ما المطلوب لعودة تأثير أميركا بالشرق الأوسط؟
بهذه الطريقة يبدأ الكاتب فريد زكريا مقاله في صحيفة واشنطن بوست الأميركية، وذلك قبل أن يتساءل عن المطلوب لعودة تأثير الولايات المتحدة في المنطقة.
ولكن لماذا يستثني الكاتب الشرق الأوسط من مقدمته ويعتبره حالا خاصة مختلفة عن باقي أنحاء العالم؟
وأما اليمن فأصبح الآن يعاني من أسوأ مجاعة في العالم، مضيفا أن من غير المحتمل أن تنتهي الحرب التي تعصف به في وقت قريب.
ويمضي ليقول إن العراق -الذي بالكاد بدأ يتعافى من الحرب الأهلية ومن معركته مع تنظيم الدولة الإسلامية– يُقدّر أنه يحتاج إلى نحو مئة مليار دولار لإعادة الإعمار، وهو المبلغ الذي لا تملكه بغداد.
يضيف زكريا أنه يبدو أن خطر نشوب نزاع أكبر في المنطقة يبقى موجودا دائما، ويقول: "نحن الآن نشهد قتالا يجري بين تركيا ووكلاء الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الاشتباكات الأخيرة بين إسرائيل وسوريا".
كما أدت غارات جوية أميركية إلى قتل المئات من المرتزقة الروس في سوريا، مما يعتبر تصعيدا مثيرا للقلق لدى خصوم الحرب الباردة.
ولكن أين دور الولايات المتحدة مما يجري في المنطقة؟ يقول زكريا عما يتعلق بالتعامل مع الوضع المتقلب في المنطقة، إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تخلت عن الكثير.
إستراتيجية وتفويض
وإن إستراتيجية الإدارة الأميركية إزاء الشرق الأوسط -إذا كان يمكن تسميتها بهذا الاسم- تضاعف من الموقف المناهض لإيران، وذلك في مقابل تفويض إسرائيل والسعودية برسم سياستها الخارجية في هذا السياق، مضيفا أن الأحداث الأخيرة أظهرت عدم جدوى هذه الخطوة.
ويشير الكاتب إلى مقالة للأميركي الإيراني الخبير بشؤون الشرق الأوسط فالي نصر، التي نشرتها له مجلة فورين أفيرز الأميركية في عددها الأخير، ويقول إن نصر يحث على إعادة التفكير بشكل أساسي في سياسة واشنطن تجاه إيران.
ويضيف أن نصر يرى أن هذ الفرضية الأميركية إزاء إيران تعتبر خاطئة، وأن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط لم ينبع من طموح إيران، بل إنه نتيجة غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة في 2003 وقلب ميزان القوى بين الدول العربية وإيران، وذلك عن طريق الإطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين والسماح بانتشار الفوضى.
ويتحدث الكاتب عن المزايا التي يتمتع بها حلفاء إيران في المنطقة، وذلك في مقابل عدم حصول خصومها على هذه المزايا، ويقول إن الولايات المتحدة وإسرائيل -الغريبتان في العالم العربي- تقاتلان في الغالب من السماء، لكن الهيمنة الجوية لها حدودها، وذلك من حيث تشكيل الحقائق السياسية على أرض الواقع.
إسقاط طائرة
ويشير الكاتب إلى أهمية إسقاط سوريا -المدعومة من إيران- طائرة إسرائيلية في الآونة الأخيرة، مضيفا أنها المرة الأولى منذ ثلاثين عاما التي تتلقى فيها غارة إسرائيلية ردا، وهو ما يؤكد على صعوبة طرد إيران وروسيا من سوريا.
ويشير الكاتب إلى احتمال أن تجد تركيا وأميركا -العضوان في حلف شمال الأطلسي (ناتو)- نفسيهما تتبادلان إطلاق النار، وذلك في ظل اتخاذ أنقرة إجراءات جريئة على نحو متزايد في شمال سوريا ضد القوات الكردية المدعومة من واشنطن.
لكن أين دور العرب مما يجري في الشرق الأوسط؟
وبإلقاء نظرة على القتال الأخير، يجد المرء أن كل القوى غير العربية -الإيرانيون والأتراك والروس والإسرائيليون والأميركيون- تشارك في عمليات قتالية لتحديد من سيشكل العالم العربي.
من جانبها، برزت روسيا -بعد أن تحالفت مع إيران وحافظت على علاقات وثيقة مع إسرائيل- كنوع من الموازي الخارجي الذي كانت تمثله الولايات المتحدة في ما مضى.
ويشير زكريا إلى أنه منذ 1973، عندما طرد وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر الروس من الشرق الأوسط، كانت الولايات المتحدة تمثل القوة الخارجية البارزة، لكنها بدأت تخسر هذا الدور من خلال مزيج من الارتباك وفك الارتباط والرفض العنيد لقبول الحقائق على الأرض.