غارديان: لقد أسكتوا خاشقجي لكنهم أنطقوا آلافا غيره

خاشقجي وعمر عبد العزيز
غارديان: عمر عبد العزيز كان يرى في خاشقجي المعلم والمرشد بل الوالد (الجزيرة)

بالنسبة لعمر عبد العزيز -المعارض السعودي البالغ من العمر 27 عاما والمقيم في منفاه بكندا– فإن الصحفي "المغدور" جمال خاشقجي كان يمثل أكثر من كاتب عمود مرموق ومخضرم يعرف خبايا البلاط الملكي السعودي وأسراره، إذ كان معلما ومرشدا وبمثابة والد حسب ما نقلته عنه صحيفة غارديان البرطانية.

عبد العزيز -الذي ينتقد أحيانا بضراوة القيادة السعودية وولي العهد محمد بن سلمان– أُجبر على العيش خارج بلاده بعيدا عن أبنائه.

وما إن علم عبد العزيز بمصير خاشقجي -الذي اغتيل بوحشية في القنصلية السعودية بإسطنبول في تركيا– حتى انخرط في نوبة بكاء، لكنه الآن يستلهم العزاء مما حققه خاشقجي بموته، ويقول إن "الأغبياء أرادوا إسكاته، لكنهم أنطقوا آلافا غيره".

دعوة أخرى إلى القنصلية
لقد أقضَّ مقتل خاشقجي مضجع عمر عبد العزيز نظرا لوجود شبه مخيف بينهما. ففي مايو/أيار من هذا العام التقى عمر اثنين من المسؤولين السعوديين في مدينة مونتريال الكندية حيث يقيم، وبرفقتهما شقيقه، وحثاه على العمل مع السلطات السعودية.

وفي نقاشهما معه -الذي تمكن من تسجيله- دعاه المسؤولان لتجديد جواز سفره في القنصلية السعودية، لكنه رفض عرضهما. وبعد جريمة اغتيال خاشقجي لا يزال عمر يشعر بالصدمة كلما رجع إلى التسجيل واستمع إليه.

وبعد شهر من لقائه بالمسؤولين السعوديين اختُرق هاتفه، واعتُرِضت مكالماته مع خاشقجي، وقد أكد مختبر مراقبة الإنترنت "سيتيزن لاب" التابع لجامعة تورنتو الكندية -الذي يُعنى بدراسة التجسس الإلكتروني- حدوث الاختراق.

ومع أن عبد العزيز ورفاقه من النشطاء الآخرين لا يزالون في حالة حداد، فإنه يقول إنهم لا يشعرون بالخوف. فقد أعاد مقتل الصحفي السعودي تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، والحرب العبثية في اليمن، والحساسية المفرطة لأي شكل من أشكال المعارضة.

وبرأي عمر عبد العزيز، فإن كل من يرفض أن يكون بوقا للحكومة السعودية سيُزج به في السجن، كما أن "السكوت لم يعد كافيا".

موقف الأغلبية الصامتة
ويستبد بعبد العزيز القلق على مصير المعتقلين في بلاده، ومن بينهم اثنان من أشقائه والعديد من أصدقائه الذين اعتُقلوا بسبب صلتهم به. وتساءل قائلا "إن كانوا قد فعلوا بجمال خاشقجي ما فعلوه، فكيف سيتعاملون مع غيره؟".

وقدّم عمر عبد العزيز طلب لجوء إلى السلطات الكندية عندما أُلغيت منحته الدراسية بعد انتقاده الحكومة السعودية. وكان قد دأب في بادئ الأمر على انتقاد خاشقجي نفسه لرفضه استضافة معارضين سعوديين على القناة التلفزيونية التي أطلقها عام 2015.

بيد أنه ما لبث أن أصبح من أوائل النشطاء الذين وقفوا إلى جانب خاشقجي عندما غادر المملكة للعيش في المنفى عام 2017، وبدأ الاثنان العمل معا في العديد من المبادرات.

وتعرّف عبد العزيز على إمكانيات خاشقجي وقدراته باعتباره شخصية تحب "الأغلبية الصامتة" الاستماع إليها. ولم يكن جمال يصف نفسه بالمعارض، كما أنه لم يكن يطمح للإطاحة بالنظام الملكي، بل سعى لتبني موقف وسطي معتدل يتراوح بين الولاء والمعارضة، وهو ما يراه عبد العزيز موقفا مطلوبا "بإلحاح" في الحوار المتعلق بالمملكة.

وسقط القناع
غير أن أكثر ما كانت تخشاه الحكومة السعودية -من وجهة نظر عبد العزيز- هي محاولات خاشقجي لاستحداث مؤسسات، والانخراط في عمل المنظمات المدنية بالخارج.

وعن ذلك يقول عبد العزيز إن الحكومة "أدركت أن هذا الرجل كان يعكف على تحويل نشاطه في الخارج إلى عمل مؤسسي، وهو ما كانت تفتقر إليه المعارضة السعودية، فليس هناك منظمات مجتمع مدني".

ويضيف أن الرواية "المتغيرة" من قبل الرياض عما حدث لخاشقجي أضرت بمصداقيتها، مما دفع كثيرا من الناس للبحث عن "أصوات أخرى".

يقول عبد العزيز "لقد أضحى النشطاء السعوديون اليوم أقوى، وأصواتهم باتت مسموعة، وأظن أن الأغلبية الصامتة تؤمن بما نقول وتعتقد أن النظام يكذب".

وتنقل عنه غارديان  في ختام تقريرها قوله إن "القناع قد سقط ليكشف عن صورة قبيحة إجرامية جبانة متعطشة إلى الدماء".

المصدر : غارديان