

وقد كرس الفيزيائيون جهودهم على اختلاف اختصاصاتهم لإجراء هذه الأبحاث، مما أدى إلى إهمال مجالات علم الكون والفيزياء الفلكية، بما في ذلك ورقة أوبنهايمر البحثية.

وعلى الرغم من أن الأبحاث في مجال الفيزياء الفلكية توقفت لمدة عقد من الزمن فإن علم الفيزياء ككل شهد ازدهارا خلال الحرب، وقد ساهمت الفيزياء المستخدمة في المجال العسكري في تعزيز علم الفلك.

وانتهت الحرب بجعل الولايات المتحدة مركزا رائدا في دراسة الفيزياء الحديثة، حيث ارتفع عدد رسائل الدكتوراه بشكل صاروخي، وتم إنشاء تقليد جديد من التعليم يعرف بدراسات ما بعد الدكتوراه.

وبحلول نهاية الحرب تجددت الأبحاث المتعلقة بدراسة الكون، حيث شهدت نظرية النسبية العامة نهضة بعد أن تم الاستهانة بها من قبل، وساهمت الحرب في تغيير طريقة التعامل مع الفيزياء.

وفي نهاية المطاف أعاد العلماء التركيز على مجالات علمية مهمة مثل علم الكون ونظرية النسبية العامة، وكان هذا أمرا أساسيا لقبول فكرة الثقوب السوداء وفهمها.

undefined
بعد ذلك، أصبحت جامعة برنستون مركزا لجيل جديد من المختصين في نظرية النسبية العامة، وقد عمل عالم الفيزياء النووي جون ويلر الذي أطلق تسمية "الثقب الأسود" على نظرية النسبية العامة وأعاد تحليل ما توصل إليه أوبنهايمر.

وعلى الرغم من أنه كان متشككا في البداية فإن تأثير النسبية والتطورات الجديدة في محاكاة الحوسبة وتقنية الراديو التي تطورت خلال الحرب ساهمت في جعله فيما بعد من أعظم المتحمسين لما تنبأ به أوبنهايمر يوم اندلاع الحرب في غرة سبتمبر/أيلول 1939.

ومنذ ذلك الحين وضعت نظريات واكتشفت خصائص وأنواع جديدة من الثقوب السوداء لتبلغ الأبحاث ذروتها سنة 2015، وكان التوصل إلى قياس موجات الجاذبية التي أنشئت في النظام الثنائي الموجود في الثقب الأسود أول دليل ملموس على وجود الثقوب السوداء.
المصدر : مواقع إلكترونية