الحزب الإسلامي: الواقع الأفغاني فرض المصالحة

اتفاق سلام بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي
اتفاق سلام بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي (الجزيرة-أرشيف)

سامر علاوي-كابل

يرى ساسة أفغان في اتفاق المصالحة الذي وقع نهاية سبتمبر/أيلول الماضي بين الحزب الإسلامي والحكومة الأفغانية أبرز إنجاز حققته حكومة الرئيس أشرف غني منذ تسلمها السلطة قبل أكثر من عامين.

وتأمل السلطات بأن يشجع هذا الاتفاق جماعات مسلحة أخرى لا سيما حركة طالبان في أن تحذو حذو الحزب الذي يتزعمه قلب الدين حكمتيار السياسي المخضرم وأحد أبرز قادة أحزاب المجاهدين ضد الاجتياح السوفياتي لـأفغانستان في حقبة ثمانينيات القرن الماضي، وفي نفس الوقت يوفر الاتفاق لذلك الحزب وقيادته أرضية خصبة للملمة صفوفه وإعادة ترتيب أولوياته على أسس جديدة.

فظهور أحد أبرز المطلوبين على "لائحة الإرهاب الدولية" بالقصر الجمهوري في كابل ومخاطبته الشعب مباشرة عبر جميع وسائل الإعلام الأفغانية إنجاز لم تحلم به قيادة الحزب الإسلامي، وهو ما عبر عنه رئيس اللجنة السياسية بالحزب غيرت بهير في حديثه للجزيرة نت.

ورغم أن حكمتيار تحدث عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من مكان مجهول -بسبب عدم إزالة اسمه من القائمة السوداء في الأمم المتحدة والولايات المتحدة– فإنه ظهر لاعبا سياسيا جديدا بعد أن كان زعيم معارضة مسلحة خلال 15 عاما من عمر التدخل العسكري الأميركي الغربي في البلاد.

دور حكمتيار الجديد يعززه إنصات كافة القيادات الأفغانية الذين اجتمعوا في القصر الجمهوري لمباركة اتفاق يمهد لعودته بصورة بطل وطني، يضاف إلى دعم دولي وإقليمي لهذا الاتفاق.

واقعية جديدة
أدرك الحزب الإسلامي أنه لم ولن يحقق حلم الفتح المبين الذي كافح من أجله ضد الاتحاد السوفياتي وأثناء الحرب الأهلية، كما لم يحقق كافة الشروط التي وضعها في مبادرات أعلنها قبل سنوات للمصالحة وعلى رأسها جدولة خروج القوات الأجنبية.

لكن جل هذه الشروط -برأي بهير- أصبحت تحصيل حاصل, وذلك بعد أن تراجع عدد القوات الأجنبية إلى نحو 90% منذ إطلاق آخر مبادرة للحزب عام 2009.

وبعد أن أصبحت معظم المواجهات بين الأفغان أنفسهم -بسبب تقلص حركة القوات الأجنبية إلى حد كبير- كان على الحزب أن يغير شكل المواجهة ومتابعة تحقيق مطالبه من خلال العمل السياسي السلمي، بما في ذلك خروج كافة القوات الأجنبية من البلاد.

ويعتبر بهير وهو صهر حكمتيار أن أهم ما في المحدثات التي استمرت عامين بين ممثلي الحكومة والحزب أنها كانت أفغانية خالصة ودون أية وساطة أجنبية، ويصر على أن الدور الخارجي اقتصر على تشجيع مبادرات المصالحة، ونفى في تصريحاته للجزيرة نت أن يكون الحزب قد أجرى محادثات جانبية مع أية دولة لإنجاز اتفاق المصالحة.

التنفيذ والضمانات
ولم يُكشف الكثير من خطوات تنفيذ الاتفاق حتى الآن سوى تشكيل لجنة من ستة أشخاص ثلاثة من كل طرف لمتابعة عملية التنفيذ، وتوقعت مصادر حكومية أن يتم الإفراج على دفعة من معتقلي الحزب الإسلامي في وقت قريب، بينما توقعت مصادر الحزب للجزيرة نت ظهور حكمتيار في إحدى الولايات قبل تحركه إلى كابل في موكب جماهيري ضخم من شأنه أي يحول دون أي اعتداء يمكن أن يكون بُيـِّت لحكمتيار.

أما الضمانات التي أعطيت للحزب فما زالت سرية، والمعلن عنها هو الحرية الكاملة للحزب الإسلامي مقابل انضمام عناصره لقوات الجيش والشرطة، وأن ترفع عنه كافة القيود باعتباره حزبا سياسيا وطنيا، بما في ذلك تعهد الحكومة بالعمل على رفع أسماء قياداته من القوائم السوداء للإرهاب.

واضح أن الحزب الإسلامي لن يشارك في الحكومة الحالية، وهي ائتلافية برأسين -رئيس الجمهورية غني والرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله– ويفضل الانتظار للمشاركة بالانتخابات البرلمانية المقبلة والتي قد لا تكون بعيدة ومن ثم الانتخابات الرئاسية، حيث إن فترة البرلمان الحالي منتهية منذ عام، والدول الغربية الداعمة للحكومة تطالبها بإجراء انتخابات.

ولن يُمنح حكمتيار صفة سياسية، ولا يبدو أنه يطالب بصفة ما لكنه يقدم نفسه مرجعية سياسية وجهادية ناضل من أجل استقلال أفغانستان وحققه بطرد القوات السوفياتية ويناضل من أجل استقلال آخر في إطار مشروع سلمي وطني، على الأقل هذا ما يقرأ من كلمته في حفل توقيع اتفاق المصالحة.

وتصر الحكومة والحزب الإسلامي على أن الاتفاق ليس موجها ضد أحد، بل في مصلحة الشعب الأفغاني أولا، ثم دول الجوار والأمن والسلم الدوليين، وأن الحزب لن يشكل تهديدا أو تحديا لأي شخص أو جهة، بمعنى أنه لن يحل محل أحد بالحكومة ولن يوجه سهامه لدول الجوار.

المصدر : الجزيرة