مبادرة تنظيم الجيش الليبي بين الترحيب والانتقاد

احتفالية الذكرى 77 لتأسيس الجيش الليبي بمدينة طرابلس- صفحة حكومة الوفاق
صورة نشرتها صفحة حكومة الوفاق الليبية لاحتفالية الذكرى الـ77 لتأسيس الجيش الليبي بمدينة طرابلس (الجزيرة)

فؤاد دياب-الجزيرة نت

أعلن عدد من ضباط الجيش بمدينة مصراتة في التاسع من أغسطس/آب الجاري وتزامنا مع الذكرى الـ77 لتأسيس الجيش الليبي، مبادرة من أجل تنظيمه وتوحيده وإعادة هيكلته بالشكل المتعارف عليه دوليا، وهو ما أثار ردود فعل تفاوتت بين الرفض والترحيب.

ونصت المبادرة على أهمية مدنية الدولة والتداول السلمي على السلطة، والنأي بالمؤسسة العسكرية عن أي نزاع أو انقسام سياسي، والاهتمام بتأمين حدود الوطن برا وبحرا وجوا وسلامة أراضيه وفق تراتبية صحيحة للأقدمية وللأوامر العسكرية.

وأكدت المبادرة أيضا المحافظة على دستور البلاد بعد استفتاء الشعب عليه، ودعوة أبناء المؤسسة من جميع المدن بما في ذلك المتقاعدون إلى المشاركة في إعداد ورقة عمل تضم مختلف الآراء، للحفاظ على المؤسسة وضمان استمراريتها. ويأتي هذا الطرح وسط اختلافات وانقسامات سياسية حادة في البلاد.

‪العميد محمد الغصري: حكومة الوفاق مع أي مبادرة لتوحيد الجيش الليبي‬ (الجزيرة)
‪العميد محمد الغصري: حكومة الوفاق مع أي مبادرة لتوحيد الجيش الليبي‬ (الجزيرة)

ترحيب واشتراط
ورحب الناطق باسم وزارة الدفاع بـحكومة الوفاق الوطني العميد محمد الغصري بالمبادرة الوطنية العسكرية قائلا للجزيرة نت "نحن مع أي مبادرة تساهم في إعادة هيكلة الجيش الليبي وتوحيد المؤسسة العسكرية التي تعاني من التشتت".

ولا يمانع آمر كتيبة الشهيد محمد الحلبوص بمدينة مصراتة بشير عبد اللطيف ما ورد في المبادرة، داعيا الجهات المختصة إلى تنفيذها من أجل وحدة الجيش والبلاد.

من جهته، رحب رئيس الأركان العامة الأسبق اللواء المتقاعد يوسف المنقوش بالمبادرة، على اعتبار أنها جاءت من أصحاب الشأن وذوي الاختصاص، ولديهم الاستعداد والقابلية للعمل تحت السلطة المدنية وبعيدا عن التجاذبات السياسية، مؤكدا أنها خطوة أولى في الطريق الصحيح نحو توحيد الجيش ولملمة المؤسسة المشتتة، على حد تعبيره.

وعن إمكانية تطبيق بنود المبادرة، يقول المنقوش في حديثه للجزيرة نت إنه من الصعب تطبيق جميع البنود حاليا، لأنها تحتاج إلى قرار سياسي من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني وتجاوب الجهات الأخرى، ليكتب لها النجاح.

وأردف المنقوش أن الخطوة الأولى تكمن في كسر الجمود من خلال تكليف هيئة مشتركة لقيادة المؤسسة العسكرية بشكل مؤقت، تكون على شكل هيئة الأركان المشتركة تضم أركانات البحرية والبرية والجوية والدفاع الجوي، ويكون للرئيس العام للهيئة مهمة التنسيق فيما بينهم.

من جهته، قال طلال الميهوب رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب في طبرق الموالي لعملية "الكرامة" على المبادرة، قائلا للجزيرة نت "نؤيد أي خطوة لانضمام أفراد الجيش تحت القيادة العامة المنبثقة عن مجلس النواب التي يترأسها خليفة حفتر، وما عدا ذلك من خطوات لإنشاء أجسام موازية للقيادة العامة أمر مرفوض، ولن يكتب له النجاح".

