الفنون القتالية بتونس.. هل تصبح جريمة؟

خميس بن بريك-تونس

على إيقاع اللكم بالقفازات الغليظة والركل بالأقدام الحافية يتابع شبان يافعون بإحدى قاعات "الفنون القتالية" بالعاصمة تونس تمارين "الكيك بوكسينغ" (ملاكمة الركل) لتحسين قدرتهم على تسديد اللكمات وتحمل الضربات. يشرف على هؤلاء البطلان العالميان عصام البرهومي وشقيقه حسام.

داخل هذا المكان المغلق، وحدها أصوات اللكمات المتبادلة والركلات الجانبية تسود القاعة كل ليلة بعد أن يخفت ضجيج الشوارع. لكن جلبة السياسة قد تنغص أجواء قاعات الرياضة بعدما اتهمت وزيرة الشباب والرياضة ماجدولين الشارني مدربين في فنون القتال بالالتحاق بتنظيمات متشددة.

كغيره يترقب عصام البرهومي، المتوج بـ 12 بطولة عالمية في فنون القتال، بحذر تنفيذ قرار وزيرة الشباب والرياضة بتشديد الرقابة على قاعات الرياضة، ومع ذلك يبدو خالي البال شديد التركيز خلال التدريب مع شقيقه الملتحي حسام بطل العالم في "اليوزي كمبيدو".

ووزيرة الرياضة، شقيقة الضابط الأمني سقراط الشارني المغتال قبل خمس سنوات على يد من يوصفون بالإرهابيين، أعلنت مؤخرا في جلسة برلمانية عن قرب صياغة منشور مع وزارة الداخلية لتشديد مراقبة قاعات فنون القتال. وقالت إن بطلين تونسيين في فنون القتال التحقا بتنظيم الدولة الإسلامية فضلا عن إيقاف خمسة أساتذة تربية بدنية بتهم "إرهابية".

البطل العالمي عصام البرهومي يترقب بحذر تنفيذ الرقابة المشددة على قاعات الفنون القتالية
البطل العالمي عصام البرهومي يترقب بحذر تنفيذ الرقابة المشددة على قاعات الفنون القتالية

موضوع قديم
والتحاق مدربين في فنون القتال بتنظيمات مسلحة أمر "ليس جديدا" بالنسبة إلى عصام البرهومي، فهو يؤكد للجزيرة نت أن "اثنين من خيرة المدربين" التحقا بتنظيم الدولة عام 2012، أحدهما فجر نفسه. وقبل أن يتحولا للقتال في سوريا كان المدربان "يعيشان حياة عادية لكن في ليلة وضحاها انقلب كل شيء".

وتشديد الرقابة على قاعات الرياضة ليس إجراء جديدا. يتذكر عصام، الذي أفنى صغره في مشاهدة أفلام "الساموراي" ومارس فنون القتال طيلة عقدين، أن إجراءات الرقابة كانت "معتادة" فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. ويقول "آنذاك كانت الشرطة تراقب القاعات الرياضية باستمرار".

لكن رغم اقتناعه بأهميتها في حماية الشباب وطمأنة أوليائهم وملاحقة المشبوهين، فإن إجراءات الرقابة على القاعات "غير كافية لمكافحة ظاهرة الإرهاب التي لا تقاوم بالمقاربة الأمنية فقط وإنما بالتربية والتنمية والرياضة والإحاطة".

ورغم كثرة ألقابه العالمية ومنافساته المشرفة كانت مسيرة عصام البرهومي صعبة ومرهقة بسبب ظروفه المادية المتردية وغياب المساندة من سلطة الإشراف قبل قيام الثورة عام 2011، لكن ما بقي يحز بنفسه هو ما اعتبره ظلما في حق شقيقه حسام بطل العالم في رياضة "اليوزي كمبيدو" قبل ثلاثة أشهر بمسابقة انتظمت في تونس.

البطل العالمي حسام البرهومي يقول إن السلطات استبعدته من حفل تكريم بسبب لحيته
البطل العالمي حسام البرهومي يقول إن السلطات استبعدته من حفل تكريم بسبب لحيته

احترام الحريات
حول هذه الحادثة يؤكد حسام البرهومي للجزيرة نت أنه استثني فعلا من حفل تكريم أبطال تونسيين في فنون القتال بالبرلمان لعدم استدعائه من وزارة الرياضة "بسبب لحيته". وبسبب ذلك يأمل حسام أن يطبق إجراء الرقابة على القاعات الرياضية في إطار يحمي الحقوق الفردية المكفولة في الدستور بلا انتهاك أو تعسف.

لا يستبعد حسام وجود أشخاص لديهم توجهات متطرفة ويسعون لتطوير مهاراتهم القتالية ومؤهلاتهم البدنية لاستخدامها في القتال، وهو ما يبرر وفق رأيه قرار وزيرة الرياضة لحماية مصلحة البلاد. لكنه يقول إن الرقابة لا يجب أن تكون مدخلا لانتهاك الحقوق والحريات على أساس الهوية والمظهر الخارجي وممارسة العقائد.

عند فوزه في أربع مباريات دولية كان قلب حسام يخفق من الفرح حين رفرف علم تونس عاليا بين يديه. ورغم استثنائه من حفل التكريم في البرلمان يعلق حسام آمالا على السياسيين لتعديل موقفهم وألا يضعوا المتدينين جميعا في سلة واحدة، فهو يعد نفسه مواطنا يحب بلده ويسير على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم ويرفض العنف.

والحديث عن "صناعة إرهابيين" في قاعات رياضة فنون القتال أمر مجانب للصواب بحسب رئيس الجامعة التونسية للكونغ فو محمد عادل زهرة الذي يؤكد للجزيرة نت أن ظاهرة التشدد الديني لا تقتصر على قطاع معين، رغم إقراره بتلقي معلومات من مصادره عن التحاق مدربين في فنون القتال بالحرب في سوريا.

ويرحب زهرة بإعلان تشديد الرقابة على قاعات الرياضة التي يؤكد أن الكثير منها ومن مدربيها ينشطون بطريقة غير قانونية. لكنه يقول إن مسؤولية الرقابة ملقاة على وزارة الداخلية ووزارة الرياضة ومندوبياتها الجهوية، مؤكدا في الوقت نفسه أن الرقابة يجب أن تعزز بمقاربة تربوية وثقافية وتنموية لحماية الشباب من التطرف.

المصدر : الجزيرة