رسالة سجين: أنا عضو بالإخوان المسلمين ولست إرهابيا

Members of the Egyptian Muslim brotherhood gather in front the party's headquarters in Cairo on March 22, 2013. A group of men stormed a Muslim Brotherhood office in the Egyptian capital, ransacking it and assaulting some of the group's members, the movement's spokesman told AFP. AFP PHOTO/KHALED DESOUKI
عدد من أعضاء الإخوان المسلمين أمام مقر الجماعة بالقاهرة والذي تعرض لأعمال عنف أوائل 2013 (الفرنسية)
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية رسالة من جهاد الحداد الناطق الرسمي السابق باسم جماعة الإخوان المسلمين في مصر والذي يقبع في سجن طرة منذ أكثر من ثلاث سنوات. وجاءت الرسالة بعنوان "أنا عضو بالإخوان المسلمين ولكنني لست إرهابيا".
 
ويتزامن نشر الرسالة مع جدل في واشنطن أثارته تصريحات للإدارة الجديدة توعدت بوضع الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب، ما انعكس بدوره على الأوساط الدولية نظرا لخطورة هذه الخطوة لو تمت.

وجاء في رسالة الحداد:
أكتب رسالتي هذه وسط ظلمات الحبس الانفرادي في سجن طرة الأكثر شهرة بسوء السمعة في مصر الذي أقبع فيه منذ أكثر من ثلاث سنوات، وأجد نفسي مجبرا على كتابة هذه الكلمات في ظل عزم الولايات المتحدة وصم الإخوان المسلمين -التي رهنت لها سنوات عمري- بأنها جماعة إرهابية.

نحن لسنا إرهابيين، ففلسفة الإخوان المسلمين مستوحاة من فهم الإسلام الذي يؤكد على قيم العدالة الاجتماعية والمساواة وسيادة القانون، ولقد عاشت جماعة الإخوان المسلمون منذ نشأتها في 1928 على وضعين تمثلا في البقاء والثبات في بيئات سياسية معادية وفي مجتمع ناهض لكنه الأكثر تهميشا.

وهذا هو ما يكتبه الآخرون ويقولونه عنا، ولسنا نحن الذين ندعيه، ومن هنا فإنني آمل أن تجد هذه الكلمات طريقها إلى الضوء.

فنحن نمثل حركة شعبية محافظة من الناحية الأخلاقية كرست مواردها لخدمة العامة على مدى العقود التسعة الماضية، ولدينا فكرة بسيطة للغاية: فنحن نعتقد أن الإيمان يجب أن يترجم إلى واقع، وأن اختبار الإيمان هو بالخير الذي تريد القيام به لأجل حياة الآخرين، وأن عمل الناس معا ومجتمعين هو السبيل لتطوير الأمة وتلبية طموح شبابها وإشراك العالم بطريقة بناءة. ونحن نعتقد أن ديننا شامل بطبيعته، وأنه لا يوجد أحد لديه تفويض إلهي أو حق في فرض رؤية واحدة على المجتمع.

وإننا منذ تأسست الجماعة منشغلون سياسيا في مؤسسات بلادنا محاولين تلبية الاحتياجات المباشرة للأمة. ورغم كوننا الجماعة التي تعرضت للاضطهاد أكثر ما يكون في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، فلقد أبقينا على مشاركتنا في البرلمان.

وسواء كانت مشاركتنا في البرلمان مستقلين أو بالتحالف مع جماعات سياسية أخرى، فإنها تدل على التزامنا نحو التغيير القانوني والإصلاح، وإننا ننطق بالحقيقة أمام السلطة في بيئة مليئة بالأحزاب التي تصادق للسلطة دون نقاش.

ولقد عملنا مع منظمات مستقلة مؤيدة للديمقراطية ضد خطط لتسليم الرئاسة إلى نجل مبارك، وعملنا كذلك بشكل وثيق مع مجموعة من النقابات المهنية والنقابات العمالية.

ولقد كنا عاكفين أثناء السنة الديمقراطية الوليدة في مصر على إصلاح مؤسسات الدولة نحو المزيد من الحكم الديمقراطي، ولم نكن مدركين لحجم الشد العكسي الذي واجهناه من جانب المتشددين في هذه المؤسسات.

