العراق.. هل تخلى الصدر عن تحالف الأغلبية الوطنية بعد اتصاله بالمالكي ولماذا؟

تمثل الخلاف في البيت الشيعي بعد الانتخابات في رفض التيار الصدري إدخال ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي للحكومة العراقية القادمة واعتباره ألد خصومه.

Iraqi Shi'ite cleric Muqtada al-Sadr arrives to attend Eid al-Fitr prayers marking the end of the fasting month of Ramadan at the Kufa Mosque near Najaf, Iraq June 5, 2019. REUTERS/Alaa Al-Marjani
الصدر ركز في البداية على السعي لتشكيل حكومة أغلبية للخروج من صبغة المحاصصة التي وسمت بها الحكومات العراقية السابقة (رويترز)

بعد 5 أشهر على الانتخابات التشريعية المبكرة بالعراق، وبعد أن شهدت الأشهر الأخيرة محاولات عدة لتفكيك عقد الوضع السياسي، شهد اليومان الماضيان مفاجآت جديدة تمثلت باتصال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بزعيم ائتلاف دولة القانون بالعراق رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ومناقشة الطرفين الوضع السياسي بالبلاد مع عرض اسم سفير العراق لدى بريطانيا جعفر الصدر مرشحا لمنصب رئيس الوزراء.

وتمثلت الخلافات الشيعية البينية في رفض التيار الصدري الفائز بـ 74 مقعدا برلمانيا إدخال ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي (32 مقعدا) للحكومة العراقية القادمة واعتباره ألد خصومه مع تعهدات بفتح ملفي سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة الإسلامية ومجزرة سبايكر، وهما ملفان حدثا في عهد حكومة المالكي.

وعلى وقع هذا التحول المفاجئ في الوضع السياسي العراقي، تبرز العديد من الأسئلة عن الأسباب التي أدت إلى هذا التقارب المفاجئ بين الصدر والمالكي وعلاقة ذلك بالتحالف الثلاثي الذي يضم التيار الصدري وتحالف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني وسعي التيار لتشكيل حكومة أغلبية وطنية التي طالما أكد عليها الصدر.

رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي
الصدر (يمين) أجرى أول أمس الخميس اتصالا هاتفيا مع المالكي وبحثا لأول مرة أزمة تشكيل الحكومة (وكالات)

سيناريوهات عديدة

سيناريوهات عديدة يراها المراقبون، فهناك من يرى أن زعيم التيار الصدري تعرض لضغوط كبيرة خلال الفترة الماضية ما أدى به لهذا التحرك تجاه المالكي، وهذا وفقا لما يراه الباحث السياسي غانم العابد.

ويتابع العابد في حديثه للجزيرة نت أن الصدر قد يكون تعرض لضغوط وتدخل مباشر من قبل المرشد الإيراني علي خامنئي الذي طلب من الصدر الانفتاح على قوى الإطار التنسيقي وتشكيل حكومة أغلبية توافقية وهو ما جاء متزامنا، بحسب العابد، مع تصريح خامنئي بأن إيران لن تتخلى عن نفوذها الإقليمي ولن تتخلى عن قدراتها الدفاعية، ما أدى بالمحصلة إلى اتصال الصدر بالمالكي وبقية أطراف التحالف الثلاثي.

من جانبه، يرى الصحفي العراقي رائد المعموري أن الضغوط الكبيرة التي تعرض لها الصدر وحلفاؤه في التحالف الثلاثي بات واضحا في أن الكتل الأخرى لن تسكت على استبعادها من الكابينة الحكومية.

وأضاف المعموري في حديثه للجزيرة نت أن الضغوط كانت متنوعة ومنها ضغوط المحكمة الاتحادية واستبعاد مرشح الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري من سباق رئاسة الجمهورية، فضلا عن أن هناك رسائل واضحة من الإطار التنسيقي بأنه لن يسمح بتشكيل حكومة لا يكون جزءا منها.

