الإعلام التونسي والحملة الانتخابية.. بين الحياد والانحياز

وسائل الإعلام التونسية خصصت تغطية واسعة للانتخابات شابها الكثير من الخروقات

محمد المختار أحمد-تونس

تلتهب الحملة الانتخابية في تونس كلما اقترب موعد الاقتراع المقرر يوم الأحد المقبل، ومع التهابها تشتد الحرب الإعلامية بين المتنافسين السياسيين متضمنة جملة من الخروق للضوابط التوجيهية التي وضعتها كل من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بغية تأطير وضبط تعاطي وسائل الإعلام مع الجمهور والأطراف المتنافسة.

فقد أعلنت هيئة الانتخابات قبل أيام حصرها 106 خروق إعلامية لهذه الضوابط منذ بدء الحملة الدعائية في الرابع من الشهر الجاري، ومن بين تلك الخروق الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين بخصوص المشاركة في البرامج الإعلامية، والانحياز لأحد الأطراف السياسية، وهو ما يثير التساؤل عن حجم تأثير "الإعلام السياسي" في توجيه العملية الانتخابية.

ويرى الإعلامي والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أنه "لا يمكن الحديث بشكل مطلق بإصدار أحكام تشمل الجميع سلبا أو إيجابا، لكن الميل نحو عدم الانحياز والتأثير في هذه الحملة هو الطاغي رغم تسجيل تجاوزات متحيزة هنا وهناك".

تغير إيجابي
وأكد الجورشي أن هناك تغيرا إيجابيا واضحا في تناول وسائل الإعلام للمشهد الانتخابي بالمقارنة مع سلوكها في انتخابات 2011 "التي شهدت تجييشا فكريا إعلاميا" بين الأطراف المتنافسة، وذلك بسبب الضوابط التي وضعتها هيئة الانتخابات وهيئة الاتصال "وتعاونهما وتدخلهما في بعض الحالات في الوقت المناسب لضبط المشهد الإعلامي".

الجورشي: هناك تغير إيجابي في تناول وسائل الإعلام مقارنة بانتخابات 2011 (الجزيرة)
الجورشي: هناك تغير إيجابي في تناول وسائل الإعلام مقارنة بانتخابات 2011 (الجزيرة)

من جهته، يقول منسق مكتب الإعلام المركزي لحركة النهضة فيصل الناصر "عموما لدينا مشهد إعلامي متوسط في مجال الحيادية مع وجود استثناءات قليلة، وهو أمر طبيعي لقرب البلاد من عهود الاستبداد وغياب المهنية الإعلامية".

وأضاف الناصر أن هيئة الاتصال "ما زالت تتعثر في أدائها وتعاني من ضعف صوتها وانتهاك هيبة قراراتها، ولم تستطع إخضاع الإعلام لتوجيهاتها حتى الآن"، مؤكدا أن حركته -التي تصدرت الحضور الإعلامي حسب إحصائيات هيئة الاتصال- "راضية" عن تعاطي وسائل الإعلام معها واستضافة ممثليها في برامجها الحوارية، معللا ذلك بـ"حضورها الجماهيري الكبير" وترشحها في عموم البلاد.

أما محمد الأطرش نائب رئيس تحرير قناة "المتوسط" فيقول إن "هناك تغطية مفضوحة" تمارسها بعض القنوات الواقعة تحت نفوذ أحزاب سياسية معينة تستخدمها لتشويه خصومها السياسيين، مستشهدا ببرنامج عرضته قناة "نسمة" عن المرشح الرئاسي ورجل الأعمال سليم الرياحي وردّ الأخير على ما ورد فيه باستخدام قناته المسماة "التونسية" بمهاجمة خصومه السياسيين في حزب "نداء تونس".

ضوابط قاسية
وأوضح الأطرش أن التزام وسائل الإعلام بالضوابط القانونية لم يكن كاملا، وهناك خروق يرتكبها ضيوف القنوات ولا تكون هي متحكمة فيها، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن هذه الضوابط "كانت قاسية جدا لأن وسائل الإعلام لم تؤهَّل بعدُ بالقدر الكافي لالتزامها، وهيئة الاتصال بدورها ضحية للقانون الانتخابي الذي سنّه المجلس التأسيسي ولم يكن مرنا بما فيه الكفاية".
السنوسي: لا وجود لحملة إعلامية انتخابية نزيهة في العالم كله (الجزيرة)
السنوسي: لا وجود لحملة إعلامية انتخابية نزيهة في العالم كله (الجزيرة)

ويؤكد عضو هيئة الاتصال هشام السنوسي أنه لا وجود لحملة إعلامية انتخابية نزيهة في العالم كله، ولذلك حدثت خروق إعلامية في انتخابات تونس "من أهمها الدعاية السياسية وتغيير صيغة بعض البرامج حسب الانتماء السياسي للمستضافين"، إضافة لخروق ترتكبها القنوات غير المرخصة، وهو ما "يؤكد وجود أجندة سياسية لديها" وهذا مناقض لضوابط الهيئة.

ولفت إلى أن هيئة الاتصال محكومة "بقانون انتخابي انتقدته لأنه لا يعطيها وسائل عقابية لتعديل سلوك وسائل الإعلام، وهو ما اضطرها للعودة إلى نظامها الأساسي لتفرض عقوبات مالية على الجهات الإعلامية التي تخرق توجيهاتها، وكذلك منع إعادة بث بعض البرامج" المتضمنة لهذه الخروق.

وشدد السنوسي على أن هناك وسائل إعلام "تحيزت لطرف ما لكنها لم تصل إلى درجة تغيير مواقف الرأي العام لأنه اكتسب دربة على تحليل الأجندات الإعلامية والسياسية"، موضحا أن الإعلام الحكومي "هو الأقل ارتكابا للخروق" في هذه الحملة، بسبب تحديد الفترة المخصصة لكل رئيس قائمة انتخابية فلم يكن هناك مجال لممارسة دعاية انتخابية في الحوارات والبرامج.

المصدر : الجزيرة