هل يغرق النظام المصري في دم ريجيني الإيطالي؟

عبد الكريم سليم-القاهرة

ينذر تصاعد قضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني بتعقيدات جمة بحق النظام المصري، إذ قال مصدر قضائي لرويترز إن مدعين إيطاليين وضعوا خمسة من رجال الأمن المصري رهن التحقيق الرسمي لمزاعم بتورطهم في اختفاء ريجيني.

وقال المصدر إن الخمسة المشتبه بهم ينتمون جميعا إلى جهاز الأمن الوطني، وبينهم ضابط برتبة لواء واثنان برتبة عقيد وواحد برتبة رائد، وهم رهن التحقيق للاشتباه في تورطهم في خطف ريجيني، لكن لم يرد ذكر أي اسم حتى الآن فيما يتعلق بالقتل نفسه.

وأكدت هيئة الاستعلامات المصرية الاثنين رفض طلب إيطاليا الحصول على موافقة القاهرة لإعلان أسماء عدد من أفراد الشرطة المصريين كمشتبه بهم خلال اجتماع لمدعين عموميين من البلدين الأسبوع الماضي.

وتبنى البرلمان الإيطالي قبل أيام رواية نائب عام روما القائلة بتورط ضباط بأجهزة أمنية مصرية في الجريمة.

وصوّت البرلمان بأغلبية على قرار تعليق العلاقات مع نظيره المصري إلى حين "عقاب المذنبين".

واستدعى وزير الخارجية الإيطالي السفير المصري لدى روما، وهدد باتخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية تشمل مطالبة الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات ضد مصر، وحث القاهرة على احترام التزامها بالتحرك السريع، وتقديم المسؤولين عن مقتل ريجيني إلى العدالة.

ونشرت صحيفتا "لاريبوبليكا" و"كورييرا دي لاسيرا" الإيطاليتان مطالبات للاتحاد الأوروبي بتوقيع عقوبات على مصر حتى تقدم الضباط المتهمين إلى المحاكمة. وبالتوازي أبرزت وسائل إعلام عالمية كبرى الاتهامات الإيطالية.

ولقى ريجيني مصرعه منذ نحو ثلاث سنوات تعذيباً في مصر عقب اختفائه مطلع العام 2016، وعُثر على جثته لاحقاً على جانب طريق سريع قرب القاهرة، فاستدعت إيطاليا سفيرها.

وأعلنت سلطات الأمن المصرية عقب اكتشاف جريمة قتل ريجيني عن تصفية خمسة أشخاص اتهمتهم باختطاف ريجيني وقتله، وتبين لاحقاً براءة هذه المجموعة.

وتدخلت أجهزة أمنية إيطالية للتحقيق بنفسها، وتبين اختفاء أدلة مهمة، منها تسجيلات كاميرات مراقبة في محطات المترو.

‪السندوبي: التصعيد الإيطالي يؤشر على نفاد صبرهم‬ (الجزيرة)
‪السندوبي: التصعيد الإيطالي يؤشر على نفاد صبرهم‬ (الجزيرة)

توحد الإيطاليين
ومن المثير تصويت أعضاء حزب الأغلبية بإيطاليا على قرار مقاطعة البرلمان المصري، رغم أن الحكومة التي ينتمي إليها حزب أولئك النواب، حاولت التملص من اتخاذ أي إجراء يساهم في تدهور العلاقة مع النظام المصري الذي قدم مكاسب غير مسبوقة للجانب الإيطالي وشركاته فيما يتعلق بغاز المتوسط.

وخلت معظم وسائل الإعلام المصرية من أي إشارة إلى هذه التطورات الخطيرة، بينما حملت رسائل اللجان الإلكترونية اتهامات لريجيني "بالتجسس لصالح المخابرات البريطانية" التي قتلته في مصر عقب "انكشاف أمره". كما يأتي التصعيد رداً على إلقاء مصر القبض على جاسوس بريطاني، وكذا "رداً على نجاح مصر في ملف المصالحة الليبية، وانعقاد معرض للسلاح بالقاهرة".

ورفض النظام المصري في تصريحات لمسؤول -رفض ذكر اسمه لصحف محلية تماماً- لائحة المتهمين المقدمة من الجانب الإيطالي، واعتبرها إخلالا بقواعد التحقيقات في البلدين. 