ولقد كنا غير مجهزين بما يكفي لمواجهة مستوى الفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة، ولكننا حاولنا إجراء إصلاحات من خلال الحكومة، متجاهلين الاحتجاجات الشعبية في الشوارع، لقد كنا على خطأ.

وإنني متأكد الآن أنه تم تأليف العديد من الكتب عن أخطائنا، ولكن أي تحليل منصف سيعرض أننا كنا نعارض استخدام العنف، عيوبنا كثيرة، ولكن العنف ليس واحدا منها.

ولا شيء يثبت مدى التزامنا المطلق باللاعنف سوى التزامنا المستمر بالإصرار على المقاومة السلمية، وذلك بالرغم من عنف الدولة الذي ليس له مثيل. لكن الجنرال عبد الفتاح السيسي قام بقمع المعارضة على مدى السنوات الأربع الماضية بشكل وحشي، وسلطات الدولة هي المسؤولة عن عمليات القتل خارج نطاق القضاء وعن اختفاء المئات من المدنيين وتعرض عشرات الآلاف من السياسيين للاعتقال والسجن.

ولقد أشارت منظمات مستقلة لحقوق الإنسان إلى أن هذا التصعيد المستمر في الإجراءات القمعية يشكل جرائم ضد الإنسانية، وعلى الرغم من كل ذلك فإننا نؤمن أن خلافاتنا السياسية يجب أن تحل من خلال المفاوضات، وليس من خلال إشاعة الخوف والرعب، ونحن لا نزال ملتزمين بقيمنا في ضرورة تنمية المجتمع وبالعدالة الاجتماعية ونبذ العنف.

ولقد سمعنا منذ فترة طويلة بأن جماعات العنف كانت وليدة من جماعة الإخوان المسلمين أو أنها جماعات منبثقة عنها، ولكن هذا يعتبر أمرا مضللا بشكل كبير.

ففي الحالات التي انشق فيها بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ليتبنوا العنف، فإنهم فعلوا ذلك لأنهم لم يجدوا مسارا لهم في فلسفتنا، ولا في رؤية الجماعة أو الحركة لهكذا تطرف.

وإن عددا كبيرا من هؤلاء -إن لم يكونوا جميعهم- ينظرون إلينا على أننا مرتدون وأننا ساذجون من الناحية السياسية، ولكن قولهم هذا يعتبر بمثابة اعتراف لنا بأننا لا نؤمن بالفكر المتطرف.

وإن حركتنا ليست فقط مبنية على أساس قناعة راسخة بأن الجماعات صاحبة الأخلاق هي التي تزدهر، بل إن نهجها الإصلاحي السلمي هو الذي يكفل بقاءها، كما أثبت التاريخ.

لقد تفوقت حركتنا على أكثر الجماعات تسامحا في ظل أكثر الأنظمة قمعا، ووسط انتشار الجماعات المتطرفة العنيفة والاتجاه السريع نحو صراع الحضارات من جانب المتطرفين في جميع أنحاء العالم.

وأما أن يُنسب الإرهاب لنا، فهذا أشبه بنسبة العنف الذي اقترفه تيموثي ماكفي الذي فجر قنبلة في أوكلاهوما سيتي في 1995 إلى حب الوطن. أو نسبة الأيديولوجيات بتفوق البيض إلى تعاليم المسيحية.

ولقد كرست جماعة الإخوان الجزء الأكبر من مشاركتها في الحياة العامة لتوفير برامج الخدمة الاجتماعية في الأحياء الفقيرة، بما في ذلك العيادات المدنية وبنوك الغذاء والدعم الأكاديمي واللوجستي للقراء ولطلاب الجامعات. فنحن نملأ الفراغ الناجم عن الفساد وعن غياب حكم الدولة وعدم وجود المجتمع المدني الكافي.

كم يؤسفني أن المناورات السياسية خلقت مسافة بيننا وبين الناس الذين عشنا طويلا لخدمتهم، إنه درس قاس تعلمناه من الربيع العربي. ونحن نعي الحوادث السياسية التي لدينا، ولكن القفزة من المفاوضات العامة إلى الاحتجاز والتسميات الخاطئة تعتبر أمرا سخيفا قصير النظر، بل وسابقة مثيرة للقلق.

المصدر : الجزيرة + نيويورك تايمز