فتى فلسطيني يجسد النكبة على وجوه أصحابها

الجزيرة نت/ غزة/ فلسطين المحتلة/ 3-5-2017/ عدد من الرسومات التي رسمها عَمر رضوان لكبار السن ممن عايشوا النكبة.
وجوه لكبار السن ممن عايشوا النكبة رسمها الفتى عمر رضوان (الجزيرة نت)

أحمد فياض-غزة

هكذا قفز فتى في السابعة عشرة من عمره في أغوار الزمن ليرى النكبة في وجوه مسنين فلسطينيين عاشوها، وتبدع ريشته في رسم ملامح وجوه تفيض بنظرات البؤس والشقاء والحسرة حرقة على ضياع أرضهم وتشريدهم عن بيوتهم وأعمالهم.

فالفتى عمر رضوان لم ير فاجعة النكبة حين وقعت، ولكنه عاشها وتعمق في تفاصيلها بإنصاته لأحاديث جد والده وغيره من كبار السن، فأطلق العنان لريشته لتستوحي ذلك الواقع من وجوههم المرهقة بأعباء الحياة وشوق العودة إلى الديار.

رسم الفتى الصغير وجه عشرين مسنا فلسطينيا من معاصري النكبة، ليلبي وصية جده في العمل على إنعاش ذاكرة الأجيال وإبقائها نابضة بتفاصيل أحداث النكبة، لتبقى حية في الأذهان إلى حين العودة.

ومن مصروف جيبه وبمساعدة من شقيقيه، انكب عمر على رسم لوحاته بأبسط الإمكانات المتوفرة، مؤكدا على ملامح الوجه لجذب انتباه الناظرين إلى الألم والمعاناة في تجاعيد الوجه ورقة العينيين وابتسامات أصحابها المسلوبة.

ورغم أن عمر ما زال غضا في الرسم التشكيلي الذي بدأ مشواره معه قبل ثلاث سنوات فقط، فقد أصر على توفير الورق الملائم للرسم بالفحم النباتي وتحدي مشكلة انقطاع التيار الكهربائي وعدم توفر المكان المناسب للرسم، وأمضى نحو عام ونصف العام في رسم لوحاته بعزيمة وشغف.

‪الفتى عمر يقول إن جلسات لساعات طويلة مع والد جده ولدت فكرة رسومه‬ (الجزيرة نت)
‪الفتى عمر يقول إن جلسات لساعات طويلة مع والد جده ولدت فكرة رسومه‬ (الجزيرة نت)

تجسيد القضية
وعن طبيعة ما تحتويه اللوحات، يقول عمر إنها رسم صور لشخصيات من كبار السن ممن عملوا في مهن مختلفة قبل تهجيرهم عن بلداتهم، وهي بادرة لتجسيد ما لحق بهم من ظلم إبان تهجيرهم عن بلداتهم في العام 1948، دون تمكنهم من حمل أي من متاعهم، على أمل عودة قريبة.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن ما ولد فكرة هذه الرسوم هي جلسات لساعات طويلة مع جد والده، "وكنت أسأله عن كل التفاصيل المتعلقة بحياة الأجداد قبل ترحيلهم عن أرضهم على أيدي العصابات الصهيونية".

وتعبر صور أصحاب الحرف للرسام التشكيلي الصغير أيضا عن التنوع في نمط حياة الفلسطينيين قبل النكبة، للتدليل على أن الوجود الفلسطيني كان حاضرا وضاربا في كل المجالات، وأن هذه الأرض سكنها الفلاح والصانع والتاجر وغيره من الحرفيين والصناع.

ويؤكد الفتى على هذا المغزى بقوله "إن حكايات الأجداد كانت تنقلني إلى زمنهم، فأحس أثناء حديثهم عن الأرض والبساتين والبيوت والبلدات وكأني كنت أعيشها معهم واقعا ملموسا".

وينبع تركيز عمر على شريحة كبار السكن السن في رسومه انطلاقا من تأثره بهم وإحساسه بعمق حنينهم إلى وطنهم المسلوب ومنعهم من العودة إليه للوقوف على أطلاله، فحاول إظهار ابتسامتهم الحزينة محاطة بتجاعيد وجوههم ولمعان عيونهم، لتوضيح ما لحق بهم من شقاء وإعياء جراء ظلم التهجير والتقتيل.

‪الرسوم تظهر وجوها لمختلف أصحاب المهن‬  (الجزيرة نت)
‪الرسوم تظهر وجوها لمختلف أصحاب المهن‬ (الجزيرة نت)

حكاية حزينة
وتظهر الرسوم وجوها لفلاحين وتجار وصيادين وصناعي أحذية وصناع خزف وفخار وزجاج، وقابلات ومطرزات، تعلو وجوههم جميعا علامات الكهولة، وتسطر تجاعيد وجوههم حكاية حزينة لشعب هجر وما زال مشتتا في أصقاع الأرض.

ويريد الفتى الفنان لرسومه أن تخبر العالم أن النكبة أصابت الشعب الفلسطيني في الصميم، فحرمت أبناءه الفرح وحملتهم هموم الغربة ومشقة التشريد وآلام الاضطهاد، وأن أحفاد الفلسطينيين لا ينسون وستبقى عيونهم وأفئدتهم مصوبة نحو العودة إلى الأرض طال الزمن أم قصر.

ويعبّر والد الفتى عماد رضوان عن فخره بإنجاز نجله عمر، مؤكدا أن هذه الرسوم هي رسالة عهد ومبايعة من الأحفاد للأجداد، بأنهم ما زالوا على خطاهم وقد قبلوا حمل أمانة إرجاع الأرض والديار.

وأعرب في حديثه للجزيرة نت عن أمله بأن يلقى ابنه الرعاية والاهتمام بما يساهم في تطوير موهبته وتعزيزها ليخدم مصالح الشعب الفلسطيني وتطلعاته نحو العودة والتحرير.

المصدر : الجزيرة