وحمّل الجانب المصري الشاب المغدور ريجيني مسؤولية مصيره، بدخوله البلاد بموجب تأشيرة سياحية دون التأشيرة اللازمة لإجرائه أبحاثا خاصة برسالة الدكتوراه عن النقابات العمالية المصرية المستقلة.

وبدأ تصاعد قضية ريجيني منتصف العام الحالي، بإصدار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بيانًا حث فيه مصر على احترام حقوق الإنسان، مشيراً إلى واقعة تعذيب وقتل ريجيني تحديداً.

وهددت أسرة ريجيني بنشر صور لجثته المشوهة ما لم تُدل السلطات المصرية بالحقيقة حول مقتله. كما تتوجه الأسرة إلى بروكسل للاجتماع مع أعضاء في البرلمان الأوروبي.

وتعتقد جهات التحقيق الإيطالية أن الضباط المتهمين كانوا المسؤولين عن مراقبة وخطف الباحث الإيطالي حتى اختفائه. وطبقاً للتحقيقات الإيطالية، فإنهم نفس الأشخاص الذين حاولوا عرقلة التحقيق بإخفاء الأدلة وقتل متهمين وهميين.

وتؤكد الصحف الإيطالية -نقلا عن مصادر التحقيقات- أن "توجيه لائحة الاتهام في القضية أمر لا مفر منه"، عقب التيقن من محاولات الجانب المصري "التملص والتضليل".

‪هيثم أبو خليل: العالم الذي نحيا فيه باتت
‪هيثم أبو خليل: العالم الذي نحيا فيه باتت "ازدواجيته مفضوحة"‬ (الجزيرة)

أسباب التصعيد
ورأى الكاتب الصحفي المختص بشؤون العلاقات المصرية الإيطالية أبو المعاطي سندوبي أن التصعيد هذه المرة مختلف عن سابقاته، إذ يؤشر على نفاد صبر الإيطاليين.

ويوضح سندوبي للجزيرة نت أن سر التباين السابق في الموقف الإيطالي مرجعه اختلاف دوافع كل مؤسسة، فالحزب الحاكم كان يحاول حلب النظام المصري لآخر مدى، من أجل الحصول على منافع من وراء تنازلاته عن فتح ملف الشاب المقتول، في حين يحمل البرلمان وجهاتُ التحقيق التزاماً أخلاقياً إزاء الشعب الإيطالي، إذ بات ريجيني رمزاً لقضية رأي عام.

ومع حصول الحكومة الإيطالية على أقصى قدر ممكن من المكاسب على حساب المصالح المصرية، تراجعت أدوات الحكومة الإيطالية أمام دوافع جهات التحقيق والبرلمان، وهو ما رجح كفة المؤسسات الداعية إلى أخذ حق الشاب المغدور.

وباعتقاد سندوبي فإن المسألة تخطت الرأي العام الإيطالي إلى أوروبا، مؤكداً وجود رغبة عارمة لدى منظمات حقوق الإنسان الأوروبية في كبح جماح الأنظمة التي باتت تستخف بحقوق الإنسان إلى درجة الذبح والتقطيع.

ويختلف الكاتب والمحلل السياسي جمال الجمل عن الرأي السابق في تقديره للمسألة ومستقبلها، معتقداً أنها "في طريقها إلى التسوية"، لافتا إلى أن الجانبين توصلا إلى اتفاقات مرضية لكليهما، بحيث تتحول الاتهامات من القتل العمد إلى خطأ فردي.

لكن الجمل لا يفقد الأمل في وقوع تحول يؤدي إلى غضب شعبي إيطالي ضد التسوية المحتملة، يعيد القضية إلى مربع الاشتعال بشكل أٌقوى.

ويؤكد الحقوقي هيثم أبو خليل للجزيرة نت أن "العالم الذي نحيا فيه باتت ازدواجيته مفضوحة".

ولا يستبشر أبو خليل خيراً بتطورات القضية، حتى مع الإعلان عن وجود قائمة لضباط متهمين.

ويوضح أن الداعمين الإقليميين للرئيس عبد الفتاح السيسي -وهم إسرائيل والسعودية والإمارات- بإمكانهم -بالمال- إجهاض أي محاولات إيطالية لإحراج نظامه، لأن تقديم متهمين في العمود الفقري للقمع ضربة مروعة للنظام.

ويستدعي المتحدث هنا "المهزلة الفاحشة" الجارية في قضية خاشقجي، ليدلل على احتمال وقوع سيناريو مثيل لقضية ريجيني.

المصدر : الجزيرة