أبو محمد.. المقعد المقاوم على الحدود

عاطف دغلس- جنين

على كرسيه المتحرك يُسيِّر المواطن الفلسطيني أحمد قبها (أبو محمد) دورية صباحية وأخرى مسائية يتفقد خلالها منزله وأرضه في خربة مسعود قرب جنين شمال الضفة الغربية ليطلع عن قرب على كل تحركات الاحتلال الإسرائيلي.

في العام 1948 هجَّر الاحتلال عائلة أبو محمد (66 عاما) وأقارب لهم من قرية وادي عارة داخل فلسطين المحتلة، ليستقر بهم المقام في خربة مسعود الحدودية كوافدين جدد على أرض وعرة كان لهم اليد الطولى في تعميرها وتأهيلها للسكن والزراعة.

لحسن حظ الرجل الذي أصيب بالشلل بعد سنتين من ولادته أنه حصل من وقت قريب على كرسي كهربائي يتنقل عليه بدلا من سابقه الذي كان يحتاج "ليدين حديديتين" لجرِّ عجلاته ما سهَّل مهمته في مراقبة الأرض وأي تحركات للاحتلال تهدف لتهويد المزيد منها بذريعة أنها "مناطق عسكرية مغلقة".

ولحسن حظه أيضا أن منازلهم شيدت قبل احتلال الضفة الغربية عام 1967، حيث يمنعهم الاحتلال من أي بناء جديد ويخطر بهدم بيوت الصفيح المخصصة للمواشي.

‪‬ أبو محمد يشير إلى الجدار العازل المقام على أرضه وأراضي مواطني القرية وبجانبه صالح عمارنة(الجزيرة)
‪‬ أبو محمد يشير إلى الجدار العازل المقام على أرضه وأراضي مواطني القرية وبجانبه صالح عمارنة(الجزيرة)

وسائل التهجير
"قبل أيام قليلة اقتحم جنود الاحتلال برفقة وحدة مساحة إسرائيلية وبدؤوا بتصوير المكان وأخذ قياساته"، قالها أبو محمد وهو يشير إلى الجدار العازل الذي شيده الاحتلال الإسرائيلي وعزل بموجبه آلاف الدونمات من الأرض ووضع يده على أخرى.

منذ البداية كان يدرك الاحتلال خطورة وجود أبو محمد وغيره من السكان في الخربة، فعمل جاهدا وبكل الطرق على ترحيلهم، بدءا باقتحاماته شبه اليومية للمنزل وتفتيشه وبث الرعب بين السكان ومرورا بإقامة منطقة للتدريبات العسكرية وانتهاء باشتراطات عسكرية تفرض على الرجل وعائلته إطفاء النور ليلا وعدم الخروج مساء أو الاقتراب من الجدار.

يعلق أبو محمد قائلا "بتنا نشعر بأننا نعيش داخل سجن أو تحت الإقامة الجبرية بفعل ممارسات الاحتلال"، ويضيف أنه وأكثر من خمسين نفرا من أبنائه وأبناء عمومته يواجهون غطرسة إسرائيلية ومحاولات بالسر والعلن لتهجيرهم.

لكن الرجل وعائلته أفشلوا بصمودهم في المكان مخططا إسرائيليا عند إقامة الجدار يقضي بقضم المنطقة التي يقطنونها وضمها لداخل الجدار، إلا أن وجودهم غيَّر مسار الجدار بالكامل وحال دون مصادرة مزيد من الأرض.

‪‬ الاحتلال شق طريقا أمنيا لخدمة قواته العسكرية بجانب الجدار العازل قرب خربة مسعود(الجزيرة)
‪‬ الاحتلال شق طريقا أمنيا لخدمة قواته العسكرية بجانب الجدار العازل قرب خربة مسعود(الجزيرة)

مناطق عسكرية
في مطلع ثمانينيات القرن الماضي أقدمت إسرائيل على توزيع خريطة واسعة في محافظة جنين استهدفت عبرها ست قرى في المنطقة الجنوبية الغربية للمدينة واعتبرتها منطقة عسكرية مغلقة، ما سهل الطريق لإقامة الجدار والاستيطان أكثر.

وأكثر من ذلك، فقد منع جنود الاحتلال السكان من الاقتراب من الجدار ووضعوا لافتات تحذيرية تمنعهم من ذلك "حتى لو تعلق الأمر برعاية الأرض" يقول الشاب معتز قبها قريب أبو محمد.

ويضيف معتز أن الاحتلال يسعى جاهدا بكل الطرق لطردهم من المكان بعد أن نجح وتحت ضغط الجدار والاعتداءات اليومية في طرد آخرين، فهو منذ سنوات يقيم حاجزا عنصريا وشق طريقا أمنيا لخدماته العسكرية بجانب الجدار.

تم رفد خربة مسعود بخدمات البنى التحتية من شوارع وكهرباء وماء(الجزيرة)
تم رفد خربة مسعود بخدمات البنى التحتية من شوارع وكهرباء وماء(الجزيرة)

تعزيز الصمود
وفي مواجهة مخططات الاحتلال لترحيل الأهالي عمد صالح عمارنة -رئيس مجلس قروي زبدة حيث تتبع خربة مسعود- لدعم الخربة ورفدها بمشاريع خدماتية من الشوارع وخط المياه والكهرباء.

ويقول عمارنة للجزيرة نت إن دورهم كجهات مسؤولة كان دعم السكان بمناطق "ج" هذه الخاضعة للسيطرة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، ويضيف أن أبو محمد أول من وطأ خربة مسعود وعمّر أرضه بيديه وآخر من بقي في المنطقة التي قطنها أمام عمليات الترحيل.

ويظل خيار أبو محمد -برأي عمارنة- محصورا بموقف واحد هو التصدي لكل محاولات الاحتلال للنيل منهم وتهجيرهم، وأن على الجهات المسؤولة أن تقف لجانبهم وتدعمهم، خاصة وأن الاحتلال دأب على توجيه رسائل إليه مفادها أنه غير "مرحب به" في تلك المنطقة.

يدرك أبو محمد أن بقاءه سيظل شوكة بحلق الاحتلال وسيحول دون مصادرة المزيد من الأرض، حيث يرفع شعاره "البقاء أو البقاء" رافضا التهجير مرة ثانية والعيش فصولا جديدة من النكبة.

المصدر : الجزيرة