انتقاد أميركي خجول للتفرد الروسي بسوريا

US Secretary of State John Kerry (L) meets with Russian Foreign Minister Sergei Lavrov (R), in Moscow, Russia, 15 December 2015. Kerry is in Moscow to discuss the Syrian conflict.
وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع بنيويورك (الأوروبية-أرشيف)

زهير حمداني

لا توجه الولايات المتحدة إلى روسيا سوى تلميحات نادرة بشأن ما تقوم به في سوريا، فوزارة الخارجية ترى "زيادة ملحوظة ومزعجة" في أعداد الضحايا المدنيين للغارات الروسية، ولم تعد حتى تذكر أن هذه الغارات تستهدف مواقع "المعارضة المعتدلة" في ما يشبه تسليما أميركيا لزمام القيادة في سوريا إلى الدب الروسي.

وفيما ينتقد الإعلام الأميركي ما يسميه "الإمعان الروسي في التفرد بسوريا" والانتهاك الصارخ لخطة السلام الأممية بشأن سوريا التي أجمع عليها أعضاء مجلس الأمن الدولي، ومواصلتها قصف المدنيين تكتفي واشنطن الرسمية بتصريحات لا تتناسب وحجم الأحداث والدور المنتظر من قوة عظمى.

تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما أوائل الشهر الجاري عن العملية العسكرية الروسية في سوريا بقوله إن "موسكو تنزلق إلى مغامرة خارجية تستنزف مواردها وتغوص بجيشها في مستنقع"، ولم يتطرق أوباما إلى أن هذه المغامرة تخوص أيضا في دماء السوريين ومقدراتهم.

‪الطائرات الروسية شنت مئات الغارات على سوريا‬ (الجزيرة)
‪الطائرات الروسية شنت مئات الغارات على سوريا‬ (الجزيرة)

تصلب روسي
ومنذ دخول موسكو بشكل معلن في الحرب السورية وزجها بطائراتها المتطورة وصواريخها وأسلحتها الإستراتيجية لا تصدر من الإدارة الأميركية إلا تصريحات "عمومية" عن التدخل الروسي، ناهيك عن تأثير الغارات الروسية على المدنيين والتي لا تكاد تحضر في الخطاب الأميركي.

وتعترف واشنطن بأن الدعم العسكري الروسي والتدخل المباشر أديا إلى دعم وضع الأسد الذي "أصبح على الأرجح في وضع أكثر أمنا مما كان" كما يقول مسؤول أميركي لرويترز.

ولا تعلق الإدارة الأميركية على تقارير منظمات حقوقية عدة -آخرها تقرير منظمة العفو الدولية– تدين روسيا باستخدام الذخائر العنقودية والقنابل غير الموجهة على مناطق مدنية في سوريا قتلت المئات من الأشخاص خلال الأشهر القليلة الماضية.

ولا يخرج هذا الانكفاء الأميركي في توجيه انتقادات واضحة لروسيا بشأن عدد القتلى من المدنيين الذين قضوا بغارات طائراتها في حلب واللاذقية وريف دمشق ودرعا ومدن وبلدات أخرى عن الارتباك العام في تعاطيها مع الأزمة السورية منذ بداياتها.

ويؤكد مراقبون أنه منذ الاتفاق الأميركي الروسي سنة 2013 -والذي تراجعت بموجبه الإدارة الأميركية عن توجيه ضربة عسكرية لدمشق بعد اتهمت واشنطن النظام باستخدام الكيميائي- انفرطت أوراق الأزمة السورية تدريجيا من أيدي الأميركيين لتنتظم في يد الرئيس فلاديمير بوتين.

ولا يوجد تصريح أميركي واضح يدين روسيا أو يدعوها لسحب قواتها من سوريا، وهو ما يشير إلى رضا يبلغ حد التفاهم بوجود قوات روسية على الأرض السورية على اعتبار أنها تحارب تنظيم الدولة الإسلامية، كما لا يوجد انتقاد واضح لاستهداف المناطق التي لا يوجد فيها التنظيم من اللاذقية إلى حلب.

‪مجلس الأمن خرج بقرار بشأن سوريا يستجيب إلى حد كبير لما طرحته روسيا‬  مجلس الأمن خرج بقرار بشأن سوريا يستجيب إلى حد كبير لما طرحته روسيا (أسوشيتد برس)
‪مجلس الأمن خرج بقرار بشأن سوريا يستجيب إلى حد كبير لما طرحته روسيا‬  مجلس الأمن خرج بقرار بشأن سوريا يستجيب إلى حد كبير لما طرحته روسيا (أسوشيتد برس)

تقصير أم تدبير
وهذا الارتباك الأميركي لا يفسره ما كشف مؤخرا عن انقسام بين البيت الأبيض والبنتاغون والمخابرات المركزية (سي آي أي) منذ 2013 عن أولويات الحل في سوريا والموقف من بشار الأسد، بل ربما اقتراب في المواقف بين واشنطن وموسكو على الساحة السورية وتفاهمات ما في المنطقة.

فالولايات المتحدة اعتبرت قبل أيام أن اغتيال قائد جيش الإسلام زهران علوش بغارات روسية "لا يبعث رسائل أكثر إيجابية" فقط، مضيفة أيضا أن "لديها بواعث قلق من سلوك تنظيم جيش الإسلام في ساحة المعركة"، وهذا التنظيم كان قد شارك في محادثات الرياض بشأن تسوية الأزمة السورية، واغتيال قائده له تبعات على اللقاءات المقبلة.

ويقول الباحث في المعهد الدولي للدراسات الجيوإستراتيجية خطار أبو دياب إن موسكو جاءت لتفرض الحل في سوريا، وهي الآن تريد فرض الوفد الذي يفاوض النظام، مضيفا أنها لا تريد أن يكون جيش الإسلام مفاوضا، ويبدو أن الولايات المتحدة لا تعترض على هذا السلوك الروسي.

وعلى الرغم من أن آخر اللقاءات بشأن الأزمة السورية تم في نيويورك فإن الولايات المتحدة عجزت عن فرض أجندتها، واستطاعت روسيا أن تستخلص من مجلس الأمن قرارا يستجيب بشكل عام لما تريده، خاصة ما يتعلق ببشار الأسد وأولوية مكافحة الإرهاب.

والصعود الروسي "الكبير" مؤخرا إلى المياه الدافئة عبر البوابة السورية مرفوقا بكل أدواته الإستراتيجية لم يؤد بالتأكيد إلى إخافة الولايات المتحدة لتصمت عن ما تقترفه الآلة العسكرية الروسية في سوريا وحولها، لكن إلى إعادة النظر مواقفها ومخططاتها وإلى استخدام "الهبة" الروسية بما يتوافق مع مصالحها من خلال نوع من التنسيق لا يغفل مصالح الطرف الآخر أي روسيا.

وفي غمرة هذه السياقات السياسية والعسكرية والأبعاد الإستراتيجية لصراع كبير لا تنظر واشنطن بكثير من الأسى لما يحصل للمدنيين السوريين جراء غارات الطائرات الروسية ولا تعلق عن ذلك إلا بما يرفع العتب عنها، فالطائرات الأميركية لم توفر بدورها دماء في العراق لا يزال يستحضرها مسؤولون أميركيون، لذلك هم لا يسعون للتورط بريا في العراق "إلا قليلا"، وهذا ديدن الرئيس أوباما.

المصدر : الجزيرة