هل تندلع انتفاضة ثالثة؟.. هكذا انخرط فلسطينيو 48 باحتجاجات القدس والأقصى

في هذا التقرير نتعرف بصيغة سؤال وجواب على أوضاع فلسطينيي 48 ورحلة نضالهم دفاعا عن حقوقهم على أرضهم، وكيف انتصروا للقدس والأقصى وصدامهم مع الشرطة والمستوطنين الإسرائيليين.

إشعال إطارات بمداخل بلدات عربية عقب مواجهات بين شبان وقوات من الشرطة التي قمعت الاحتجاجات
إشعال إطارات بمداخل بلدات عربية عقب مواجهات بين شبان وقوات من الشرطة التي قمعت الاحتجاجات (الجزيرة)

مع دخول انتفاضة القدس والأقصى عامها الـ21، عادت إلى فلسطين 48 مشاهد الاحتجاجات الشعبية، والظروف الميدانية التي سبقت أحداث الانتفاضة في أكتوبر/تشرين الأول 2000، التي أشعلها اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون لساحات المسجد الأقصى.

وإن بدت الظروف مغايرة مع نشأة جيل جديد من فلسطينيي 48، فإن الشرارة ذاتها تشعل مجددا الاحتجاجات الشعبية في مايو/أيار 2021 بالداخل الفلسطيني، انتصارا للقدس، ودفاعا عن الأقصى.

لكن خلافا للمواجهات في أكتوبر/تشرين الأول 2000، حين دافع فلسطينيو 48 عن القدس والأقصى والرموز المقدسة باحتجاجات منظمة تقدمتها القيادات السياسية والجماهيرية، عبر الصدام ومواجهة قوات الشرطة الإسرائيلية، التي قتلت بالرصاص الحي 13 شابا من فلسطينيي 48، تخطت الهبة الشعبية الحالية حاجز المواجهات مع الشرطة، لتصطدم بمواجهات مع مجموعات من المستوطنين وعصابات "تدفيع الثمن" التي تمادت بتنفيذ اعتداءات ممنهجة ضد المواطنين العرب في محطة تعكس الدخول بمرحلة مفصلية بكل ما يتعلق بصراع الوجود في فلسطين التاريخية.

في هذا التقرير نتعرف بصيغة سؤال وجواب على أوضاع فلسطينيي 48 ورحلة نضالهم دفاعا عن حقوقهم على أرضهم، وكيف انتصروا للقدس والأقصى وصدامهم مع الشرطة والمستوطنين الإسرائيليين.

الحراك الشبابي الموحد لفلسطينيي 48 أطلق بأم الفحم في كانوا الثاني/يناير 2021، تصديا للعنف والجريمة واحتجاجا على تواطؤ الشرطة مع الإجرام المنظ
الحراك الشبابي الموحد لفلسطينيي 48 أطلق بأم الفحم تصديا للعنف والجريمة المنظمة (الجزيرة)
  • من هم فلسطينيو 48؟

بعد النكبة وحرب عام 1948 واتفاقات الهدنة بين إسرائيل والدول العربية، بقي نحو 156 ألف فلسطيني داخل الخط الأخضر شكلوا ما نسبته 18% من التعداد السكاني، بعد تدمير 531 بلدة فلسطينية، من أصل 774 قرية ومدينة، وتهجير سكانها البالغ عددهم 807 آلاف فلسطيني، في حين بقيت مجمعات وأحياء عربية صغيرة في عدد من المدن الفلسطينية الكبرى التي هجر سكانها الفلسطينيون في يافا واللد والرملة وحيفا وعكا، وقسم كبير منهم تحولوا إلى لاجئين داخل الوطن.

وشكلت النكبة أكبر عملية تطهير عرقي شهدها القرن الـ20، حيث شرد مئات آلاف الفلسطينيين قسرا من قراهم ومدنهم بقوة السلاح والتهديد من قبل العصابات الصهيونية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، من أصل مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية.

