كتاب تعليمي بإسرائيل يجعل فلسطينيي الداخل أقلية

غلاف كتاب المدنيات المعتمد الآن وهو بظاهره مواطنة وبجوهره صهيونية
غلاف كتاب المدنيات المعتمد للتدريس في إسرائيل (الجزيرة نت)

وديع عواودة-حيفا

تواصل إسرائيل استخدام التعليم جهازا للتحكم بفلسطينيي الداخل، وتطويعهم و"أسرلتهم" عبر مضامين مشبعة باليهودية كما هي الحال بكتاب المدنيات الجديد، الذي يجعل سكان الوطن الأصليين أقلية.

وصادقت وزارة التعليم الإسرائيلية أمس الأول على كتاب المدنيات المعدّ للمرحلة الثانوية (أن نكون مواطنين في إسرائيل)، وهو نص مشوّه مترجم عن العبري المعد للمدارس اليهودية.

وبخلاف كتب مدنيات سابقة تضمنت مقدمتها نصوصا عن الديمقراطية مقتبسة مما يعرف بـ"وثيقة الاستقلال"، فإن الكتاب الجديد يورد صلاة يهودية في مقدمته، مما يعكس التوجهات الدينية المتشددة المسيطرة بإسرائيل اليوم.

كما يتبنى المصطلحات والتسميات اليهودية فقط، فـفلسطين تستبدل دوما بمصطلح "أرض إسرائيل" الذي يتم إقحامه بنصوص تاريخية كوعد بلفور الذي استخدمت فيه كلمة فلسطين.

ويعتمد الكتاب الجديد مصطلح "حرب التحرير" وسط تغييب للنكبة الفلسطينية، كما شطب من قائمة الحريات والحقوق حق الجمهور في معرفة ما يدور حوله وحق الاحتجاج وحق التنظيم، ويعتبر أن الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة "ديمقراطية تدافع عن ذاتها".

وانسجاما مع الرواية التاريخية الإسرائيلية، فإن الكتاب وبخلاف المعايير المهنية يعتبر الأردن الجزء الشرقي من "أرض إسرائيل"، وبذلك يمعن في الاتساق مع أفكار الأوساط اليمينية التي ينتمي لها وزير التعليم نفتالي بينيت (البيت اليهودي).

النائب الفلسطيني جبارين في اجتماع لجنة التربية البرلمانية في الكنيست الإسرائيلي(الجزيرة نت)
النائب الفلسطيني جبارين في اجتماع لجنة التربية البرلمانية في الكنيست الإسرائيلي(الجزيرة نت)

فرّق تسد
الكتاب الجديد يشوّه التاريخ أيضا، فلا يعترف بفلسطينيي الداخل (17%) كأصحاب وطن وأقلية وطن أصلية، وتغيب منه الرواية التاريخية الفلسطينية.

ويشرذم الكتاب فلسطينيي الداخل لطوائف ومذاهب مقابل ترسيخه للقومية والدولة اليهوديتين، بل يحاول إثارة نعرات طائفية. وفي سياق حديثه عن الطوائف، يزعم الكتاب دون أساس موضوعي أن أغلبية المسيحيين أغنياء، وأن قسما كبيرا منهم يخدم بالجيش.

ويحوي الكتاب تعاليم إسرائيلية كثيرة جدا، ويتجاهل الحقوق الجماعية والقومية لفلسطينيي الداخل وقياداته ومؤسساته، كما يقزم القيم الديمقراطية، ويبرز اليهودية والصهيونية، وهو بذلك ينضم لكتب أخرى في التاريخ والجغرافيا والأدب.

ويعكس الكتاب واقع الديمقراطية الإثنية التي تخدم الأغلبية اليهودية على حساب الأقلية العربية وحقها في الحياة والحفاظ على خصوصيتها الثقافية الوطنية.

كتاب بديل
ولم تكترث وزارة التعليم الإسرائيلية بملاحظات أكاديميين عرب ويهود وتوصياتهم المهنية، مما دفع قادة فلسطينيي الداخل للتمرد عليه وإعلانهم مقاطعته والعمل على وضع كتاب بديل.

وسارعت القائمة العربية المشتركة في الكنيست لتأكيد رفضها القاطع لمنهاج المدنيات الجديد، مشددة على كونه خطوة استعلائية استبدادية تعكس الرغبة بتكريس هيمنة الأغلبية المهاجرة للبلاد، وتشويه هوية وتاريخ ومكانة السكان الأصليين.

وأوضح رئيس لجنة التربية العربية محمد حيادري أن القائمة المشتركة تطالب الوزارة بالعدول عن قرارها وعدم طباعة كتاب المدنيات الجديد، ولفت حيادري -في تصريح للجزيرة نت- إلى أن المدنيات هو أحد المواضيع الحساسة والمؤثرة على وعي وهوية الطلاب.

حيادري: كتاب المدنيات هو أحد المواضيع المؤثرة على هوية الطلاب(الجزيرة نت)
حيادري: كتاب المدنيات هو أحد المواضيع المؤثرة على هوية الطلاب(الجزيرة نت)

ويرى حيادري الحل في تشكيل طاقم مهني مشترك، يضم أكاديميين ومهنيين ومربين يمثلون فلسطينيي الداخل، لصياغة منهاج بديل يكفل خصوصية الطالب والمعلم العربي القومية والثقافية والتربوية.

من جانبه، يؤكد عضو اللجنة التربوية البرلمانية النائب يوسف جبارين للجزيرة نت أنه شرع في الاتصال مع جهات أكاديمية ووطنية لصياغة وإصدار كتاب مدنيات بديل.

وأشار جبارين إلى خطورة تضييق الكتاب مساحة حرية الرأي والديمقراطية، وتشويه مفاهيم وقيم إنسانية مثل الحرية والتعددية، علاوة على تشويه هوية وانتماء الطالب الفلسطيني رغم أن القانون الدولي يكفل للأقليات القومية حقها بالخصوصية الثقافية.

وفي السياق ذاته، هاجمت صحيفة هآرتس الكتاب في افتتاحية بعنوان "هذه ليست مواطنة"، وانتقدت "مساعيه الحثيثة لتفتيت المجتمع الفلسطيني في إسرائيل لطوائف وأقليات دينية هامشية".

كما قالت هآرتس إنه من غير المقبول تعديل منهاج المدنيات بشكل راديكالي، لاسيما وأنه الجانب التعليمي الوحيد الذي يحاول جسر الفوارق بين مجموعات السكان بإسرائيل.

وخلصت إلى إن استمرار عناد الوزارة وتمسكها بالكتاب رغم الاحتجاجات الواسعة يعززان الشبهات بأن نيتها ليست تعزيز المواطنة بل زعزعتها وإضعافها.

المصدر : الجزيرة