لافتات تختصر مواقف غزة السياسية

محمد عمران-غزة

لا يحتاج الستيني بسام النونو لتحليل سياسي معمق ليدرك أن تغيرا ما طرأ على علاقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بـمصر، بعد مشاهدته لمضمون اللافتة الرئيسية الكبيرة التي تثبت بساحة السرايا وسط مدينة غزة، فكلمات من قبيل "المقاومة لا توجه سلاحها للخارج: البوصلة نحو تحرير فلسطين" تلخص جزءا أساسيا من الرسالة التي تحرص الحركة على إيصالها للنظام المصري.

ويعتاد النونو -الذي يعمل صيدلانيا- على متابعة اللافتات والجداريات خصوصا المثبتة على المفترقات والطرقات الرئيسية في قطاع غزة، لقناعته بأنها منبر آخر للفصائل الفلسطينية يمكن عبرها قراءة توجهاتها السياسية ومواقفها على المستويين المحلي والخارجي، خصوصا إذا ما أريد الإعلان عن هذه المواقف بشكل غير مباشر.

ويضرب أمثلة عديدة على فهم الرأي العام لتوجهات حماس من دون ناطقين باسمها، فلافتات الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وقد كتب عليها "رمز الشرعية"، تلخص موقف الحركة الرافض آنذاك لما حدث بمصر عقب 30 يونيو/حزيران 2013.

والحال ذاته ينطبق على الجداريات التي انتشرت لصور أمير قطر والرئيس التركي ورئيس المكتب السياسي بحماس، وعنونت بقادة تحرير القدس، إضافة إلى لافتات دعم الهبة الجماهيرية الأخيرة بالضفة، بينما حظي ملف المصالحة بين الفلسطينيين برسومات كثيرة كالتي تجمع بين الزعيمين الراحلين ياسر عرفات وأحمد ياسين وإلى جوارهما شهداء قادة الفصائل.

رسم جداري يجمع الشقاقي وعرفات وياسين في أحد شوارع غزة (الجزيرة نت)
رسم جداري يجمع الشقاقي وعرفات وياسين في أحد شوارع غزة (الجزيرة نت)

 ويعود التوسع في استخدام الكتابة على الجدران واستخدام اللافتات في غزة إلى نحو ثلاثة عقود، منذ اندلاع انتفاضة الحجارة التي كانت الجداريات خلالها بمثابة وسيلة إعلام أساسية للفصائل الفلسطينية للتعبير عن مواقفها.

تفاعل جماهيري
لكن التطور الأكثر إثارة يكمن في إبداع الفصائل الفلسطينية بتطويع هذه الجداريات لتحقيق أهدافها الجماهيرية والسياسية، من خلال مضامين تصاغ بعناية فائقة قد تفوق في بعض الأحيان المواقف السياسية المعلنة عبر تصريحات أو مؤتمرات صحفية، وفق المعلم بسام المشهراوي.

ويعتقد المشهراوي أن الجمهور يستوعب الرسائل ويتحرك وفقا لها، خصوصا وأن اللافتات تعتمد على بعض الصور أو الشعارات الأسهل للفهم والأكثر تأثيرا، معتبرا أن التفاعل الجماهيري مع قضية المختطفين الأربعة يؤكد حقيقة تأثر المزاج العام ببعض الجداريات ذات العلاقة.

بيد أن بساطة اللافتات وقدرتها التأثيرية هدف جانبي إذا قورن بالهدف الأهم المتعلق بالتعبير عن مواقف سياسية لفصائل فلسطينية لا تستطيع الإعلان عن تلك المواقف بشكل صريح عبر وسائل الإعلام التقليدية، وفقا لرئيس تحرير صحيفة الاستقلال خالد صادق. 

لافتة معلقة بأحد ميادين غزة (الجزيرة نت)
لافتة معلقة بأحد ميادين غزة (الجزيرة نت)

ويصف الإعلامي المحسوب على حركة الجهاد الإسلامي لجوء الفصائل للافتات الجدارية بـ"الذكاء السياسي الضروري لتفادي تداعيات التصريحات المباشرة" خصوصا في ظل التقلبات السياسية للدول وللأطراف المرتبطة بالقضية الفلسطينية وحالة العداء بينها، على حد قوله.

وبينما تركز حماس على استخدام هذه الجداريات رغم وجود وسائل الإعلام الحديثة، فإنها ترفض الادعاء بأنها تتوارى خلفها للتعبير عن توجهاتها السياسية.

ويقول القيادي بالحركة إسماعيل رضوان إن حماس تعبر عن توجهاتها بالمواقف السياسية وليس بالشعارات أو اللوحات الجدارية "فنحن لا نحتاج إلى الجداريات لنتوارى خلفها عن مواقفنا وعندنا وسائل عديدة لذلك".

ويضيف للجزيرة نت أن حماس لا تقف طويلا عند هذه الجدارية أو تلك، فالقضية ليست رسائل داخلية أو خارجية بقدر ما هي تأكيد على دعم المقاومة وشكر من يدعمها فلسطينيا، والثناء على من يساندها عربيا وإسلاميا، وفق تقديره.

ويرى رضوان أن استخدام اللافتات العامة يأتي في سياق استفادة كافة الفصائل من هذه الوسيلة الجماهيرية للتعبير عن بعض التوجهات، بصورة درجت عليها العادة وليس للهروب من الإفصاح عن بعض المواقف والرؤى السياسية.

المصدر : الجزيرة