حرب ضروس على "الدخان الدزيري" في تونس

السلطات التونسية تحجز كميات هامة من السجائر المهربة/سوق الملاحة/العاصمة تونس/أكتوبر/تشرين الأول 2016
يثير شكل علب السجائر المهربة الإعجاب بسبب غلافها الشبيه بالسجائر المستوردة (الجزيرة)

خميس بن بريك-تونس

يعيد التاجر محمد الشريف جمع ما تبقى من بضاعة في محله الصغير وسط العاصمة تونس بينما تجتاحه مشاعر الغضب بعدما دهم رجال الأمن متجره وصادروا ما به من سجائر مهربة.

يحاول الرجل الستيني دون جدوى أن يخفي انكساره أمام نظرات تجار السوق الذين هب بعضهم لمواساته، في حين جرّ الفضول بعضهم لاستطلاع الأمر.

يتحدث محمد للجزيرة نت بصوت مرتجف عن عجزه عن فعل أي شيء أمام الحملة الأمنية التي استهدفت قبل أيام ثلاثة محلات أخرى في سوق نهج الملاحة في قلب العاصمة لحجز السجائر المهربة.

وتضم هذه السوق -التي تمتد على زقاق طويل- باعة متجولين على عربات خشبية ومحلات صغيرة تبيع سلعا صينية في متناول الفئات الفقيرة، لكنها أيضا المقصد الأول للباحثين عما يعرف بـ"الدخان الدزيري" رخيص الثمن.

توهم تسمية هذا النوع من السجاير بأنها مصنوعة بالجزائر، والحقيقة خلاف ذلك، فهي مجهولة المنشأ ويروج أنها تزرع في أراض معرضة للإشعاعات المسرطنة، حسب بعض الأطباء.

‪التاجر محمد الشريف بصدد ترتيب بضاعته بعد دهم متجره بسوق الملاحة‬  (الجزيرة)
‪التاجر محمد الشريف بصدد ترتيب بضاعته بعد دهم متجره بسوق الملاحة‬ (الجزيرة)

مسالك التهريب
يقر التاجر محمد الشريف -الذي يمارس هذه المهنة مع ابنه المعاق منذ عقد- بأنه يبيع هذه الأنواع من السجائر لتوفير قوت عائلته الفقيرة، نافيا أن تكون له علاقات مشبوهة بالمهربين الذين يزودون السوق بها.

حسب رأيه، يمر تهريب السجائر عبر شبكات تتحكم فيها رؤوس أموال ومهربون ينشطون عبر الحدود مع الجزائر وليبيا، كاشفا أن مدينة بنقردان في الجنوب الشرقي للبلاد تضم أكبر مخازن السجائر.

غير بعيد عن محل الشريف، يضع التاجر محمد الحبيب يديه على خديه بينما ينظر بعينين مغتاظتين لمتجره المتواضع وقد أصبح شبه خال من البضائع وعلب السجائر التي أخذتها منه الشرطة.

يقول محمد الحبيب للجزيرة نت إنه يجني من بيع تلك السجائر ما يكفي فقط لدفع إيجار محله وإطعام أولاده، وإن السلطات "لا تردع عصابات التهريب بقدر ما تلاحق التجار ضعاف الحال".

‪التاجر محمد الحبيب داخل محله بعد دهمه وحجز كميات من السجائر المهربة‬  (الجزيرة)
‪التاجر محمد الحبيب داخل محله بعد دهمه وحجز كميات من السجائر المهربة‬ (الجزيرة)

أسعار رخيصة
ويؤكد التاجر أن منع السجائر المهربة الرائجة بكثرة بين المواطنين بحكم تدني سعرها مقارنة بسعر السجائر التي توزعها الدولة "سيضر بالتجار الصغار والمدخنين ذوي الدخل الضعيف".

ويتقاسم معه هذا الرأي لطفي -وهو حارس مأوى بالسوق ومدخن رغم معاناته بمرض صدري-، إذ يرى أن حظر السجائر المهربة سيفاقم معاناة المدخنين بسبب غلاء السجائر العادية.

ويثير شكل علب السجائر المهربة إعجاب المدخنين بفضل غلافها الشبيه بالسجائر المستوردة، ولا يتجاوز سعرها نصف دولار، في حين يبلغ سعر الدخان التونسي العادي دولارا على الأقل.

وقدرت السلطات قيمة السجائر المهربة التي حجزت لدى دهم المحلات الثلاثة بسوق الملاحة بنحو 500 مليون دولار، وهو رقم يعكس بوضوح نشاط هذه التجارة الرائجة.

لكن التاجر محمد الحبيب يفند الرقم الذي صرحت به الحكومة، معتبرا أن جميع تجار السوق "لا يملكون حتى ربع ذلك المبلغ لأنهم ليسوا مهربين بل تجار يشترون السجائر بكميات قليلة".

‪سوق نهج الملاحة يضم محلات عديدة تتاجر في السجائر المهربة‬ (الجزيرة)
‪سوق نهج الملاحة يضم محلات عديدة تتاجر في السجائر المهربة‬ (الجزيرة)

يشتري هذا التاجر -وفق قوله- السجائر المهربة على عين المكان في سوق الملاحة من تجار آخرين، مبينا أن رجال أعمال ومهربين وموظفين هم من يتحكمون في مسلك التهريب والتوزيع.

مكونات مسرطنة
وقد قرع محافظ تونس عمر منصور طبول الحرب على السجائر والسلع المهربة التي تغزو  شوارع العاصمة، متوعدا باستمرار شن حملات دهم لحجز السلع المتهربة من دفع الضرائب.

ويعزو مدير إدارة حفظ الصحة بوزارة الصحة محمد الراحبي توجه الحكومة لمحاربة السلع المهربة وعلى رأسها السجائر إلى مكوناتها السامة والمسرطنة التي تحتويها، حسب تعبيره.

‪السلطات حجزت كميات من السجائر المهربة قدرتها بنصف مليون دولار‬  (الجزيرة)
‪السلطات حجزت كميات من السجائر المهربة قدرتها بنصف مليون دولار‬ (الجزيرة)

ويقول للجزيرة نت إن أضرار السلع المهربة ليست اقتصادية بقدر ما هي صحية بالأساس، موضحا أن السجائر المهربة تحتوي على مكونات خطيرة تدمر شرايين الجسم في فترة قصيرة.

ويضيف الراحبي أن السجائر المهربة تستنزف موارد الدولة باعتبارها تستورد بالعملة الصعبة دون دفع أي ضرائب، كما تتسبب في أمراض خبيثة تثقل نفقات الدولة على الصحة العامة.

المصدر : الجزيرة