جنتان خضراوان.. عندما ينكسر جمود جدران مخيم بالضفة

فلسطين-الضفة الغربية- نابلس- يونيو2018- عمر منصور يقنب زراعاته فوق سطح منزله ويقف ثمارهها يوميا - الجزيرة نت1 copy.jpg
عمر منصور يقنب مزروعاته فوق سطح منزله ويقطف ثمارها يوميا (الجزيرة)

عاطف دغلس-نابلس

عصر كل يوم يأتي عمر لوالدته الحاجة أمينة وأهل بيته بخيرات سطح منزله في مخيم الفارعة شمالي الضفة الغربية، والذي حوله إلى "جنة خضراء" بزراعات مختلفة من الخضروات والأزهار، يعدون منها ما يحتاجون لطعامهم وأخرى تذهب إلى من يقصدهم من الجيران والأصحاب.

لم تعش أمينة (84 عاما) لحظة أكثر سعادة من تلك التي كانت تتلقف فيها حزمة من الملوخية الخضراء من نجلها عمر، وتضمها بين يديها لتشرع بتنظيفها، وانتقاء الورق المصفر واليابس من بينها لتصبح جاهزة للطبخ.

قبل أكثر من سبعين عاما كانت عائلة عمر منصور (54 عاما) اللاجئ في مخيم الفارعة تملك ما يربو على ثلاثمئة دونم من الأرض (ثلاثون هكتارا) وتزرع بأشكال شتى من الحنطة والخضروات، ورث عمر المهنة لكنه لم يرث الأرض التي هجرهم الاحتلال منها عام 1948.

وهي تقلب أغصان الملوخية تستذكر أمينة نفسها وهي تزرع وعائلتها أرضهم في "أم الزينات" قضاء حيفا، كانت الزراعة مهنتهم الأساس، وهو ما خولها الآن نصح نجلها للعناية بمزروعاته جيدا وإرشاده إلى كيفية رعايتها.

في الغالونات
يتخذ عمر من غالونات بلاستيكية مستعملة أرضا له، يطوعها بقصها بشكل مستطيل أو دائري، ثم يملؤها بالتراب ثم يغرس الشتائل والبذور الزراعية ويباشر بسقايتها والعناية بها بحرص شديد، يساعد في ذلك أصوله الفلاحية وحبه لمهنة الزراعة.

‪زراعات عمر منصور تتنوع بين الخضروات المختلفة والزهور‬ (الجزيرة)
‪زراعات عمر منصور تتنوع بين الخضروات المختلفة والزهور‬ (الجزيرة)

لم يطل انتظار عمر ليجني بيديه أولى الثمار، كان القطاف الأول للملوخية يزن خمسة كيلوغرامات كفته وعائلته المكونة من 11 فردا والتي وجدت بها طعما مختلفا وطيبا أعاد الحاجة أمينة لذكريات جميلة، كان فيها "طعم كل شيء نزرعه طيبا ولذيذا".

تحيط بمخيم الفارعة -الذي يقطنه أكثر من سبعة آلاف لاجئ فلسطيني- قرى تعرف بتربتها الخصبة وبزراعتها المتنوعة أيضا، ومن هناك يرفد عمر مزرعته الصغيرة بتربة جيدة وسماد عضوي يصنعه بنفسه.

لم يكن صعبا على عمر الموظف في مؤسسة طبية بمدينة جنين (ثلاثون كيلومترا شمال المخيم) أن يباشر ومنذ ما يزيد على أربع سنوات ببناء مزرعته الخاصة، يقضي الرجل جل وقته وهو يعتني بها، يرقبه أطفاله الصغار وهو يقلم المزروعات، ويخرج منها الضرر من حشرات مؤذية ونباتات عشوائية.

ويتقمص الأطفال دور "الأجداد والفلاح القديم"، وهم يتلون على والدهم أفكارا للاستفادة من المحصول، فتارة يقترحون بيعه في سوق الخضار المركزي، وأخرى يدعونه لتزويج محمد (نجله الأكبر) بعد الموسم، يقول عمر إنه سعيد بهذه الأفكار، وإشراك أطفاله بعمله الزراعي ومشروعه الذي لاقى استحسانا لدى الأهالي في المخيم، ولا سيما أن "بعضهم قلدوه وزرعوا أسطح منازلهم".

‪حتى جدران المنزل الخارجية زرعها عمر بالورود عبر أحواض وعبوات معلقة مما أضفى جمالا على منزله‬ (الجزيرة)
‪حتى جدران المنزل الخارجية زرعها عمر بالورود عبر أحواض وعبوات معلقة مما أضفى جمالا على منزله‬ (الجزيرة)

تعويض الأرض
إضافة إلى الخضروات يزرع عمر الأزهار والورود، بدا بعضها وكأنه إطار لجدارية فنية تشكيلية تبدد ألوانها الزاهية ورائحتها الجذابة ضبابية المكان المكدس بالكتل الإسمنتية (المنازل) المتراكمة فوق بعضها، كسرت أحواض الورد المتدلية جمود الجدران وصمتها.

تلك "العلب الإسمنتية" كما يصفها عمر تزيد ضيق المخيم وأزقته، مما حدا به لدعوة الأهالي إلى زراعة أسطح منازلهم، ويقول "لو أن 20% منهم أقدموا على ذلك لتحول المخيم إلى بقعة خضراء مميزة".

مثل عمر أقدم جاره منير صبح (45 عاما) على استزراع سطح منزله، فقد الرجل أرضه في قرية الريحانية قضاء حيفا إبان النكبة عام 1948، يعوض هذا الفقدان للأرض بزراعة السطح، فهو كجاره عمر لا يقدر على تملك أرض مستقلة في محيط المخيم.

منذ أيام كان صبح قد قطف ثمار منزله من الفاصولياء الخضراء، وأعدها لتكون وجبة دسمة له ولعائلته، ويقول إنه يمارس زراعته الجديدة منذ أكثر من عام، ويحاول أن يعوض فقده للأرض.

إضافة إلى الحلم بزراعة سطحي منزليهما حقق عمر ومنير اكتفاء ذاتيا ببعض الزراعات، وهو ما زاد قبول الآخرين للفكرة وتشجيعهم على خوض غمار التجربة، ولا سيما أنهم باتوا يطرحون وبقوة تبني إحدى المؤسسات الداعمة لهذه المشاريع الزراعية وتطويرها.

المصدر : الجزيرة