البدون حالة جديدة في السودان

مقر وزارة العدل السودانية
مقر وزارة العدل السودانية (الجزيرة نت)

عماد عبد الهادي-الخرطوم

على رجلين أرهقهما التعب يتكئ عادل برعي سرور وهو شارد بعدما غطت وجهه علامات حزن ظلت تلازمه منذ أكثر من خمس سنوات هي عمر انفصال جنوب السودان عن الدولة الأم السودان والتي فقد فيها هويته السودانية.
 
ولم يكن عادل برعي وحده من فقد هويته ليضاف إلى أعداد البدون الذين تضج بسببهم مؤسسات حقوق الإنسان الدولية والعالمية إنما ينتظر آلاف البدون في السودان قرارا ينهي مأساتهم.
 
وكغيره يكافح عادل عبر القضاء السوداني لإثبات حقه في نيل جنسية بلد لا يرى غيرها بديلا، ليمكن أطفاله من مواصلة تعليمهم بعدما فقدوه بقرار يراه مجحفا بحق أناس لا يفهمون معنى سحب جنسياتهم بالميلاد.
 
إلى من أنتمي والسودان وجنوب السودان لا يعترفان بي، ذلك هو سؤال عادل ومن خلفه آلاف المواطنين ممن أصبحوا ضحايا انفصال سياسي شطر البلاد إلى نصفين دون أن ترتب أوضاعهم بالكامل ودون أن يتم تخييرهم إلى أي الاتجاهين يذهبون.
 
ويطرح عادل مأساته ليقول إنه في أواخر العام 2014 والطلاب يهرعون إلى منازلهم ليحدثوا أهلهم عن طلب هو من الموجبات لامتحان الشهادة الثانوية السودانية التي تؤهل لدخول الجامعة جاء ابنه البكر وأخبره أنه طرد من المدرسة ولن يمنحونه أي رقم وطني ليحق له الجلوس لامتحان الشهادة.
‪عادل برعي فقد هويته ليضاف إلى أعداد البدون‬ (الجزيرة نت) 
‪عادل برعي فقد هويته ليضاف إلى أعداد البدون‬ (الجزيرة نت) 

حق التعليم
ومع محاولات عادل التخفيف من مأساة ابنه المطرود لتوه من المدرسة -كما يقول- استقر به التفكير لمتابعة الأمر قضائيا، قبل أن يصطدم هو نفسه بإسقاط جنسيته السودانية وهو ابن الجندي الذي مات وهو يردد نشيد العلم السوداني.
 
وقبل أن يفسر عادل ما يجري لأطفاله الذين يتساءلون عن حقهم في التعليم أسوة بغيرهم من الأطفال والصبية في أعمارهم يستحضر قرارا أشد إيلاما وهو طرده من الخدمة باعتباره أجنبيا لا يحق له العمل حتى ولو في وظيفة سائق سيارة بأحد مستشفيات الخرطوم.
 
وليس عادل وحده من يعاني هذه الحالة وإنما هناك أكثر من مليوني شخص ممن هم على شاكلته، وذلك بسبب أن آباءهم من أصول جنوب سودانية في حين تنتمي أمهاتهم إلى السودان.
 
ويقول قانون الجنسية السوداني في إحدى فقراته "يكون الشخص المولود من أم سودانية بالميلاد مستحقا للجنسية السودانية متى ما تقدم بطلب لذلك", وهو ما يستند إليه عادل ومن يعانون ذات التصنيف في مرافعاتهم أمام المحاكم السودانية الآن، فوالد عادل من مواليد الخرطوم قبل أن يلتحق بالجيش السوداني في حين تنتمي والدته لإحدى قبائل وسط السودان.
 
وحينما يصنف الناس غرباء أو أجانب لا يجد عادل نفسه بين تلك الفئات، خاصة من المواطنين السودانيين الذين طالما طالبوا عادل بمتابعة حقه لأعلى درجات التقاضي. 

‪الناشطة إحسان عبد الحفيظ‬ (الجزيرة نت)
‪الناشطة إحسان عبد الحفيظ‬ (الجزيرة نت)

ضياع الهوية
وبينما تعلن حكومة جنوب السودان وفق سفارتها في الخرطوم أنها مستعدة لمعالجة أمر مواطنيها ممن فقدوا هويتهم في السودان لا يزال عادل وآخرون بانتظار صدور قرار سياسي سوداني يعيد لهم جنسيتهم لأنهم اختاروا السودان وطنا لهم.
 
وتتساءل عضوة حملة "أنا سوداني" الناشطة إحسان عبد الحفيظ: ما هي الأسباب التي تمنع عادل من استعادة حقه بصفته سودانيا اختار أن ينال جنسيته بعيدا أي مزايدة سياسية أو أي موقف آخر؟
 
من جانبها، قالت المحامية نجلاء محمد علي إن إسقاط جنسية الجنوبيين تم دون مراعاة لقانون الجنسية السوداني أو توافق مع القانون الدولي في مثل هذه الحالات.
 
وأضافت نجلاء في حديثها للجزيرة نت أن إسقاط الجنسية بتلك الطريقة أوجد مجموعات كبيرة من فاقدي الهوية، مما ترتب عليه فقد الحقوق الإنسانية لها.
 
وتعتقد أن المشرع السوداني قصد إسقاط هوية الجنوب سودانيين دون غيرهم من الجنسيات الأخرى التي يتمتع أبناؤها بالجنسية لكونهم من أمهات سودانيات.
 
وهنا تقف الناشطة إحسان معلنة في تصريح للجزيرة نت عن تواصل حملة التضامن مع فاقدي الهوية للفت نظر الحكومة السودانية إلى مأساة هذا العدد من الناس الذين لم ولن ينفصلوا عن الجسد السوداني.

المصدر : الجزيرة