عبر بوابة اليمين المتطرف.. نتنياهو يقترب من العودة للحكم والانقسام يتعمق بإسرائيل

Israel's November 2022 General Elections
نتنياهو يتجه لتشكيل الحكومة السادسة في حياته السياسية (غيتي)

القدس المحتلة- تظهر نتائج فرز نحو 95% من الأصوات في انتخابات الكنيست الإسرائيلي -التي أجريت أمس الثلاثاء- أن الخارطة الحزبية الإسرائيلية تتجه إلى أقصى اليمين، وأن زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو -الذي يرأس معسكر اليمين المتطرف- عزز من قوته البرلمانية، الأمر الذي يمنحه تفويضا لتشكيل الحكومة المقبلة.

ويتجه نتنياهو الملقب بـ"ملك إسرائيل" بخطى ثابتة نحو سدة الحكم وتشكيل حكومته السادسة، بفوزه بـ32 مقعدا، مقابل 24 مقعدا لأقرب منافسيه وهو حزب "هناك مستقبل"، برئاسة يائير لبيد الذي يشغل منصب حكومة تصريف الأعمال.

وبعد أن استحوذ التعادل على الخارطة الحزبية والسياسية في استطلاعات الرأي التي سبقت حسم الصندوق بين نتنياهو ولبيد، تمكّن معسكر نتنياهو من الحصول على أغلبية برلمانية تصل إلى 65 عضوا بالكنيست، ومن ثم إحداث الانقلاب والتوجه نحو تشكيل الحكومة الأكثر يمينية وتطرفا في إسرائيل.

وحسب نتائج رسيمة أعلنتها لجنة الانتخابات المركزية، حصل حزب الليكود على 32 مقعدا، إضافة إلى المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب المتحالفة معه، فقد حصلت حركة "شاس" برئاسة أريه درعي على 11 مقعدا، وحزب "يهدوت هتوراة" (يهود التوراة) برئاسة موشي غافني على 8 مقاعد، وتحالف "الصهيونية الدينية" برئاسة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير على 14 مقعدا.

وفي المعسكر المناوئ الذي يمثل ما تُسمى بـ"حكومة التغيير" برئاسة لبيد، أظهرت النتائج حدوث تصدع وتفكك بعد أن فقد المعسكر الأغلبية البرلمانية الضيقة وتراجعت قوته ليحصل على 50 مقعدا، بحصول حزب "هناك مستقبل" على 24 مقعدا، و"المعسكر الوطني" برئاسة بيني غانتس على 12 مقعدا.

وتراجعت القوة البرلمانية للأحزاب الشريكة في حكومة تصريف الأعمال، إذ انحسرت مقاعد حزب "إسرائيلي بيتنا" الذي يتزعمه أفيغدور ليبرمان إلى 5 مقاعد، وتراجع حزب العمل برئاسة ميراف ميخائيلي إلى 4 مقاعد، وحصلت القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس على 5 مقاعد.

وفي مؤشر إضافي لتوجه اليهود إلى أقصى اليمين، لم يتمكن معسكر "اليسار الصهيوني" من تخطي نسبة الحسم، إذ يأمل حزب "ميرتس" برئاسة زهافا غلئون الحصول على 4 مقاعد، لكن حظوظه ضئيلة جدا. وفي المقابل، ضمن تحالف "الجبهة والتغيير" برئاسة أيمن عودة تجاوز نسبة الحسم بحصوله على 5 مقاعد.

وتعكس هذه النتائج توجه المجتمع الإسرائيلي ونظام الحكم نحو اليمين، واليمن المتطرف، حيث وصل الأمر -على الأقل من الناحية السياسية وفي ضوء قضايا مجتمعية ودينية- إلى نقطة اللاعودة، وذلك في ظل زيادة أعداد المتدينين القوميين، والمحافظين، واليهود الحريديين والمتشددين دينيا، وتنامي قوة "الصهيونية الدينية" في أوساط قطاعات الشباب.

شرخ في المجتمع الإسرائيلي

وفي قراءة لحسم الصندوق والتغيرات الحزبية والتحولات الإسرائيلية، يعتقد مقدم البرامج في القناة 12 الإسرائيلية ليئور شلاين أن نتائج الانتخابات تعكس مفهوم "اليمين الجديد" الذي يتغلغل في المجتمع الإسرائيلي، وهيمنة اليمين والأحزاب الحريدية والدينية المتطرفة والمستوطنين على المشهد السياسي والحزبي، إذ توجه فكر الحركة الصهيونية إلى أقصى اليمين القومي واليمين الديني المتطرف، وهو ما يشكل الائتلاف الحكومي المقبل.