الباحث السياسي المقرب من التيار الصدري مجاشع التميمي
التميمي لفت إلى أن التيار الصدري دعا منذ البداية لدخول أطراف في الإطار التنسيقي للتحالف (الجزيرة نت)

مصير التحالف الثلاثي

من جانبه، يرى الباحث السياسي المقرب من التيار الصدري مجاشع التميمي أن التحالف الثلاثي لا يزال متماسكا وأن التيار دعا منذ البداية لدخول أطراف في الإطار التنسيقي للتحالف، إلا أن الجديد أن اتصال الصدر بالمالكي أذاب الجليد بين الطرفين وأن المباحثات لا تزال مستمرة بين الطرفين لأجل حلحلة معضلة اختيار رئيس الجمهورية ومن ثم رئاسة الوزراء.

وتابع في حديثه للجزيرة نت أنه ورغم تواصل الطرفين، إلا أن المشكلات بينهما لم تحل حتى الآن، وأن الإطار التنسيقي لم يبدِ موافقة على طرح اسم جعفر الصدر لرئاسة مجلس الوزراء، معتقدا أن مباحثات الأيام القادمة قد تفضي لما هو جديد، لا سيما إذا ما اتفق الطرفان على تسمية الكتلة الأكبر التي لا تزال تعد العقدة الحقيقية للمضي بتشكيل الحكومة القادمة، وفق تعبيره.

على الجانب الكردي، يرى الباحث السياسي محمد زنكنة في حديثه للجزيرة نت أن التحالف الثلاثي لا يزال متماسكا وأن التيار الصدري يعلم جيدا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يمكن أن ينقلب على أي تحالف سبق وأن دخل فيه، وفق زنكنة.

وفيما يتعلق بتقارب الصدر مع المالكي نتيجة الخلافات مع الديمقراطي الكردستاني حول قانون نفط وغاز الإقليم الذي أبطلته المحكمة الاتحادية العليا، أوضح زنكنة أن قرار المحكمة لم يدخل حيز التنفيذ بعد على اعتبار أن برلمان الإقليم لم يتبن قرار المحكمة الاتحادية، وأن هناك العديد من المؤشرات على عمل المحكمة وتشكيلها، وفق زنكنة.

منشورة على موقع الجزيرة نت - مدير مركز القرار السياسي - حيدر الموسوي
الموسوي اعتبر أن التحالف الثلاثي بين الصدر والسيادة والديمقراطي الكردستاني وصل إلى طريق مسدود (الجزيرة نت)

ضغوط المحكمة الاتحادية

على الجانب الآخر، يعتقد مدير مركز القرار السياسي حيدر الموسوي أن التحالف الثلاثي بين الصدر والسيادة والديمقراطي الكردستاني وصل إلى طريق مسدود بعد قرار المحكمة الاتحادية الأخير بأن جلسة اختيار رئيس الجمهورية تتطلب حضور 220 نائبا تحت قبة البرلمان، وهو ما لا يمتلكه التحالف الثلاثي الذي لا تتجاوز عدد مقاعده النيابية 168 نائبا، لافتا إلى أن ذلك ترجم إلى خلافات حقيقية داخل التحالف الثلاثي، وفق الموسوي.

ويتابع للجزيرة نت أن الاتصال بين الصدر والمالكي كان بوساطة خارجية وداخلية وأن التحالف الثلاثي أدرك أنه لا يمكن تشكيل حكومة ائتلافية أو أغلبية على اعتبار أن أي كتلة سياسية لم تحظَ بعدد مقاعد مريح لتشكيل الحكومة.

وأضاف الموسوي أن العقدة الأكبر التي لا تزال مستمرة وتتمثل بترشيح رئيس الحكومة القادمة، مبينا أنه ورغم أن جعفر الصدر مقبول من الطرفين إلا أن المعضلة تكمن في الجهة التي سترشحه، بما يعني مشكلة تسمية الكتلة الأكبر ورغبة الإطار في أن تتم تسمية رئيس الوزراء بصورة مشتركة، وفق الموسوي.

حصرية - الصحفي العراقي - رائد المعموري
المعموري اعتبر أن الصدر وحلفاءه تعرضوا لضغوط كبيرة للتفاهم مع الإطار التنسيقي في تشكيل الحكومة (الجزيرة نت)

مشكلة رئيس الجمهورية

وهناك تحليل آخر للتقارب المفاجئ بين الصدر والمالكي، ويكمن في أن الحزب الديمقراطي الكردستاني أدرك أن التيار الصدري ليس قادرا على كبح جماح قرارات المحكمة الاتحادية فيما يتعلق بقانون النفط والغاز الكردي واستبعاد المرشح هوشيار زيباري من الترشح لرئاسة الجمهورية، وفق الموسوي.

