رحيل "قردحجي" الثورة الفلسطينية الكبرى

أبو فؤاد قبل عدة أعوام وهو يحمل بقايا بندقيته الألمانية الصنع لأنها " مخزن الذكريات والأسرار ".
أبو داهود قبل عدة أعوام يحمل بقايا بندقيته التي قاتل بها في الثورة الفلسطينية (الجزيرة)

وديع عواودة-حيفا

لعشرات السنين احتفظ الفلسطيني داهود أبو داهود ببقايا بندقية استخدمها في الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)، ولم يفرط فيها رغم اهترائها حتى رحل أمس، فهي كما يقول "مخزن الذكريات الجميلة".

وشيّع أهالي بلدة كفركنا قضاء الناصرة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 من كنيسة الروم الأرثوذوكس جثمان الشيخ داهود أبو داهود، الذي رحل عن عمر 101 عام، قضى جزءا كبيرا منها في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

وكان الراحل يُعرف لدى أهالي بلدته والبلاد المجاورة "بقردحجي الثورة"، نظرا لبراعته في قطع السلاح أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى ومعارك الدفاع عن القرية، حيث انضم لفصيل الشيخ سليمان صقر في بلدته.

ويستذكر الشيخ خازن رحال -من بلدة طرعان المجاورة- أن الشيخ داهود احترف تصليح الأسلحة على أنواعها منذ بلوغه سن الرشد، وقام بذلك مجانا، حيث استقبل معنيين من كل شمال فلسطين دعما للعمل الوطني قبل 1948، وكان يلقب "بداهود القردحجي".

قبل شهور من وفاته احتفل داهود بعيد ميلاده المئة محاطا بنحو مئتين من ذريته (الجزيرة)
قبل شهور من وفاته احتفل داهود بعيد ميلاده المئة محاطا بنحو مئتين من ذريته (الجزيرة)

فلاح وثائر
ويشير رحال للجزيرة نت -وهو من أصدقاء الراحل- إلى أن أبو داهود كان يمتاز بمهارة فائقة تمكّنه من تصليح أي عطل في المسدسات والبنادق، وفي حل مشاكل تقنية مستعصية.

ويوضح رحال أن الشيخ أبو داهود لم يكتف بتصليح أسلحة الثوار، بل كان حريصا على المشاركة بذاته في المعارك ضد قوات العصابات الصهيونية.

وفي حديث سابق للراحل أبو داهود مع الجزيرة نت، استذكر وقتها مواجهة غير متكافئة بين الفلسطينيين مع العصابات الصهيونية المدعومة من الانتداب البريطاني، قائلا "شاركت في اعتراض قافلة إسرائيلية-إنجليزية من حيفا إلى طبريا في أغسطس/آب 1937".

ويتابع "كنا ثلاثين رجلا مع بنادقنا متحصنين بجانب الطريق قبالة منطقة كبشانة (شرقي شمال كفركنا)، عندما مرت القافلة أطلقنا رصاصنا وسرعان ما فتحت جهنم أبوابها، فالرصاص علينا كان مثل زخ المطر، وكانت المدافع البريطانية تطلق قذائفها نحونا من قرية المشهد المجاورة".

وعن بندقيته ألمانية الصنع التي احتفظ ببقاياها عقودا، يقول ولده صبحي إن أباه "اقتناها من الأردن بـ12 ليرة، وكانت تعادل وقتها ثمن ثمانية دونمات أرض زراعية".

مخزن الذكريات
ويؤكد صبحي في حديثه للجزيرة نت أن والده احتفظ بالبندقية لأنه كان سلّم واحدة أخرى لقوات الانتداب، وأنه ندم لاحقا، وبكى عليها كثيرا، فقرر الاحتفاظ بهذه.

ويضيف لكن الأيام توالت وشاخ والدي، وأصيبت بندقيته بالصدأ، لكنه احتفظ بها لأنها "مخزن ذكريات وأسرار جميلة"، كما اعتاد القول.

وقبل شهور احتفل أبو داهود في منزله بعيد ميلاده المئة محاطا ببعض أصدقاء العائلة، وبنحو مئتين من ذريته الذين أعدوا كعكة خاصة ازدانت بشمعة القرن، وظلت ذاكرة الشيخ داهود وصحته بحالة جيدة.

وولد الشيخ داهود في أبريل/نيسان 1915 في كفركنا وهي بلدة تاريخية وردت بالإنجيل باسم "قانا الجليل" وارتبط اسمها بالسيد المسيح عليه السلام.

وكانت أمنية الراحل في سنواته الأخيرة أن يتمكن من زيارة قريته التي طرده الاحتلال منها، وأن يشاهد أرضه الزراعية وأشجاره التي زرعها بيديه، لكنه مات قبل أن يحقق هذه الأمنية.

المصدر : الجزيرة