بالصور .. شاب عراقي يجمل معالم مدينته من "الخردة"

عبد القادر أثناء إنجازه بعض أعماله-
عبد القادر النائب استهوته فكرة جمع الخردة وتحويلها إلى قطع فنية جميلة (الجزيرة)

 أميمة يونس-بغداد

لم تكن الرحلة إلى حي "أبو دشير" في منطقة "الدورة" على الأطراف الجنوبية للعاصمة بغداد سهلة في الظروف الأمنية السائدة في العراق، لكن عندما تدنو من المنطقة تتراءى لك من بعيد أشجار النخيل المحيطة بها، تستقبلك وكأن نهر دجلة يحيطها من ثلاث جهات، تنتظر غروب الشمس بين نخيلها الباسق ونهرها الهادئ.

في منظر مغاير، تنتشر النفايات والأنقاض في كثير من الأحياء التي مررنا بها، بدءا من منطقة باب المعظم (وسط بغداد) التي سلكنا طريقها باتجاه الطريق السريع المؤدي إلى أطراف بغداد، حيث وجهتنا التي هي الأخرى تعاني الإهمال، دون إيجاد أي حلول لهذه المشكلة.

غير أن الفنان عبد القادر النائب -الذي يحاول استغلال هذه المشكلة لما يخدم هوايته ويحسن مظهر مدينته- قد استهوته فكرة جمع قطع الخردة (المخلفات المعدنية الملقاة بين النفايات) وتحويلها بجهود ذاتية إلى قطع فنية زين ببعض منها شوارع بغداد وعددا من محافظات العراق.

بعض الأعمال المنفذة من الخردة والمواد المستعملة(الجزيرة)
بعض الأعمال المنفذة من الخردة والمواد المستعملة(الجزيرة)

الورشة الحلم
وافتتح النائب الشاب النحيل -الذي لم يتجاوز عمره 25 عاما- ورشته البسيطة لفن السكراب عام 2015، مستغلا جزءا من مساحة داره لتكون البداية لمشروعه الذي يحاول من خلاله الوصول إلى العالمية.

وهذه الورشة يعتبرها النائب مكانا يجد فيه راحته ويمارس هوايته التي بدأت ترسم خطوط مستقبله، وقد نشر في كل زواياها وأرضيتها العديد من الأعمال الفنية مستغلا قطع الخردة التي يحاول جمعها من مكبات النفايات وأسواق الحديد وقطع غيار السيارات المستعملة.

ويقول "في بادئ الأمر كنت أجهل كل ما يتعلق بفن الخردة باعتباره فنا عالميا، فقد كان شغلي الشاغل كيف أحول المواد المستعملة وما أجده في النفايات إلى أعمال فنية"، واستدرك ضاحكا "لقد استطعت أن أجعله فنا عراقيا من خلال تجاربي وأعمالي التي تحديت بها نفسي والمحيطين بي".

وتبدو على أعماله الدقة في التنفيذ والغرابة، خاصة أن بعضها يحاكي بعض شخصيات أفلام الحركة والخيال العلمي، فقد عمد إلى صنع روبوتات ضخمة أثبت من خلالها إمكانيته في محاكاة الواقع، بل إن بعضها يضاهي الأعمال الغربية في هذا المجال.

مجسمات من مخلفات السيارات المستعملة تزين مناطق بغداد(الجزيرة)
مجسمات من مخلفات السيارات المستعملة تزين مناطق بغداد(الجزيرة)

المواد الأولية
ويوضح عبد القادر النائب أن أغلب المواد الداخلة في صناعة أعماله تأتي من النفايات، ويضيف بتهكم "ما أكثر النفايات في بلدي، إنها المعين لي في تنفيذ أعمالي"، مؤكدا أنه يساهم من خلال أعماله في حماية البيئة " باعتماد فكرة تدوير النفايات والمواد المستعملة والمساعدة في القضاء على ظاهرة رميها بشكل عشوائي وغير مسؤول.

ولا يخفي النائب المنهمك في وضع اللمسات الأخيرة على إحدى الشخصيات مستخدما الأسلاك المعنية أن "تطور عمله أجبره على خوض تجارب جديدة تتطلب استخدام أطنان من الحديد المستعمل وقطع السيارات التالفة، خاصة في الأعمال العملاقة (كما يصفها) التي يصل ارتفاعها إلى نحو خمسة أمتار".

وأشار إلى أن "كثرة الطلبات من المطاعم وشركات السيارات ومحال بيع الألعاب أجبرته على بناء مخزن لمواد الخردة والحديد المستعمل، ناهيك عن المواد التي يجمعها من النفايات لتأمين مواد أولية لأعماله الكثيرة".

نموذج آخر من أعمال عبد القادر النائب (الجزيرة)
نموذج آخر من أعمال عبد القادر النائب (الجزيرة)

بداية شاقة
ويعترف النائب بأن سوء الحالة المادية لعائلته المكونة من سبعة أشخاص أجبره على ترك دراسته وهو في سن الـ11 من عمره، ويقول "تعرض والدي لأزمة صحية، ما أجبرني على النزول إلى الشارع والعمل في بيع المناديل الورقية وغسل السيارات وأعمال أخرى ساعدتني على تجاوز الأزمة".

ولفت إلى أن كثرة اطلاعه ساعدته على الاستفادة من موهبته الفنية، وأن إجادته لفن "المصغرات" كانت وراء نجاحه في العمل.

وأشار إلى أن خبرته في تنفيذ العديد من الآلات الموسيقية بأحجام صغيرة دفعته إلى صنع أول دراجة نارية بحجم خمسة سنتمترات، حيث استخدم أجزاء من ساعة يدوية محركا لها، مؤكدا "لقد كانت السبب وراء اكتشافي لفن الخردة".

ولا يخفي النائب أن لأهله وأصدقائه المحيطين دورا كبيرا في تنفيذ أفكاره والبدء بمشروعه، مشيرا إلى أن العديد من المطاعم وشركات السيارات وبعد اطلاعها على أعماله طلبت منه إنجاز نماذج لروبوتات وشخصيات عملاقة. 

وأوضح أن تكلفة النموذج الواحد زنة أربعة أطنان تصل نحو ثلاثة إلى أربعة آلاف دولار، وهو أمر لا يقارن بمدى الجهد ودقة التنفيذ.

المصدر : الجزيرة