وأبدى شلاين -في حديثه للجزيرة نت- مخاوف من تداعيات هيمنة الأحزاب الحريدية والدينية على الحكومة ومقاليد الحكم بإسرائيل، مشير إلى أن نتائج الانتخابات تعكس أن هناك دولة واحدة لشعبين يهوديين، شعب متدين ومتطرف، وشعب في وسط الخارطة السياسية وعلماني، وهي النتائج التي تكشف عن عمق الشرخ بالمجتمع الإسرائيلي.

وتساءل شلاين: كيف ستواجه حكومة نتنياهو المقبلة -ونصفها من الأحزاب الحريدية وتحالف بن غفير سموتريتش- التحديات الإقليمية، وهم ينظرون إلى القسم الآخر من الشعب اليهودي (اليساري والعلماني) على أنهم أعداء تجب محاربتهم والانتقام منهم بدلا من مواجهة المخاطر الحقيقية المحدقة بإسرائيل؟

بعض المحللين يرون أن إيتمار بن غفير هو من سيسيّر الحكومة المقبلة وليس نتنياهو (وكالات)

نتنياهو أم بن غفير؟

وفي مؤشر أخطر من ذلك، حذر محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، من مغبة هيمنة اليمين المتطرف والأحزاب الحريدية والدينية المتطرفة على مقاليد الحكم في إسرائيل والتغلغل في الجهاز القضائي، مشير إلى أن "نتنياهو -الذي يهدف إلى تقويض جهاز القضاء بغية إلغاء محاكمته بتهم فساد- سيقدم كثيرا من التنازلات، وسيكون رهينة لمطالب اليمين المتطرف والأحزاب الحريدية".

وأوضح فيرتر أن "نتنياهو -الذي سيشكل الحكومة المقبلة الأكثر يمينية وتطرفا في تاريخ إسرائيل- سيكون رئيسا صوريا في كثير من الملفات والقضايا وخاصة الداخلية، حيث سيكون رئيس الحكومة الفعلي بن غفير الذي كان فعالا حتى أكثر من نتنياهو، بنقل الأصوات من المعسكر المناوئ إلى الكتلة الداعمة لنتنياهو".

وأشار محلل الشؤون الحزبية إلى أن بن غفير، وليس نتنياهو، من فرض سحره على الجمهور الإسرائيلي الشاب، والجنود، وعلى اليهود غير المبالين الذين يقطنون الأرياف ومدن التطوير، حيث ينظر إليه هؤلاء على أنه سياسي شاب ويتحدث بصراحة وشفافية ودون تلعثم عن مواقفه وآرائه والأيديولوجية الصهيونية والدينية التي يؤمن بها.

Israelis walk past election campaign banners depicting former Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu and other politicians by a train station in Tel Aviv
نتائج الانتخابات أظهرت توجه المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين أكثر وأكثر (رويترز)

الإكراه الديني

ويرى آدم كلير، وهو المتحدث باسم "كتلة السلام الآن" المحسوبة على معسكر "اليسار الصهيوني" التي فقدت تمثيلها البرلماني في الكنيست الـ25، أن الحكومة القادمة التي ستعتمد على اليمين المتطرف والحريديم تشكل طوق نجاة لنتنياهو من الاتهامات التي تهدده بالسجن.

وقال كلير للجزيرة نت إن "نتنياهو سيقدم كل التنازلات من أجل البقاء مدة أطول على كرسي رئاسة الوزراء في حكومته السادسة"، مشير إلى أن أغلب أعضاء الكنيست في الائتلاف الحكومي الذي سيشكله نتنياهو سيكونون من المتدينين القوميين، والحريديين والمستوطنين، الذين يحملون مواقف ظلامية ومتطرفة تجاه اليهود العلمانيين واليساريين، والقضية الفلسطينية، وذلك يعني أن إسرائيل بهذا الائتلاف الحكومي ستدخل عهدا جديدا.

وأوضح أن اليمين المتطرف، وتيار "عظمة يهودية" برئاسة بن غفير، والصهيونية الدينية برئاسة سموتريتش، والأحزاب الحريدية، هم الرابح الأكبر من هذه الانتخابات بعد الإنجاز الذي حققوه، وذلك ينبئ أن المجتمع الإسرائيلي يتجه أكثر نحو التدين والالتزام بتعاليم التوراة واعتماد التعاليم اليهودية على حساب الديمقراطية والعلمانية، وهو ما ينذر بفرض التشدد والإكراه الديني، وتعزيز الاستقطاب وتعميق الشروخ الداخلية بين مختلف الشرائح اليهودية.

المصدر : الجزيرة