لماذا تزامن اعتقال رجال أعمال مع الاحتجاجات بتونس؟

جانب من احتجاجات شعبية ضد الفساد وضد قانون المصالحة الاقتصادية/العاصمة تونس/مايو/آيار 2017
جانب من احتجاجات شعبية ضد الفساد وقانون المصالحة الاقتصادية بتونس العاصمة (الجزيرة)

خميس بن بريك – تونس

تستمر الاعتقالات الأمنية في تونس لرجال أعمال وسط غموض يلف الرأي العام بسبب تكتم رسمي عن أسباب تلك الاعتقالات التي اعتبرها البعض مؤشرا على انطلاق الحكومة في مطاردة الفساد، بينما يقول آخرون إنها محاولة لصرف الأنظار عن الاحتجاجات في تطاوين.

وفي خطوة غير متوقعة، اعتقلت قوات أمنية شفيق الجراية رجل الأعمال الذي طالما ارتبط اسمه بشبهات فساد، ورجل الأعمال والمرشح لانتخابات الرئاسة السابق ياسين الشنوفي، وتاجر السلع المهربة نجيب إسماعيل، والعقيد بالجمارك رضا العياري، ورجل الأعمال علي الغدامسي وغيرهم.

وعن أسباب الاعتقالات، يقول الناشط الحقوقي وأستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك إنه لا يوجد ربط واضح بينها وبين توتر الأوضاع بمحافظة تطاوين الجنوبية، التي شهدت اشتباكات عنيفة بين الشرطة ومحتجين يعتصمون أمام آبار للنفط للمطالبة بالتنمية والتشغيل.

مآل الاعتقالات
لكن بن مبارك أوضح أن اعتقال رجال الأعمال المذكورين ووضعهم تحت الإقامة الجبرية بأماكن غير معلومة تم على أساس الفصل الخامس من قانون الطوارئ الساري المفعول، الذي يخوّل وزير الداخلية أن يضع تحت الإقامة الجبرية أي شخص يعد نشاطه خطيرا على الأمن والنظام.

‪بن مبارك: الاعتقالات تمت على أساس الفصل الخامس من قانون الطوارئ‬ (الجزيرة)
‪بن مبارك: الاعتقالات تمت على أساس الفصل الخامس من قانون الطوارئ‬ (الجزيرة)

وبما أن المصادر الرسمية لم تكشف بعد عن التهم الموجهة للموقوفين، يقول بن مبارك للجزيرة نت إنه رغم مباركته لهذه الخطوة التي تبدو إيجابية في الحرب على الفساد فإنه سيظل محتاطا حتى يرى مآل هذه الاعتقالات قضائيا وتبعاتها السياسية ليحكم على جدية الحكومة.

وتتناقل تقارير إعلامية أخبارا مفادها أن حملة الاعتقالات المباغتة ضد رجال الأعمال جاءت على خلفية الاشتباه بتورطهم بشبهات فساد وجرائم تمس بالأمن القومي، في إشارة مباشرة إلى احتمال تورطهم في تغذية أعمال العنف التي وقعت بمحافظة تطاوين جنوبي البلاد.

كما ترجع بعض التقارير هذه الاعتقالات إلى تلميح صهر الرئيس المخلوع عماد الطرابلسي بتورط رجال أعمال وأعوان جمارك ومسؤولين في قضايا فساد.

فرصة تاريخية
ويرجح رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الفساد إبراهيم الميساوي هذه الفرضية، معتبرا أن "هناك فرصة نادرة أمام رئيس الحكومة يوسف الشاهد لدخول التاريخ من الباب الكبير في حال واصل حملته لمطاردة الفاسدين الذين أصبحوا يرتعون في البلاد ويتطاولون على الدولة".

‪الميساوي: أمام رئيس الحكومة فرصة‬ (الجزيرة)
‪الميساوي: أمام رئيس الحكومة فرصة‬ (الجزيرة)

وينظر هذا الناشط بتفاؤل كبير لحملة الاعتقالات كخطوة أولى نحو إعلان حرب حقيقية على الفساد الذي تؤكد تقارير دولية ومحلية أنه بلغ مستويات مفزعة.

ويقول للجزيرة نت إن الحكومة استعادت ثقة الناس بهذه الحملة التي يجب أن تتبع بإجراءات مماثلة للقضاء على الفساد.

وبالنسبة إليه، فإن الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وألقت القبض على عائلته لم تتمكن من تفكيك منظومة الفساد المستشرية في أجهزة الدولة وفي كل القطاعات، لذلك يرى أن "تطهير البلاد من الفاسدين ضرورة ملحة لتحقيق النمو والتنمية".

مساندة مشروطة
سياسيا، لم تبلور الأحزاب مواقفها من حملة التوقيفات. ويقول القيادي في حركة تونس الإرادة عماد الدائمي للجزيرة نت إن الاعتقالات طرحت تساؤلات كثيرة بسبب عدم إرفاقها بتوضيح حكومي حول الإطار القانوني لتلك الحملة، وما إذا كانت متعلقة بالحرب على الفساد أم لا. 

وزاد في ارتباك الصورة وضبابيتها لدى الرأي العام التصريحات المتواترة والمتضاربة في نفس الوقت من قبل النيابة العمومية التي نفت علاقتها بتحريك تلك الاعتقالات، إضافة إلى نفي عدد من الفرق الأمنية المختصة تنفيذ الاعتقالات، مما زاد في حجم الغموض والتعتيم.

‪الدائمي: نطالب بسحب قانون المصالحة الاقتصادية مع المتورطين في الفساد‬ (الجزيرة)
‪الدائمي: نطالب بسحب قانون المصالحة الاقتصادية مع المتورطين في الفساد‬ (الجزيرة)

ومع ذلك يقول الدائمي إن حزبه يدعم تلك الإيقافات إن كانت تؤشر إلى استراتيجية جدية لمحاربة الفساد المتنفذ في البلاد بكل صرامة، داعيا إياها إلى أن تتخذ خطوات عملية لمحاربة الفساد والبدء بسحب قانون المصالحة الاقتصادية مع المتورطين في الفساد الذي يثير جدلا واسعا.

كباش فداء
من جهة أخرى، يرى الأمين العام لحركة وفاء النائب بالمجلس التأسيسي السابق عبد الرؤوف العيادي أن حملة الاعتقالات هي مجرد محاولة لإلهاء الرأي العام وصرف أنظاره عما يحدث من احتجاجات طاحنة في محافظة تطاوين من قبل الأهالي للمطالبة بالتنمية والتشغيل والعدالة.

ويقول للجزيرة نت إن الحكومة "قامت بتقديم رجال أعمال كباش فداء بعد افتضاح فسادهم للرأي العام".

وأكد العيادي أن الحكومة تهدف إلى التستر على إخفاقاتها في ظل تصاعد الاحتجاجات ضدها والمطالبة بإسقاطها، متهما الحكومة بأنها ليست لديها إرادة سياسية لمقاومة الفساد.

المصدر : الجزيرة