ويرى الموسوي أن تصريح بعض القادة من الحزب الديمقراطي باحتمالية تغيير بوصلة تحالفاتهم قد تكون وراء الانفتاح المفاجئ بين التيار الصدري وائتلاف دولة القانون، فضلا عن أن تحالف السيادة السني بات مدركا بأن فكرة حكومة الأغلبية الوطنية غير قابلة للتنفيذ في ظل وجود معادلة السلاح في الداخل العراقي والتدخلات الإقليمية والدولية، بما أدى إلى أن يتجه تحالف السيادة نحو محاولات الوساطة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي وهو ما بدأ فعليا وراء الكواليس منذ نحو 4 أسابيع، وفق تأكيدات الموسوي.

حصرية - الباحث السياسي الكردي - محمد زنكنة
زنكنة يرى أن التقارب بين مكونات البيت الشيعي كان بمبادرة من الزعيم الكردي مسعود البارزاني (الجزيرة نت)

ضغوط دولية وإقليمية

كثيرة هي التحليلات التي تفسر التقارب بين مكونات البيت الشيعي، لا سيما أن التفاصيل لا تزال غامضة وبانتظار الاجتماع الداخلي التي سيعقده الإطار التنسيقي مع انتظار نتائجه التي ستفضي لاجتماع آخر مع التيار الصدري ومكونات التحالف الثلاثي.

من الجانب الكردي وفي تحليل الوضع السياسي القائم، يبدو أن للباحث السياسي الكردي المقرب من الحزب الديمقراطي الكردستاني محمد زنكنة رأيا آخر، إذ يرى أن التقارب بين مكونات البيت الشيعي كان بمبادرة من الزعيم الكردي مسعود البارزاني قبل نحو شهرين وكانت تتحدث عن أن يتولى نوري المالكي منصب نائب رئيس الجمهورية.

ويعتقد زنكنة في حديثه للجزيرة نت أن هذا التقارب جاء بعد مخاوف من حصول تطورات وصفها بـ"غير المستحبة" نتيجة الوضع الإقليمي والدولي الحالي، لافتا إلى أن هذا التقارب كان متوقعا وأن الإطار التنسيقي معرض للتفكك بعد تقارب الصدر والمالكي واحتمالية ألا يحصل بقية أطراف الإطار على دور مهم في الحكومة القادمة.

حصرية - الباحث السياسي - غانم العابد
العابد رجح أن تكون الحكومة القادمة توافقية على غرار الحكومات السابقة (الجزيرة نت)

حكومة أغلبية أم توافقية؟

وفيما يتعلق بالصيغة التي ستكون عليها الحكومة القادمة، أوضح زنكنة أن المنطق كان يقضي بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، إلا أن الضغوط دحضت هذه الفكرة مع تسليم الأطراف المتحالفة بالأمر الواقع نتيجة التدخلات الخارجية ووجود معارضة مسلحة من الممكن أن تتسبب فيما وصفه بـ"تخريب العملية السياسية".

وبيّن زنكنة أن العراق يسير على مفترق طرق وأن الأطراف الشيعية المتنفذة تتصارع من أجل السلطة، لافتا إلى أنه ووفقا للتقارب الأخير فإن حظوظ جعفر الصدر لتولي منصب رئاسة الوزراء باتت كبيرة مع عدم استبعاد رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي.

ويذهب في هذا المنحى الباحث السياسي غانم العابد، الذي يرى أن الضغوط الإيرانية المباشرة أدت دورها من خلال عقد صلح بين الصدر والمالكي ولو مؤقتا، وفق العابد، مبينا أن الخصومة بين الطرفين لا تزال مستمرة وأنها قد تعود للواجهة في أي خلاف جديد ينشب.

واختتم أن الحكومة القادمة ستكون توافقية بالمطلق كما في الحكومات السابقة، وأن جميع الشعارات الإصلاحية التي رفعها التيار الصدري بعد ظهور نتائج الانتخابات لم تعد قابلة للتنفيذ.

المصدر : الجزيرة