قلق بريطاني من تدهور الأوضاع بالعراق

الخارجية البريطانية
شرطيتان بريطانيتان أمام مقر وزارة الخارجية البريطانية (الجزيرة نت)

محمد أمين-لندن

عقب أيام من تصريحات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بشأن العراق، ومحاولته -في ورقة بحثية نشرها- نفي العلاقة بين قراره بالمشاركة في غزو العراق عام 2003 وما يشهده الآن من انفجار غير مسبوق، جاءت تصريحات رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون التي دق فيها ناقوس الخطر محذرا من ارتداد ما يجري في العراق ونمو التطرف بالشرق الأوسط على بريطانيا.

وفي حديثه أمام البرلمان قال كاميرون إنه من الخطأ الاعتقاد أن الأزمة في العراق ليس لها علاقة بالمملكة المتحدة، معبرا عن اعتقاده أن تجاهل ما أسماه التطرف الإسلامي، سيجعله يعود ليضرب بريطانيا وغيرها.

ورغم أن كاميرون -الذي ترأس أمس الأربعاء اجتماع مجلس الأمن القومي- عبر عن استبعاده التدخل العسكري المباشر، فإن حديثه هذا فتح باب التساؤلات عن طبيعة التعامل البريطاني مع الوضع بالعراق، وهل يمكن للندن التفكير من جديد بشكل من أشكال العمل العسكري هناك، وهي التي ما زالت تواجه حنقا واسعا على قرار بلير المشاركة في غزو العراق؟

وفي تصريحات خاصة للجزيرة نت قال السفير السابق بالعراق تيرنس كلارك إن خيار التدخل العسكري غير وارد برأيه، وذلك استنادا لحديث رئيس الوزراء كاميرون ووزير الخارجية هيغ، لكن الدبلوماسي البريطاني السابق والخبير بالملف العراقي والذي عمل سفيرا بعدد من دول الخليج لعدة سنوات، يعتقد أن لندن ربما تعمد للتعاون أكثر مع الحكومة العراقية في مجال الاستخبارات والأمن.

 كلارك: التدخل العسكري خيار غير وارد  (الجزيرة نت)
 كلارك: التدخل العسكري خيار غير وارد  (الجزيرة نت)

المزاج العام
وفيما يتعلق بالتطور الآخر وهو إعادة فتح السفارة البريطانية في طهران، يرى كلارك أن تجديد العلاقة مع إيران خطوة مهمة جدا لأنها دولة مهمة ومؤثرة بملفات المنطقة.

وعن المزاج العام البريطاني إزاء العراق، واحتمال عودة الرأي العام البريطاني لتقبل عمل عسكري ما هناك حفاظا على مصالح المملكة المتحدة، قال السفير السابق بالعراق إن الرأي العام المحلي لا يتقبل عملا عسكريا جديدا عقب مئات القتلى البريطانيين الذين سقطوا بالعراق، والنتيجة الآن هي الفوضى.

وعبر كلارك عن اعتقاده أن الرأي العام لا يجد فائدة من الدخول مجددا هناك بعد أن كانت النتيجة الأولى فاشة.

وعلى مدار الشهور الأخيرة شن عشرات الكتاب في مقالاتهم الصحفية هجوما واسعا على قرار توني بلير بالمشاركة في الحرب على العراق عام 2003، وتزامن هذا الاهتمام الواسع مع انتظار نتائج لجنة جون تشيلكوت التي تحقق في ملف الحرب على العراق.

ووصف الكاتب والصحفي البريطاني ديفد هيرست -في مقال له في صحيفة ذي هافنغتون بوست- قرار توني بلير غزو العراق عام ٢٠٠٣ بالكابوس الذي سيظل يلاحقه حتى موته. مضيفا أنه من المؤسف أن يخضع السير جون تشيلكوت، والذي استغرق تحقيقه بشأن تداعيات الغزو خمس سنوات، لحظر أخير فرض عليه حينما وافق على نشر ما لا يتعدى "الخلاصة وبعضا من الرسائل الخمس والعشرين التي وجهها توني بلير إلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش.

‪هيرست: بريطانيا غيرت موقفها تماما‬ (الجزيرة نت)
‪هيرست: بريطانيا غيرت موقفها تماما‬ (الجزيرة نت)

تهديد وطني
وفي حديثه للجزيرة نت عن تصريحات كاميرون اعتبر هيرست أن رئيس الوزراء عاد إلى الصيغة التي تم اختبارها وتجربتها في العراق وأفغانستان وفشلت في الحالتين.

ووصف هذه الصيغة بمعزوفة أن الدفاع عن الوطن يبدأ من البصرة أو هلمند، مبينا أن وجهة نظره هذه ليست إنكارا بأن الحروب الخارجية تزيد من تطرف الشباب.

وأشار هيرست -الذي يعمل رئيسا لتحرير موقع "ميدل إيست آي"- إلى أن أجهزة الأمن البريطانية تطلق اسم "إيزي جت جيهاديزم" للإشارة لسهولة تمكن الشاب البريطاني من ركوب الطائرة من بيرمنغهام أو مانشتر لتنتهي به الرحلة على خط المواجهة في سوريا.

لكن هيرست يرى فكرة أن بريطانيا تواجه تهديدا وطنيا من الإسلام المتطرف، هي ليست أكثر أو أقل من الصيغة التي استعملها جورج بوش الابن وبلير في الحرب بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول "وكانت نتائجها مدمرة".

وبين الكاتب البريطاني أنه عقب أكثر من عشر سنوات من التدخل الأجنبي الفاشل فإن بريطانيا غيرت موقفها تماما، ويمكن قياس هذا التغير بوضوح عندما رفض البرلمان الموافقة على طلب كاميرون قصف سوريا عقب الهجمات الكيميائية، كما أن ردة الفعل على الورقة التي نشرها بلير بشأن العراق وتبرؤ كثير ممن أيدوه سابقا هي مؤشر آخر.

ويبدو أنه رغم الاتفاق على التهديد الذي يأتي من منطقة مشتعلة كالشرق الأوسط فإن لا أحد يطرح خيار التدخل العسكري المباشر.

وأضاف أنه من اللافت كذلك تأييد زعيم حزب العمال إد ميليباند جدية التهديدات التي تتعرض لها بريطانيا من اشتعال الشرق الأوسط وكثير من مناطق العالم، وقد يكون الرجل بهذا الموقف يريد الظهور كرجل دولة بعيدا عن المناكفات السياسية.

المصدر : الجزيرة