العصر الرقمي يعصف بمفاهيم المصلحة والسعر والاحتكار

LEIPZIG, GERMANY - DECEMBER 27: A participant attends the 34C3 Chaos Communication Congress of the Chaos Computer Club on December 27, 2017 in Leipzig, Germany. The annual congress brings together hackers, bloggers, activists and other digital enthusiasts together from all the world for workshops and presentation on issues including cryptography, freedom of speech, security and privacy. (Photo by Jens Schlueter/Getty Images)
من المؤتمر السنوي لنشطاء العالم الرقمي بلايبزج بألمانيا ديسمر/كانون الأول الماضي (غيتي)

سياسة الاحتكار في الولايات المتحدة لم تعد تتناسب مطلقا مع الاقتصاد الرقمي، ولا بد من إعادة التفكير في مفهوم "منع الاحتكار" وإعادة التعريف ليس لمفهوم "مصلحة المستهلك" فحسب، بل مفهوم "المصلحة" نفسها.

ورد ذلك في مقال نشرته فايننشال تايمز للكاتبة بالصحيفة رانا فاروهار، تقول فيه إن اندماج الشركات التقليدية لم يعد هو المهدد الأكبر للمجتمع وأفراده فيما يتصل بمخاطر الاحتكار، بل الأخطر من ذلك هو "القوة الاحتكارية" لشركات التقنية العملاقة الجديدة.

وقالت إنها تتفق مع شركة "أي تي آند تي" الأميركية للاتصالات التي تتجه لشراء شركة "تايم وارنر" بمبلغ 85 مليار دولار بأن هذه الصفقة لن يترتب عليها احتكار كما تقول وزارة العدل، بل هي ضرورية لتخفيف ضغط المنافسة من قبل العمالقة غوغل وفيسبوك وأمازون ونتفليكس كما تقول شركة "أي تي آند تي".

الهيمنة على السوق

تعريف "أحسن" ظل يستند تقليديا على الأسعار. فإذا كان سعر الاستهلاك إلى انخفاض جراء الدمج، فإن السلطات المعنية ستوافق على الدمج. وفي العالم الرقمي، فإن عملة التداول ليست هي الدولار، بل البيانات.

وأوضحت أن منصات التقنية العملاقة هذه هي بين الشركات الكبرى والأغنى في العالم، وكل منها تهيمن على السوق الخاصة بها.

 
وظلت سياسة مكافحة الاحتكار الأميركية تتمحور منذ عقود على مفاهيم "مصلحة المستهلك". والسؤال الرئيسي حول أي اندماج بين الشركات هو ما إذا كان هذا الاندماج سيحسّن وضع المستهلك.

وتعريف "أحسن" ظل يستند تقليديا على الأسعار. فإذا كان سعر الاستهلاك إلى انخفاض جراء الدمج، فإن السلطات المعنية ستوافق على الدمج. وفي العالم الرقمي، فإن عملة التداول ليست هي الدولار، بل البيانات، إذ يحصل المستهلكون على الخدمات مثل البحث والتجارة الإلكترونية والفيديوهات وبأسعار منخفضة للغاية، ومجانا في أغلب الأحيان.

قيمة البيانات الشخصية
وتقول الكاتبة إن كلمة "مجانا" لا تعني "المجان" الذي عهدناه. فنحن ندفع مقابل هذه الخدمات بياناتنا الشخصية، لذلك فإن استخدام السعر مقياسا للمصلحة لا معنى له في العالم الرقمي، وليس لدى المستهلكين فكرة واضحة عن القيمة العالية لبياناتهم.

وأكدت أن قيمة البيانات الشخصية التي تحصل عليها شركات التقنية أعلى كثيرا من 65 دولارا التي تحصل عليها "تايم وارنر" شهريا كقيمة اشتراك من كل مستخدم لخدمتها.

وتجاوز الإعلان الرقمي في الولايات المتحدة في العام 2016 الإعلان في التلفزيون، واستحوذت غوغل وفيسبوك على 84% من سوق الإعلان في 2017، وتوقف 22 مليون مستخدم عن استخدام خدمة "تايم وارنر"، الأمر الذي جعل المنافسة صعبة للغاية على "تايم وارنر". وبالتالي يحق القول إنه إذا كان لجهة ما "قوة احتكارية" فهي ليست شركات الإعلام التقليدية.

تركيز القوة والنفوذ
وتقول شركات وسائل الاتصال الاجتماعي بعدم وجود مشكلة لأن النتيجة هي لصالح المستهلك. وتقول الكاتبة إن المشكلة في تركيز "القوة والنفوذ".

وقبل الثمانينيات، كان قانون منع الاحتكار يقول إن احتكار القوة الاقتصادية يعني احتكار النفوذ السياسي، وبالطبع هذا أمر سيء للمستهلك وللمجتمع ككل، ويسمح لشركات التقنية بخلق ميدان غير عادل للممارسة السياسية.        

ووجهت الكاتبة حديثها للمشرعين قائلة إن اندماج عمالقة الإعلام القدامى لا يهم كثيرا، المهم حاليا هو القدرة الاحتكارية لشركات التقنية الكبيرة، كما أن الرفاه الاجتماعي حاليا يقتضي تحويل الانتباه من "مصلحة الفرد" إلى مجمل النظام الاقتصادي.

وقالت أيضا إن الواجب يقتضي اعتبار مستخدمي فيسبوك، على سبيل المثال، ليسوا زبائن لهذه الشركة، بل منتجات تبيعها للمعلنين.

المصدر : فايننشال تايمز