أسوق يافا القديم هجرت وحولت للاستثمارات لرجال أعمال يهود.. سوق الخردوات بعد أن تم منع العرب من استعماله
سوق يافا القديمة هجرت وحولت للاستثمارات لرجال أعمال يهود مثل سوق الخردوات بعد أن منع العرب من استعماله (الجزيرة)
  • ما وضع فلسطينيي 48 بعد النكبة؟

بقرار من مجلس الدولة المؤقت، أثناء حرب 1948، وتحديدا في 19 مايو/أيار 1948، تم وضع من تبقى من الفلسطينيين في الأراضي التي احتلتها العصابات الصهيونية تحت حكم عسكري استمر حتى نهاية عام 1966.

وبموجب أنظمة الطوارئ الانتدابية تم إنشاء محاكم عسكرية لمحاكمة الفلسطينيين بالداخل دون أن يكون لهم حق الاستئناف، ومنح الجيش الإسرائيلي صلاحيات واسعة تقضي بإغلاق مناطق معينة، وفرض حظر التجول في أي قرية أو مدينة عربية، وكذلك إجراء التفتيش والاعتقال بدون محاكمة، وهدم البيوت ومصادرة أراض لضروريات الأمن، ومنع نشر كتب وصحف، بالإضافة إلى الاعتقال الإداري والنفي لمكان بعيد عن مكان سكنى الشخص المعتقل.

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، ليفي إشكول، في نوفمبر/تشرين الثاني 1966، عن إلغاء الحكم العسكري، ولكن ذلك لم يكن يعني التخلي عن قوانين الطوارئ التي تقوم المؤسسة الإسرائيلية بتفعيلها تجاه فلسطينيي 48 حتى يومنا هذا.

التجربة الأولى للحراك الشبابي واللجان الشعبية ضد مخطط "برافر" الهادفة لمصادرة 800 ألف دونم من أراضي بدو فلسطين بالنقب
التجربة الأولى للحراك الشبابي واللجان الشعبية ضد مخطط "برافر" الهادفة لمصادرة 800 ألف دونم من أراضي النقب (الجزيرة)
  • ما التشريعات والتحديات الإسرائيلية ضد فلسطينيي 48؟

بحسب دائرة الإحصاء الإسرائيلية يشكل اليهود حتى سبتمبر/أيلول 2020 ما نسبته 75%، ويبلغ عددهم 6 ملايين و841 ألف يهودي، ونسبة العرب 20%، وعددهم مليون و946 ألف عربي. ويشمل هذا الإحصاء الفلسطينيين في القدس المحتلة، الذين يقدر عددهم بحوالي 400 ألف عربي.

وقد عانى فلسطينيو 48 على مدى 73 عاما بعد النكبة من إجراءات وتشريعات سنها الكنيست ضدهم، حيث عمدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى تشريع عشرات القوانين في قضايا الأرض والمسكن والبناء والتعليم والعمل، والتي تميز ضد فلسطينيي 48 وتسلب حقوقهم المدنية وتصادر أراضيهم وتضيق عليهم الحيز العام.

ولعل أبرز هذه التشريعات قانون القومية الذي أقره الكنيست في يوليو/تموز 2018، حيث يرسخ هذا القانون العنصرية والتمييز ضد العرب واللغة العربية، وينص على أن "أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي، وهي الدولة القومية للشعب اليهودي"، والنشيد الوطني والعلم والحق بالاستيطان سيكون مضمونا لليهود.

مظاهرات ومسيرات احتجاجية رفضا لعدوان إسرائيل على الشعب الفلسطيني
مظاهرات ومسيرات احتجاجية رفضا لعدوان إسرائيل على الشعب الفلسطيني (الجزيرة)
  • كيف نظم فلسطينيو 48 نضالهم ضد الظلم والتمييز الإسرائيلي؟

إلى جانب الأحزاب والفعاليات السياسية والحركات الوطنية والإسلامية وجمعيات المجتمع المدني التي تطورت بشكل متدرج، أسست انتفاضة القدس والأقصى بالعام 2000 لمرحلة جديدة في النضال بتأسيس اللجان الشعبية التي نشطت بمختلف المناطق.

وركزت اللجان الشعبية جل نشاطها في قضايا الأرض والمسكن، والخرائط الهيكلية وتوسيع نفوذ البناء للبلدات العربية، والتصدي لمصادرة الأراضي لصالح الاستيطان بالداخل، وإقامة مشاريع البنى التحتية من مشروع سكة الحديد، وخط الكهرباء والمياه القُطري، وشارع عابر إسرائيل، وخط الغاز، ووسعت من نشاطها وعملها لتطرق باب الحكم المحلي العربي والتربية والتعليم في المجتمع العربي.

