بنقردان.. كيف أجهض الأهالي مخطط احتلالها؟

أهالي بنقردان مع عناصر من الجيش التونسي أمام مستشفى بنقردان
بعض أهالي بنقردان مع مجندات من الجيش التونسي (الجزيرة)

معز الجماعي-بنقردان

قال خبير تونسي مختص في المناطق الحدودية إن أهالي مدينة بنقردان (جنوب تونس) أجهضوا مخطط تنظيم الدولة الإسلامية لإقامة "إمارة داعشية"، مؤكدا أنهم اختاروا "مبايعة" الدولة رغم التهميش وتقصير السلطات في التنمية وتوفير مصدر الرزق وتشغيل العاطلين.

ورأى الخبير مصطفى عبد الكبير أن قراءة تنظيم الدولة أثناء التخطيط للهجوم على بنقردان كانت خاطئة، عندما توهم أن جزءا كبيرا من سكان المدينة (سبعين كيلومترا عن الحدود الليبية) سينخرطون في معركته ضد أجهزة الدولة.

ورأى عبد الكبير أن هشاشة الأوضاع الاجتماعية وتدهور التنمية في بنقردان أجبرا السكان على اللجوء إلى التهريب لكسب رزقهم، مبينا أن هذه الثغرات أراد تنظيم الدولة استغلالها لاستقطاب الأهالي إلى صفوفه، إثر الهجوم المباغت الذي نفذه عشرات من مقاتليه فجر الاثنين الماضي.

وفي جولة بالمدينة، لاحظت الجزيرة نت أن جميع شوارع وأزقة بنقردان لا تخلو من محلات بيع السلع والبنزين المهرب من ليبيا، القطاع الحيوي الذي يوصف هنا بأنه شريان الحياة، كما بات هذا النوع من التجارة غير القانونية متنفسا لآلاف العائلات في الجنوب الشرقي عموما، حسب مراقبين.

ويعاني تجار بنقردان من تعطل نشاطهم التجاري تحت وطأة غلق الحدود نتيجة التطورات الأمنية والسياسية في الجانب الليبي، الأمر الذي يتسبب في شلل شبه اقتصادي تام للمدينة (نحو ثمانين ألف نسمة).

حاضنة شعبية
وحسب عبد الكبير، فإن مثل هذه المؤشرات "أوحت لتنظيم الدولة بأن أحياء المدينة ستكون حاضنة شعبية له فور تنفيذ هجومه، لكن ما حدث أثبت أن توقعات التنظيم كانت خاطئة بخصوص الأراضي الخصبة لتمدده شمال أفريقيا".

‪عبد الكبير: هشاشة الأوضاع الاجتماعية وتدهور التنمية في بنقردان أجبرا السكان على اللجوء إلى التهريب‬ (الجزيرة)
‪عبد الكبير: هشاشة الأوضاع الاجتماعية وتدهور التنمية في بنقردان أجبرا السكان على اللجوء إلى التهريب‬ (الجزيرة)

ويضيف الخبير أن إستراتجية موقع بنقردان الجغرافي وخصوصيتها الاجتماعية والاقتصادية كانتا من أبرز دوافع تنظيم الدولة لاختيارها مشروعا لأول ولاية له في تونس، مؤكدا أن هروب عشرات من مقاتلي تنظيم الدولة من بلدة صبراطة الليبية بعد الغارة الأميركية الأخيرة على معسكر لهم عجلت تنفيذ هجوم بنقردان.

ويروي أهالي بنقردان للجزيرة نت أن المهربين هذه المرة أسهموا في إفشال مخطط احتلال مدينتهم، فقد حاصروا عناصر تنظيم الدولة ببنادق صيد تقليدية لإلهائهم إلى حين وصول التعزيزات الأمنية والعسكرية للقضاء على المسلحين.

ورغم اتهام السلطات المتواصل بتورط المهربين في دعم المسلحين، لم تنكر السلطات روايات الأهالي، إذ أقرت بأن بعض المهربين أبلغوها قبل أسابيع برصد تحركات مشبوهة لبعض الأشخاص في الصحراء.  

ويرى محللون أن الفترة الزمنية الفاصلة بين الغارة الأميركية على صبراطة وهجوم بنقردان ترجح فرضية استحالة التمكن من جلب ذلك الكم الهائل من الأسلحة التي اكتشفها الأمن في مخازن ضمت أسلحت متطورة وصواريخ.

‪بعض أهالي بنقردان مع قوات أمنية وسط المدينة‬  (الجزيرة)
‪بعض أهالي بنقردان مع قوات أمنية وسط المدينة‬  (الجزيرة)

هجوم متوقع
وبشأن الانتقادات التي طالت السلطات لتقصيرها على المستوى الاستخباري، قال ضابط بجهاز الاستعلامات في معبر راس جدير إن الهجوم كان متوقعا؛ "فقد تلقينا تحذيرات من الأجهزة المختصة، لكن تسارع نسق الأحداث في الجانب الليبي دفع الإرهابيين إلى السرعة القصوى لتنفيذ هجومهم".

ونفى الضابط -الذي فضل عدم كشف هويته- أن يكون المهاجمون نجحوا في مباغتة قوات الأمن والجيش، مبررا ذلك بأنهم "لم يتمكنوا من تجاوز البوابات الخارجية للمراكز الأمنية والثكنة العسكرية، مما يدل على نجاح منظومة التأمين الاستثنائية للتصدي لأي هجوم إرهابي".

ورأى المتحدث أن إعلان جزء من الصحراء منطقة عسكرية مغلقة وحفر ساتر ترابي على طول الشريط الحدودي بين ليبيا وتونس لم يكن كافيا لمنع تسلل عناصر تنظيم الدولة، مشيرا إلى أن ما حدث "ليس تقصيرا، وإنما ثغرات يجب الانتباه لها لتحصين حدودنا".

المصدر : الجزيرة