المسلحون والدعم الدولي لفرنسا بمالي

French Rafale fighter jets taxi on the runway after landing in Ndjamena, Chad before their deployment in Mali, in this picture provided by the French Military Communications Audiovisual office (ECPAD) and taken on January 13, 2013. Al Qaeda-linked Islamist rebels in Mali launched a counter-offensive on Monday after three days of strikes by French fighter jets on their strongholds in the desert north, vowing to drag France into a long and brutal ground war. Photo taken January 13, 2013. Mandatory Credit. REUTERS/Adj. Nicolas-Nelson Richard/ECPAD/Handout (FRANCE - Tags: MILITARY POLITICS TRANSPORT)
undefined

مصطفى رزق

منذ أن بدأت فرنسا عملياتها العسكرية في مالي وهي تلقى دعما سياسيا وعسكريا يأخذ شكلا لوجستيا واستخباراتيا من الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية، كما ينتظر مشاركة قوات من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) على الأرض لمساعدة القوات الفرنسية في حربها على المسلحين الذين سيطروا على شمال مالي مطلع أبريل/نيسان الماضي.

بدورها أعلنت حركة تحرير أزواد -التي أنهت الجماعات المسلحة تحالفها معها بعد فترة من مشاركتهما في احتلال شمال مالي- استعدادها لمساعدة الجيش الفرنسي ميدانياً، وهي أمور تطرح تساؤلات عن حظوظ المسلحين في هذه الحرب، خاصة أن بعضهم خرج يهدد بنموذج أفغانستان ويتوعد الفرنسيين بتحويل صحراء مالي إلى مقابر لهم إذا لم يتراجعوا.

وبينما أكد مسؤولون أميركيون أن واشنطن تقدم المعلومات للقوات الفرنسية وتبحث تقديم الدعم اللوجستي والمراقبة والمساعدة بالنقل الجوي، أكد وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا التزام بلاده بأن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي "لن يجد أي مكان للاختباء".

وفي نيويورك أعلن السفير الفرنسي في الأمم المتحدة جيرار أرو أن كندا وبلجيكا والدانمارك وألمانيا عرضت أيضا تقديم الدعم اللوجستي.

عربيا وفي الإمارات التي تحتضن قاعدة بحرية فرنسية، أكد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ثقته في أن دول الخليج ستساعد في حملة بلاده العسكرية، وقال إن "الكل يجب أن يلتزم بمحاربة الإرهاب".

المسلحون الإسلاميون انسحبوا من المدن التي كانوا يسيطرون عليها (الفرنسية-أرشيف)
المسلحون الإسلاميون انسحبوا من المدن التي كانوا يسيطرون عليها (الفرنسية-أرشيف)

وتتابع فرنسا عملياتها العسكرية في حين انسحب المسلحون من المدن الكبيرة التي كانوا يحتلونها في الشمال في أعقاب الضربات الفرنسية، إلا أنهم سيطروا على مدينة ديابالي التي تبعد نحو 400 كلم شمال العاصمة باماكو.

كل هذه التطورات تطرح تساؤلات حول أسباب الدعم الدولي لفرنسا، وماذا تمتلك الحركات المسلحة هناك مقابل هذا الحشد؟ وما دلالات انسحابها من مدن كانت تسيطر عليها؟ وهل هناك مخاوف من أن تغرق فرنسا والغرب من خلفها في مستنقع مالي؟

انسحاب تكتيكي
يرى الخبير العسكري العميد أركان حرب محمد شفيق أبو هيبة أن انسحاب الحركات المسلحة "تكتيكي" ولا يمكن اعتباره إعلان هزيمة، موضحا للجزيرة نت أن لدى هذه الحركات عقيدة قتالية جهادية ليس من السهل أن تسلم بالهزيمة، وبرر انسحابها بأنه جاء نتيجة القصف الذي تنفذه الطائرات الفرنسية على معاقلها.

ويرجح أبو هيبة عودة مقاتلي هذه الحركات من جديد إلى المدن التي انسحبوا منها عقب توقف القصف، مشيرا إلى أن القوات البرية الفرنسية المحدودة في مالي قد تواجه صعوبة في مواجهة هؤلاء المدربين على حرب الشوارع والعصابات.

