مالي بين طبول الحرب ومائدة التفاوض

MALI : A handout picture released by the Mouvement national pour la libération de l'Azawad (Azawad National Liberation Movement - MLNA) on April 2, 2012 and taken in February 2012 reportedly shows MNLA fighters gathering in an undisclosed location in Mali. Islamist and Tuareg rebels clashed in the key town of Gao in Mali's occupied north, leaving at least 20 people dead, witnesses said on June 27, 2012.
undefined


أمين محمد-نواكشوط

بينما تتجه المنطقة شيئا فشيئا نحو حرب يدفع لها الأفارقة ويدعمها الفرنسيون، تبدو حكومة مالي -التي وافقت على نشر قوات أفريقية على أراضيها بعد طول تردد- راغبة في الحوار إلى درجة الإصرار، ومصممة على منحه فرصة أخيرة قبل اندلاع حرب متوقعة.

الرئيس المالي الانتقالي ديونكوندا تراوري جدد دعوته للحوار مع المجموعات المسلحة التي تحكم سيطرتها على ثلثي البلاد، قائلا في خطاب متلفز عشية الذكرى الثانية والخمسين لاستقلال بلاده، "ما دمنا نستعد للحرب فسنخوضها إذا لم يبق لنا خيار آخر، لكننا نؤكد مجددا هنا أن خيارنا الأول يبقى الحوار والتفاوض"، مؤكدا أن "خيارنا الثاني يبقى الحوار والتفاوض، وخيارنا الثالث يبقى الحوار والتفاوض".

وتابع الرئيس المالي "أدعو المجموعات المسلحة الناشطة في شمال بلادنا إلى الموافقة على سلوك طريق الحوار والتفاوض بشكل صادق وبناء".

الرئيس المالي لم يكشف أسس ومواضيع الحوار الذي دعا إليه (الفرنسية-أرشيف)
الرئيس المالي لم يكشف أسس ومواضيع الحوار الذي دعا إليه (الفرنسية-أرشيف)

وتبدو لهجة الرئيس المالي منافية في الظاهر لما يجري من تحضيرات وترتيبات مكثفة لشن حرب على المجموعات المسلحة المسيطرة على الإقليم، ولكنها مع ذلك قد تكون جزءا من الشق السياسي والإعلامي لهذه الترتيبات المتسارعة.

لم يكشف الرئيس المالي عن الأسس ولا عن المواضيع التي يفترض أن يتناولها هذا الحوار، ولكنه مع ذلك شدد على ضرورة أن يتم تحرير المناطق المحتلة عبر التفاوض أو القوة.

ترحيب الخصوم
وقد بادرت الحركة الوطنية لتحرير أزواد إلى التعبير عن استعدادها للحوار مع مالي، مؤكدة في بيان لها أنها لن تقبل ما تحاول حكومة مالي القيام به من التفاوض "مع الجماعات الإرهابية التي تحركها أجندة خفية وغامضة، ولم يسبق أن عبرت عن أية مطالب حقيقية"، مشددة على أن هذه الجماعات ليست طرفا في النزاع القائم بين الأزواديين ودولة مالي.

أما حركة أنصار الدين التي تسيطر مع حركة التوحيد والجهاد على كل مناطق الإقليم الأزوادي، فقد رحبت بالدعوة إلى أي حوار ينبني على أسس موضوعية ومنصفة وقابلة للتطبيق.

وقال القيادي فيها والمتحدث باسمها في مدينة تمبكتو سندا ولد بوعمامة في اتصال مع الجزيرة نت، إنهم يرحبون بأي حوار موضوعي "شريطة أن لا يكون هدفه الخوض في خيارات غير قابلة للنقاش، مثل تطبيق الشريعة الإسلامية" في إقليم أزواد.

وأكد أن "لا مشكلة" لحركته في "أي حوار صادق وبناء"، خصوصا أن للمشكلة الحالية أبعادا متعددة ومتشابكة، وأن الشعب الأزوادي عانى خلال فترة الحكم المالي من الإهمال والتهميش وسلب الحقوق وغياب البرامج التنموية والخطط الاقتصادية، على حد قوله.

