الموت يمدد إقامته في الغوطة الشرقية

من حالات سوء التغذية في الغوطة - الصورة من مركز الحكيم
نقص التغذية فتك بالأطفال الرضع في الغوطة الشرقية المحاصرة (الجزيرة نت)

سلافة جبور-دمشق

"ما أشبه اليوم بالأمس"، تقولها بأسى ياسمين المحاصرة  في غوطة دمشق الشرقية، وتضيف "كأننا في العام 2014 حين كنا نناشد العالم والمنظمات الدولية فك حصار النظام السوري عنا، وها نحن اليوم بعد ثلاثة أعوام نكرر ذات المناشدات دون جدوى".

تشارك ياسمين على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي في حملة "الأسد يحاصر الغوطة" التي انطلقت الاثنين الماضي، حيث تنشر صوراً وحقائق حول هذا الحصار، وتنهي يومها وهي تتمنى أن تتمكن في اليوم التالي من تأمين قوت أطفالها الأربعة دون عناء كبير.

ولا تأمل ياسمين -وهي سيدة أربعينية- أن تتحرك أي جهة محلية أو دولية في القريب العاجل لإنهاء معاناة آلاف السكان في هذه المنطقة الواقعة شرق العاصمة السورية، "فمن صموا آذانهم عن معاناتنا منذ بدء الحصار المطبق عام 2013 لن تؤثر فيهم بعض الصور، وحساباتهم السياسية والإقليمية فوق كل اعتبار".

وتعني ياسمين بذلك صور الطفلين سحر وعبيدة اللذين توفيا نتيجة حصار الغوطة الشرقية خلال الأسبوع الحالي، وانتشرت صور جسديهما الصغيرين النحيلين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

في مايو/أيار الماضي دخلت غوطة دمشق الشرقية ضمن اتفاق خفض التصعيد، لتكون واحدة من أربع مناطق يفترض أن تتوقف فيها المعارك وتفتح إليها المعابر الإنسانية لإدخال المواد الغذائية والطبية وإخراج الحالات التي تحتاج إلى العلاج، وذلك وفق اتفاق ثلاثي أبرم بين تركيا وروسيا وإيران.

غير أن ستة أشهر مضت والوضع في الغوطة الشرقية على ما هو عليه، بل ربما أسوأ، فما يقارب 400 ألف مدني -وفق إحصائيات الأمم المتحدة– يهددهم الجوع والمرض نتيجة إطباق فكي حصار النظام السوري على بلداتهم وقراهم.

أمراض وآفات
ومع منع دخول المواد الإغاثية والطبية للمنطقة، ارتفعت الأسعار داخل الغوطة لتصل حداً غير مسبوق خلال الأسبوع.

وتسبب هذا الوضع في قائمة لا تنتهي من الأمراض والآفات، وضحاياها غالبا من الفئات الأكثر هشاشة مثل الأطفال والعجزة.

ووفق حديث الناطق الإعلامي باسم المكتب الطبي الموحد في الغوطة عمار الصيداوي، يعاني كثير من أطفال المنطقة من سوء التغذية وسوء الامتصاص، وتتفاقم حالتهم نتيجة ضعف قيمة حليب الأمهات المحرومات من العناصر الغذائية الأساسية، مع وجود جهة وحيدة لعلاج هذه الحالات وهي مركز الحكيم الطبي.

وتقول الجمعية الطبية السورية الأميركية إن ما نحو 75% من الأطفال تحت سن الخامسة، ومعظم المرضعات والحوامل في الغوطة بحاجة إلى الدعم الغذائي.

بدورها تتحدث منظمة يونيسيف عن معاناة 1100 طفل في الغوطة من نقص تغذية تتراوح شدته بين المتوسط والحاد.

نقل المعاناة
هذه الأوضاع دفعت الناشطين في المنطقة إلى إطلاق حملة "الأسد يحاصر الغوطة" على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الإعلام المختلفة.

وتهدف هذه الحملة إلى نقل معاناة الغوطة وانعكاسات الحصار والتأكيد أن اتفاقات خفض التصعيد لم تكن سوى حبر على ورق، وأن العالم يجب أن يقف أمام مسؤولياته تجاه نظام الأسد الذي يحاصر المدنيين.

ويقول الخمسيني أبو عبد الله إنه يقضي جل وقته بحثاً عما يطعم به أطفاله، وغالبا لا يؤمن لهم أكثر من وجبة واحدة في اليوم.

وتزداد مهمة أبو عبد الله صعوبة كل يوم مع نفاد المخزون الغذائي من هذه المنطقة التي كانت تعرف بأنها من أهم سلال سوريا الغذائية قبل اندلاع الثورة عام 2011.

ومع اقتراب فصل الشتاء الذي يعني معاناة جديدة لتأمين مواد التدفئة من محروقات وحطب، يقول أبو عبد الله "يبدو أن الموت هو مصيرنا المحتوم على اختلاف مسبباته، سواء كانت جوعاً أم مرضاً أم برداً".

المصدر : الجزيرة