ويضيف الخبير العسكري المصري أنه لا يمكن النظر إلى حجم الدعم الذي تتلقاه فرنسا بمعزل عن جانبه السياسي، ولا يعني أن فرنسا غير قادرة عسكريا على تحقيق الفوز بمفردها، لكنه يأتي لإظهار موقف سياسي وتحالف دولي يمكن الاستعانة به إذا تغيرت المعطيات على الأرض، أو إذا واجهت فرنسا صعوبات في حربها ضد مقاتلي الحركات الإسلامية وتنظيم القاعدة.

وأوضح أنه يمكن أن تتلقى فرنسا مزيدا من الدعم العسكري قد يأخذ أشكالا أخرى، أبرزها الدعم بعناصر استطلاع برية وجوية، أو تقديم دعم جوي، وأخيرا قد يصل الأمر إلى المشاركة بقوات برية ستكون على الأرجح قوات خاصة لأنها الأكثر قدرة وتدريبا على حرب العصابات.

ورغم توقعه نجاح فرنسا في تقويض "الإرهاب" في شمال مالي وهو هدف غربي أيضا لحماية مصالح الغرب وفرنسا تحديدا في شمال وغرب أفريقيا، فإن أبو هيبة أكد صعوبة تحديد وقت زمني لتحقيق هذا الانتصار بالنظر إلى أن الصراع مع الحركات المسلحة قد يأخذ وقتا طويلا بين عمليات كر وفر واختفاء في الصحراء.

اللواء نبيل فؤاد:
مقاتلو الحركات الإسلامية في مالي يمتلكون عقيدة قتالية دينية، والمقاتل العقائدي أكثر خطورة وشراسة من غيره، لأنه يحارب من منظور ديني من الصعب أن يسلم بالهزيمة

حرب عصابات
من جانبه، يفسر الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء نبيل فؤاد المساعدات الدولية لفرنسا بأن الأخيرة لا تواجه جيشا نظاميا يمكن تحديده والاشتباك معه، لكنها تواجه ما وصفها "بحرب العصابات" التي يعلم العسكريون جيدا أنها تمثل مشكلة كبيرة أمام الجيوش النظامية.

وأكد فؤاد للجزيرة نت أن ما تحتاجه فرنسا في المرحلة الحالية هو الدعم الاستخباري المعلوماتي وخاصة من الولايات المتحدة التي تمتلك قدرات كبيرة في هذا المجال، لتحديد البؤر الذي يتجمع فيها مقاتلو المجموعات المسلحة، خاصة مع امتداد مساحة أراضي مالي التي تشكل الصحراء نسبة كبيرة منها.

ويوضح أن أهداف الدعم الغربي لفرنسا يأتي لأسباب عديدة أبرزها حماية مصالح الغرب في منطقة الساحل الأفريقي الغنية بالثروات، وكذلك خشية تمدد نفوذ تنظيم القاعدة هناك، الأمر الذي يهدد الدول المجاورة لمالي كالجزائر وموريتانيا ومن ثم دولا أوروبية على الضفة الأخرى من المتوسط.

وحول ما تمتلكه الحركات المسلحة والقاعدة في مواجهة هذا التحالف الدولي، أكد اللواء نبيل فؤاد أن هذه الحركات تمتلك في المقام الأول عقيدة قتالية دينية، مؤكدا أن المقاتل العقائدي أكثر خطورة من غيره، وبالتالي لن نجد في الجنود الفرنسيين الذين جاؤوا من بلادهم للحرب في أفريقيا من يحارب بنفس الحالة النفسية والمعنوية التي يحارب بها هؤلاء.

أما عن طبيعة الأسلحة التي يمتلكونها فيؤكد فؤاد أنها لن تتعدى بعض الأسلحة الخفيفة كالرشاشات التي تعمل بأعيرة نارية ثقيلة يمكن حملها على سيارات دفع رباعي لدواعي الكر والفر في الصحراء، وقال إنه يحتمل أيضا أن تمتلك هذه الحركات ألغاما وقنابل يدوية يمكن استخدامها في الاشتباكات المباشرة.

المصدر : الجزيرة