‪الناطق باسم حركة أنصار الدين أبدى استغرابه من
‪الناطق باسم حركة أنصار الدين أبدى استغرابه من "تناقض" الخطاب الرسمي‬  (الجزيرة نت)

تناقض وإرادتان
واستغرب ولد بوعمامة ما يسميه تناقض النبرة التي يتحدث بها الرئيس المالي مع تلك التي يتحدث بها وزيره للدفاع، فالأخير يهدد بالتدخل العسكري والأول يدعو للحوار، مشيرا إلى أن الأخطر هو أن قرار الحكومة المالية ليس في يدها وإنما بيد أطراف إقليمية ودولية ظلت خلال الشهور الماضية تدفع نحو خيار الحرب لأسباب يختلط فيها الخاص بالعام.

وقال إن حركته لم تلمس حتى الآن أي مؤشرات على جدية دعوات الحوار التي ما زالت في طورها الإعلامي والدعائي دون أن تترجم إلى اتصالات مباشرة أو عروض محددة، مبديا تخوفه من أن يكون الأمر مجرد محاولة التفافية تقوم بها الطبقة الحاكمة في مالي، أو محاولة لإظهار أن هناك طرفا (هو مالي) متمسكا بالحوار وغير راغب في الحرب، وهناك طرفا آخر (هو المسيطر على الإقليم) يرفض الحوار ويصم آذانه عن كل دعواته الصادقة.

وحول ما إذا كانت حركة أنصار الدين ستقبل التفاوض على عودة الحكم المالي إلى إقليم أزواد، قال ولد بوعمامة إنه "لا خيار لدى الأزواديين في تطبيق الشريعة، في حين أن الدولة المالية دولة علمانية لا تحكم بشرع الله، والحكم العلماني يتناقض تماما مع الحكم الإسلامي الذي يتمسك به الشعب الأزوادي".

ترتيبات حرب
ويقول الكاتب والخبير في شؤون المنطقة سيدي أعمر ولد شيخنا في حديث مع الجزيرة نت إن دعوات الرئيس المالي إلى الحوار غير صادقة، ولا تعبر عن نية لديه أو لدى حكومته أو لدى حلفائهم في فتح حوار مع الحركات المسيطرة على الإقليم، وإنما هي أساسا "لذر الرماد في العيون وإبراء ذمة الدولة المالية أمام مواطنيها قبيل انطلاق الحرب".

ويضيف أن تراوري يحاول أيضا من خلال تلك الدعوات اللعب على وتر التناقضات داخل المجموعات ذات النفوذ في الإقليم، بدليل أن الحركة الوطنية لتحرير أزواد أعلنت موافقتها على الحوار، وأن زعيم حركة أنصار الدين إياد غالي صاحب العلاقات المعروفة مع الجزائريين والبوركينابيين بدأ هو الآخر يأخذ مسافة من بعض حلفائه في الإقليم.

ويجزم ولد شيخنا بأن أي مفاوضات أو حوار لن يتم بين الماليين وخصومهم المسيطرين على ثلثي الأراضي المالية لأن الماليين مصرون على استعادة أراضيهم، ولأن المجموعات المسلحة مصممة على أن ما تقدم هو مشروع دولة إسلامية لا مرد له، مما يعني أن الحرب قادمة لا محالة.

ولد شيخنا: دعوة الرئيس المالي جزء من الترتيبات الإستراتيجية للحرب (الجزيرة نت)
ولد شيخنا: دعوة الرئيس المالي جزء من الترتيبات الإستراتيجية للحرب (الجزيرة نت)

خيار الحلفاء
ويرى الخبير أن دعوة الرئيس المالي للحوار ليست خيارا تكتيكيا لتقوية نظام حكمه، بل هي جزء من الترتيبات الإستراتيجية للحرب التي لم تعد فقط قرارا للنخبة السياسية والعسكرية المالية، وإنما باتت توجها وخيارا لحلفائهم الأفارقة وداعميهم الفرنسيين والأميركيين.

وتوقع أن تندلع الحرب في وقت ليس بعيدا، وأن تؤدي إلى خسائر بشرية ومادية باهظة في صفوف الماليين والأفارقة، ولكنها ستقود في نهاية المطاف إلى مغادرة المجموعات المسلحة للمدن الأزوادية نحو قواعدها في الجبال والكهوف البعيدة، لتبدأ من هناك حرب عصابات قد تقصر أو تطول بحسب الظروف والملابسات التي سيجري فيها التدخل العسكري.

وأشار ولد شيخنا إلى أن مبادرة الماليين لمنح الأزواديين حكما ذاتيا موسعا بعيد الحرب، قد تمثل إحدى أهم ضمانات استقرار الإقليم مستقبلا، باعتبار أن الأزواديين هم الأقدر على مواجهة تلك المجموعات المسلحة في المستقبل.

المصدر : الجزيرة