كزاخستان والنووي .. جراحات لم تندمل
مجدي مصطفى
ولد كويوكوف من دون ذراعين بسبب الإشعاعات النووية التي خلفتها التجارب في بلاده التي اختارته لاحقا سفيرا لإحدى مبادرتها التي تحث على التخلي عن الأسلحة النووية في العالم وإنشاء مناطق منزوعة السلاح، أطلقت عليها مبادرة "أتوم الذرة" هدفها إظهار الآثار الكارثية للتجارب النووية على البشر والدعوة إلى وقفها.
كزاخستان التي تحيي اليوم الاثنين ذكرى مرور ربع قرن على تخليها طواعية عن السلاح النووي، لها قصة مأساوية مع هذا السلاح تتنوع فصول الآلام فيها، تستذكرها سنويا منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي السابق عام 1991، بمبادرة أو مؤتمر كالذي تستضيفه اليوم واختارت له عنوان "من أجل عالم خالٍ من السلاح النووي".
حقائق وأرقام
على مدى نصف قرن، ظل الاتحاد السوفياتي السابق يجري تجاربه النووية على أراضي كزاخستان وأقام موقعا لهذا الغرض في مقاطعة سيميبالاتينسك، كان يعد الثاني في العالم من حيث الحجم. وفي هذا الموقع الذي يحمل اسم المقاطعة، والقريب من متحف الروائي الروسي العالمي فيودور دوستويفسكي، أجريت 450 تجربة نووية عانى منها ولا يزال أكثر من مليون ونصف المليون نسمة.
الترسانة النووية التي أقامها الاتحاد السوفياتي السابق داخل أراضي كزاخستان كانت تضم صناعات اليورانيوم والوقود النووي ومفاعلات نووية صناعية وبحثية إضافة إلى قاعدة علمية وتقنية كبيرة. أما مخازن الأسلحة النووية فكانت يحتوي على 104 صواريخ من طراز "أس.أس-18" ذاتية الإطلاق تحمل 1216 رأسا نوويا، إلى جانب قاعدة ضخمة لإنتاج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.
بين الاحتفاظ والتخلي
التركة النووية التي ورثتها كزاخستان عن الاتحاد السوفياتي السابق، جعلتها رابع أضخم ترسانة نووية في العالم، ومن ثم فإن التخلي عن تلك الترسانة كان قرارا إستراتيجيا بالغ الصعوبة والتعقيد.
وفي كتابه "قلب العالم" يصف الرئيس الكزاخي نور سلطان نزرباييف تلك المرحلة قائلا "كان يتنازع فيها تياران الأول يبرر الاحتفاظ بالسلاح النووي لأنه يضع كزاخستان في صف الدول العظمى، ويشكل ضمانا للأمن، ورادعا لمطامع الخصوم في ظل الثغرات في الأسلحة التقليدية، إضافة إلى أهميته العلمية والتقنية المتطورة".
أما التيار الثاني -وفق نزرباييف- فيدعو إلى التخلي عن النووي "لأسباب عدة منها النفقات المادية الضخمة التي كانت ستتحملها كزاخستان إضافة إلى التبعات الجيوسياسية المعقدة في محيط آسيا المركزية ومنظومة الأمن الشامل".
وحسم نزرباييف الأمر مقررا التخلي عن الترسانة النووية ووقف التجارب في سيميبالاتينسك، معتبرا أنها ستضر بالدولة المستقلة حديثا أكثر مما ستنفعها.
في مايو/أيار 1995، تم تدمير آخر رأس حربي نووي في موقع سيميبالاتينسك، ويوم 29 يوليو/تموز 2000 تم تفجير النفق الأخير للتجارب النووية. وفور إغلاق موقع سيميبالاتينسك للتجارب النووية بدأت حقبة كزاخستان خالية من الأسلحة النووية.
وقد صادقت الحكومة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وأصبحت عضوا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووضعت جميع منشآتها النووية تحت رقابة الوكالة، كما صادقت على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية 1996.
وفي عام 2006 وقعت كزاخستان إلى جانب غيرها من بلدان آسيا الوسطى معاهدة سيميبالاتينسك لمنطقة آسيا الوسطى خالية من الأسلحة النووية، وفي مؤتمر قمة الأمن النووي العالمي الذي عقد في واشنطن في أبريل/نيسان 2010 اقترح نزرباييف تبني الإعلان العالمي لعالم خال من الأسلحة النووية، وبادر بالتوقيع على المعاهدة الجديدة على المستوى العالمي لعدم الانتشار الأفقي والرأسي للأسلحة النووية.
بنك الوقود النووي
ولكونها أحد أكبر منتجي اليورانيوم في العالم، أبدت كزاخستان استعدادها للمساهمة في تطوير صناعة الطاقة النووية السلمية، باحتضان مقر البنك الدولي للوقود النووي على أراضيها.
والغرض الرئيسي لذلك البنك هو إتاحة إمكانية الحصول على المواد النووية للبلدان التي ترغب في تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية ولكنها تفتقر إلى الموارد المحلية الكافية "وفي هذه الحالة لا يشكل البنك تهديدا بيئيا لأي بلد". وتمتلك كزاخستان -وفقًا لخبراء دوليين- تكنولوجيا آمنة لاستخراج ومعالجة وتخزين المواد المشعة. ووعدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتوفير الرقابة على أداء البنك.
في هذا الصدد، يقول نزرباييف إن كزاخستان مستعدة "ليس فقط لاحتضان البنك على أراضيها، وإنما أيضا لضمان التخزين السليم للوقود النووي، ويمكنني أن أؤكد لكم أن كزاخستان لن تتجاوز الخط الفاصل بين البرامج النووية السلمية والحربية".