حراك شبابي بالداخل رافضا لصفقة القرن الذي أطلق في كانون الثاني/يناير 2020
حراك شبابي بالداخل رافضا لخطة السلام الأميركية التي أطلقت في يناير/كانون الثاني 2020 (الجزيرة)
  • ما أبرز محطات الحراك الشبابي للدفاع عن حقوق فلسطينيي 48؟

شكل عام 2013 محطة فاصلة في الحراك الشعبي، حين انطلق الحراك الشبابي ضد مخطط "برافر" القاضي بمصادرة 800 ألف دونم من أراضي بدو فلسطين في النقب، وأمام الحراك الشبابي الذي استمر على مدار أشهر بكل مناطق الداخل الفلسطيني، تراجعت الحكومة الإسرائيلية عن إخراج القانون لحيز التنفيذ.

وبين حالة المد والجزر التي شهدها الداخل الفلسطيني بالتعامل مع سياسات المؤسسة الإسرائيلية التي اعتمدت نهج التهميش والإقصاء، وفي ظل تراجع دور النضال الشعبي وأزمة الثقة بالعمل السياسي والحزبي التي أخذت تتبلور بالعام 2015، استعاد الحراك الشبابي عافيته في يناير/كانون الثاني 2020، حين أطلق فعاليات مكثفة رفضا لخطة السلام الأميركية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية والتي بادر بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

وفي مطلع 2021 جدد الحراك الشبابي نشاطه من خلال الحراك الشعبي الموحد الذي انطلق من مدينة أم الفحم وامتد لكافة بلدات الداخل الفلسطيني، وذلك احتجاجا على العنف والجريمة وتقاعس الشرطة في مكافحة فوضى السلاح والتواطؤ مع عصابات الجريمة المنظمة، التي تهدد الأمن والأمان لفلسطينيي 48.

وفي مايو/أيار 2021، شكل الحراك الشبابي بالداخل الفلسطيني الركيزة الأساس في إسناد أهالي الشيخ جراح سواء بالتضامن والمبيت معهم بالبيوت المهددة بالإخلاء لصالح المستوطنين، أو تنظيم الاحتجاجات والفعاليات المساندة للقدس والأقصى عقب هبة باب العامود التي أجبرت شرطة الاحتلال الإسرائيلي على إزالة الحواجز الحديدية من باب العامود، في حين رحل القضائي الإسرائيلي البت في ملف الشيخ جراح إلى آجل غير معلوم.

حضور بارز لفلسطينيي 48 بالأقصى منذ الإعلان عن تعليق إجراءات كورونا التي منعت التواجد بالأقصى لمدة 12 شهرا
حضور بارز لفلسطينيي 48 بالأقصى منذ الإعلان عن تعليق إجراءات كورونا التي منعت دخول الأقصى لمدة 12 شهرا (الجزيرة)
  • كيف انخرط فلسطينيو 48 بالاحتجاجات المناصرة للقدس والأقصى؟

خلق الحراك الشبابي ضد العنف والجريمة المتواصل منذ 4 أشهر في بلدات الداخل الفلسطيني، بيئة حاضنة للإسراع في التجنيد بمعركة النضال ضد إخلاء 8 عائلات من حي الشيخ جراء وتسليم عقاراتها للمستوطنين، إذ تزامن ذلك مع بداية شهر رمضان وقرار شرطة الاحتلال الإسرائيلي وضع حواجز حديدة عند باب العامود، وهو البوابة الرئيسية المؤدية للبلدة القديمة والمسجد الأقصى.

وحفز عدوان الاحتلال تجاه القدس والأقصى والذهاب بعيدا نحو تدنيس المقدسات وعدم الإحساس بمشاعر العرب والمسلمين، لخلق حالة من التلاحم والوحدة بين مختلف مكونات الشعب الفلسطيني، وفجر بركان غضب الحشود الشابة بشكل عفوي ودون قيادة إلى الشوارع للتظاهر والاحتجاج، حيث قوبلت بالقمع من قبل الشرطة الإسرائيلية، التي استعانت بعصابات من المستوطنين لتنفيذ الاعتداءات على العرب.