وحاولت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة العمل على تأسيس مؤسستي الجيش والشرطة، وتوحيد الكتائب المسلحة التي تشكلت أبان الثورة، ودمجها مع ما تبقى من وحدات الجيش الليبي، إلا أن مساعي هذه الحكومات لم تنجح.

‪عادل عبد الكافي: مبادرة الضباط تستكمل مبادرات أخرى تصب في مصلحة توحيد الجيش‬ (الجزيرة)
‪عادل عبد الكافي: مبادرة الضباط تستكمل مبادرات أخرى تصب في مصلحة توحيد الجيش‬ (الجزيرة)

انتقاد وتهميش
ويقول الخبير العسكري من طرابلس عادل عبد الكافي إن هذه المبادرة جاءت استكمالا للمبادرات والملتقيات العسكرية السابقة التي تصب جميعها في توحيد وتنظيم الجيش، في ظل الانقسام العسكري والتدخلات الإقليمية والخارجية، والأطراف السياسية المحلية التي قادت المشهد السياسي ولم تعمل على تفعيل وإعادة هيكلة مؤسسة الجيش.

وانتقد عبد الكافي في حديثه للجزيرة نت إنشاء أجسام عسكرية موازية وضخ الميزانيات المستقلة لها ومنحها الصلاحيات، في المقابل تهميش رئاسة الأركان العامة وعدم تسمية رئيس لها حتى الآن.

وكان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني -بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي- قد أصدر قرارا في العاشر من مايو/أيار 2016 بإنشاء جهاز يسمى "الحرس الرئاسي" يتكون من وحدات الجيش والشرطة، ومهمته تأمين المقرات الرئاسية والسيادية والأهداف الحيوية، ومنافذ الدخول البرية والبحرية والجوية، ويكون مقره في طرابلس.

يشار إلى أن ضباطا من الجيش بالمنطقة الغربية كانوا قد عقدوا ملتقاهم السادس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بمدينة طرابلس، بحضور رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج ورئيس المجلس الأعلى للدولة بطرابلس عبد الرحمن السويحلي، بهدف مناقشة القضايا المتعلقة بإعادة تنظيم الوحدات العسكرية وتولي المناصب القيادية.

اللواء المتقاعد يوسف المنقوش: خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية يضمن عدم عسكرة الدولة (الجزيرة)
اللواء المتقاعد يوسف المنقوش: خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية يضمن عدم عسكرة الدولة (الجزيرة)

تأزيم الوضع
ويرى الناشط السياسي والقانوني من طرابلس سامي الأطرش أن كثرة المبادرات السياسية أو العسكرية رغم حسن نواياها، لن تزيد الوضع إلا تأزيما، وتعيق تطبيق أو تعديل بنود الاتفاق السياسي.

ويعتقد الأطرش في حديثه للجزيرة نت أن على الأطراف السياسية تكثيف جهودها نحو تعديل الاتفاق السياسي من أجل تطبيقه، موضحا أن الاتفاق ومبادئه الحاكمة، يضمن بناء الدولة المدنية والتراتبية العسكرية وخضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدينة، وضمان عدم توسع مشروع عسكرة الدولة.

واتفق المنقوش مع الأطرش على أن خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية يضمن عدم عسكرة الدولة، والابتعاد عن النموذج القائم في المنطقة الشرقية، حيث جرى عسكرة جميع مكونات الدولة من خلال استبدال عمداء المجالس البلدية المنتخبة بحكام عسكريين.

ومنذ أن أقدم رئيس مجلس النواب بطبرق عقيلة صالح على تعيين رئيس الأركان العامة عبد الرازق الناظوري حاكما عسكريا للمنطقة الممتدة من درنة شرقا حتى بن جواد غربا، باشر الناظوري في إقالة عمداء بلديات في الشرق الليبي، وعين عسكريين خلفا لهم، والتي وصفها البعض بالانقلاب على المسار الديمقراطي وإعادة البلاد للحكم العسكري.

ويجمع -مراقبون ومحللون- أن إعادة تنظيم المؤسسة العسكرية وفق ما جاء في الملتقيات العسكرية السابقة، والضغط على المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق لتسمية رئيس أركان للجيش الليبي، سيساهم في إفشال مشروع عسكرة الدولة الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق وجنوب البلاد.

المصدر : الجزيرة