مأساة حلب تتصدر احتفالا أمميا في برلين

شتاينماير القمع مسبب لشيوع أحساس بالمرارة وانعدام العدل ويفضي لعنف وأزمات لايمكن حلها سلميا. الجزيرة نت
شتاينماير: لا يمكن صياغة عالم عادل آمن يسوده السلام إن لم يتم احترام حقوق الإنسان الرئيسية (الجزيرة)

خالد شمت-برلين

احتلت المأساة الإنسانية المستمرة بمدينة حلب السورية وتداعيات أزمة اللاجئين مكان الصدارة في احتفال نظمته وزارة الخارجية الألمانية بمقرها في العاصمة برلين، بمناسبة مرور نصف قرن على صدور عهدي الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 1966.

ودعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد رعد الحسين في كلمته بالاحتفال إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لإنهاء تردي الأوضاع الإنسانية في حلب، واقترح تقييد استخدام حق النقض بمجلس الأمن الدولي للتمهيد لرفع الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

وتوقع المفوض الأممي مبادرة مجلس الأمن باتخاذ إجراءات سريعة لتقييد استخدام أي من دوله لحق النقض (فيتو)، إذا ما تعلق الأمر بتعطيل اتخاذ المجلس قرارات لمواجهة جرائم حرب أو جرائم محتملة ضد الإنسانية أو مذابح تطهير عرقي.

ملف ومحاكمة
وأيدت مديرة المعهد الألماني لحقوق الإنسان البروفيسورة بياتا رودولف دعوة الأمير زيد بشأن حق الفيتو، معتبرة أنه يمكن أن يمهد لإحالة مجلس الأمن ملف سوريا إلى محكمة الجزاء الدولية.

وأوضحت رودولف في تصريحات للجزيرة نت أن عدم اعتراف سوريا بقانون المحكمة الدولية منع إحالة ملف الانتهاكات الواقعة بهذا البلد إلى المحكمة.

ولفتت إلى أن استخدام روسيا حق النقض في مجلس الأمن الدولي يعوق إمكانية متاحة لرفع الملف السوري إلى محكمة الجزاء الدولية بتوصية من المجلس، مشددة على أهمية توثيق ما يجري في سوريا حاليا من انتهاكات مروعة وجرائم حرب محتملة، انتظارا لوقت مناسب سيأتي لجلب المسؤولين عن هذه الجرائم إلى العدالة.

وأشارت الحقوقية الألمانية إلى أن التجارب السابقة من تقديم حكام دكتاتوريين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان إلى القضاء الدولي، يظهر إمكانية حدوث الأمر نفسه في الحالة السورية.

‪صورة بثها الدفاع المدني السوري لمتطوع يحمل طفلا تضرر جراء القصف على حلب‬ صورة بثها الدفاع المدني السوري لمتطوع يحمل طفلا تضرر جراء القصف على حلب (الأوروبية)
‪صورة بثها الدفاع المدني السوري لمتطوع يحمل طفلا تضرر جراء القصف على حلب‬ صورة بثها الدفاع المدني السوري لمتطوع يحمل طفلا تضرر جراء القصف على حلب (الأوروبية)

أهمية وقمع
وتطرق متحدثون في الاحتفال الذي أقيم مساء الخميس إلى أهمية العهدين الحقوقيين المحتفى بهما: العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهما العهدان اللذان اعتمدتهما الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 16ديسمبر/كانون الأول 1966.

وقال راعي الاحتفال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إن العهدين الأمميين سيبقيان إرثا إنسانيا عظيما للمجتمع الدولي، رغم أن الاحتفال بمرور خمسين عاما على صدورهما بدا أشبه بسخرية في مواجهة التعدي على حقوق الإنسان في مناطق كثيرة من العالم.

وأشار شتاينماير إلى أن تبرير دول كثيرة لقمعها بمواجهة أخطار إرهابية، يؤدي إلى شيوع الإحساس بالمرارة والخطر وانعدام الأمن، وتولد عنف ونشوء أزمات لا يمكن حلها سلميا.

ورأى أن الأوضاع المروعة وغير المحتملة في مدينة حلب تعد مثالا ملحا على معاناة ملايين الأشخاص بعد فرارهم من بلدانهم بسبب الحروب والعنف والقمع، وخلص إلى أنه لا يمكن صياغة عالم عادل آمن يسوده السلام إن لم يتم احترام حقوق الإنسان الرئيسية.

‪كلوديا روت: مطلوب لحل الأزمة السورية فتح الباب لمبادرة سياسية لا تنسى جرائم بشار الأسد‬ (الجزيرة)
‪كلوديا روت: مطلوب لحل الأزمة السورية فتح الباب لمبادرة سياسية لا تنسى جرائم بشار الأسد‬ (الجزيرة)

كراهية وعنصرية
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد إن المجتمعات المتطورة شهدت -رغم تطور أوضاع حقوق الإنسان فيها- تزايدا لا يمكن غض الطرف عنه لنزعات الكراهية والعنصرية ووصولها إلى قلب هذه المجتمعات، وأشار إلى تزايد الحديث في دول الرفاهية عن عدم ذوبان المهاجرين المسلمين، وافتقاد هؤلاء المهاجرين الولاء للدول المستقبلة لهم، وأنهم يسعون لتحطيم هذه الدول.

من جانبها اعتبرت كلوديا روت نائبة رئيس البرلمان الألماني (بوندستاغ) في مداخلة بالاحتفال، أن ما حدث قبل أيام من اعتداء بالمتفجرات على مسجد في مدينة دريسدن، وما تشهده ألمانيا من مناخ معاد للاجئين، بات يفرض على الدولة تنفيذ التزامات تقع عليها بحماية كافة المقيمين فيها من التمييز والعنصرية، وعدم استخدام حرية الرأي للتحريض ضد الآخر المخالف.

وقالت للجزيرة نت إن مواصلة القوى الإقليمية والدولية سعيها لتحقيق مصالحها في سوريا على جثث وجرحى هذا الشعب في مواجهة صمت العالم، سيؤدي إلى استمرار سقوط المزيد من الضحايا والإجهاز على مصداقية مبادئ حقوق الإنسان.

ورأت روت -وهي قيادية بحزب الخضر- أن أوروبا رغم محدودية إمكانياتها لم تقم حتى الآن بحملة دبلوماسية فاعلة تجاه الأزمة السورية، وممارسة تأثير تمتلكه على القوى الدولية والإقليمية لإيجاد مخرج لهذه الأزمة. وذكرت أن المتاح لحل الأزمة في سوريا هو فتح الباب لمبادرة سياسية لا تنسى الانتهاكات والجرائم المروعة التي ارتكبها الرئيس السوري بشار الأسد.

المصدر : الجزيرة