إشعال إطارات بمداخل بلدات عربية عقب مواجهات بين شبان وقوات من الشرطة التي قمعت الاحتجاجات
إشعال إطارات بمداخل بلدات عربية عقب مواجهات بين شبان وقوات من الشرطة التي قمعت الاحتجاجات (الجزيرة)
  • أين اندلعت الشرارة الأولى للاحتجاجات وكيف بدأ الصدام مع المستوطنين؟

عند منتصف ليل العاشر من مايو/أيار 2021، وبعد انتكاسة عصابات المستوطنين بالقدس والأقصى بإحباط الاقتحامات الجماعية لساحات الحرم القدسي الشريف بمناسبة ما يسمى "يوم توحيد القدس" الذي تزامن مع 28 رمضان، وقرار المستشار القضائي للحكومة تأجيل ترحيل العائلات المقدسية من حي الشيخ جراح، اختارت عصابات المستوطنين، التي ينتمي بعض أعضائها لـ "نواة التوراة" الذين يستوطنون في اللد، الاعتداء على الفعالية الاحتجاجية التي أقيمت عند المسجد الكبير في اللد، وقام مستوطن بإطلاق النار صوب مجموعة من العرب مما أدى إلى استشهاد موسى حسونة (31 عاما) وإصابة 3 شبان بجروح متفاوتة.

صعدت عصابات المستوطنين من الاعتداء على الفلسطينيين في اللد التي يقطنها 30 ألف فلسطيني من أصل 80 ألفا، وهو ما دفع للخروج في مسيرات احتجاجية في المدن الساحلية لإسناد اللد، حيث خرجت مسيرات في الرملة ويافا وحيفا وعكا وإلى جانبها وقفات احتجاجية نظمها الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية.

مشهد اعتداءات عصابات المستوطنين على أهالي اللد انتقل إلى البلدات العربية الكبرى في النقب والمثلث والجليل، حيث خرجت الحشود تصديا لمليشيات المستوطنين من عصابات "تدفيع الثمن"، وأحفاد كهانا، التي كانت تنفذ اعتداءاتها على المواطنين العرب وممتلكاتهم بحماية من قوات الشرطة الإسرائيلية.

مظاهرات ومسيرات احتجاجية رفضا لعدوان إسرائيل على الشعب الفلسطيني
تتشابه ظروف صدام فلسطينيي 48 الأخيرة مع اندلاع انتفاضة الأقصى قبل 21 عاما (الجزيرة)
  • هل تتطور الاحتجاجات وتتحول إلى انتفاضة ثالثة؟

أطرت الاحتجاجات والهبة الشعبية العفوية التي اندلعت في الداخل الفلسطيني بسبب تمادي المؤسسة الإسرائيلية بالاعتداء على القدس والأقصى في رمضان، شرارات متراكمة من الظلم والاضطهاد والعنصرية والتمييز والإفقار، وهي حالة كانت بارزة في اللد والمدن الساحلية يافا والرملة وعكا، التي يعاني سكانها العرب الاضطهاد والعنصرية، وتشهد عملية تطهير عرقي ممنهج لدفع العرب إلى الهجرة القسرية وإحلال اليهود والمستوطنين مكانهم.

توسعت الاحتجاجات وتحولت إلى معركة للدفاع عن الذات في صراع الوجود بفلسطين التاريخية، وهو ما شكل حالة الوحدة والتلاحم للكل الفلسطيني الذي يعاني السياسات الإسرائيلية ذاتها وإن اختلفت وسائل وآليات التعامل، لكنها تصب في الهدف ذاته، ترحيل وتهجير الفلسطينيين، فحالة حي الشيخ جراح بالقدس تتكرر في حي العجمي في يافا والبلدة القديمة في عكا.

وبات واضحا أن المقدسات العربية والإسلامية والأقصى عامل موحد ومفجر للاحتجاجات الشعبية، لكن لا يمكن لأحد وفي ظل غياب قيادات لهذه الاحتجاجات العفوية التي تعتمد على الحراك الشعبي الشبابي بالأساس التنبؤ إذا كانت بوصلة الاحتجاجات تتجه نحو اندلاع انتفاضة ثالثة.

المصدر : الجزيرة