انقلاب ميانمار.. الاحتجاجات تنتقل للعصيان المدني ومنظمات مسلحة تنضم للحراك

أعلنت منظمات مسلحة تابعة للأقليات في ميانمار انسحابها من الحوار مع سلطات الانقلاب ونددت بقمع الجيش والشرطة للمظاهرات في يانغون وغيرها، وبدورهم أعلن ناشطو الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية وبرلمانيوها في البرلمان السابق توحيد جهود المعارضين للانقلاب من خلال ما أسموه باللجنة التمثيلية لمجلس الاتحاد.

مع دخول حركة الاحتجاج ضد الانقلاب العسكري في ميانمار أسبوعها الثامن، بدأت المنظمات المسلحة للأقليات القومية، التي تقطن الولايات الحدودية الشمالية والشرقية، توحد موقفها في دعم الحراك الشعبي والعصيان المدني الساعي لإسقاط مجلس إدارة الدولة، الذي يرأسه رئيس أركان الجيش مين أونغ هلينغ منذ استيلائه على السلطة مطلع فبراير/شباط الماضي.

حكومة العسكر من جانبها واجهت العصيان المدني من بعض موظفي الدولة بإنذارهم بإخلاء منازلهم الحكومية، كما تم فصل بعضهم ومنهم عشرات في وزارة الخارجية من مناصبهم.

يأتي هذا مع تصاعد المواجهات في شوارع يانغون وغيرها من المناطق، واعتقال 2682 شخصا حتى مساء الثلاثاء، وفق أرقام جمعية عون المعتقلين السياسيين، ومقرها في تايلند، من بينهم أكثر من 40 صحفيا على الأقل، الجمعية نفسها وثقت أسماء 261 شخصا قتلوا حتى صباح الثلاثاء، مشيرة إلى أن العدد مرشح للزيادة لعدم توثيق كل أسماء من يقتلون في ميادين التظاهر، أو من يطلق عليهم النار في منازلهم أو أماكن وجودهم بعد المظاهرات.

وقد بدا واضحا أن أكثر من نصف من قتلوا وفق إحصائيات مختلفة هم ممن لم يبلغوا 30 من العمر، حيث برز جيل الشباب ممن ولدوا بعد انقلاب عام 1990 في هذه التظاهرات، إضافة إلى بقايا ساسة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، وجيل حراك عام 1988، وغيرهم من المواطنين والموظفين الحكوميين.

الاحتجاجات ضد الانقلاب دخلت أسبوعها الثامن وتوسعت إلى مناطق عديدة (رويترز)

7 ولايات وحلم الفدرالية لجيوش القوميات

تطور آخر تمثل في أن 10 من المنظمات أو الجيوش المسلحة -كما تسمى- المرتبطة بالأقليات القومية والدينية -بعضها مسيحي وبعضها بوذي- أعلنت انسحابها من أي حوار مع الحكومة، مؤكدة استنكار قمع الجيش والشرطة للمظاهرات في يانغون وغيرها، داعية المجتمع الدولي والناشطين والحقوقيين حول العالم إلى دعم موقف الشعب الميانماري الرافض لما أسموه بدكتاتورية العسكر، رغم أنه وجهت لهم دعوات للحضور في عيد الجيش الميانماري أواخر الشهر الجاري؛ لكن معظمهم رفضوا قبول الدعوة.

وإلى جانب العصيان المدني الذي شارك فيه موظفون حكوميون من قطاعات وهيئات ومؤسسات حكومية خدمية عديدة، فإن المظاهرات اتسعت جغرافيا وإثنيا إلى الولايات والمناطق المختلفة، وهو توسع سيجعل من الصعب على الجيش -وفق مراقبين- قمع الحراك الشعبي رغم القبضة الأمنية على العاصمة الاقتصادية وكبرى المدن يانغون.

وفي هذا الإطار شوهدت عناصر مسلحة من بعض هذه المنظمات المسلحة أو الجيوش القومية كما تعرف في ميانمار، وهي تحرس متظاهرين من بني قوميتهم حماية لهم من أي قمع للجيش، خلافا للمتظاهرين من الأغلبية البامارية التي ليس من بينها منظمة مسلحة حتى الآن.

ويعرف عن ميانمار -أو بورما تاريخيا قبل تغيير العسكر اسمها عام 1989- أنها تحتضن عددا كبيرا من الأقليات والقوميات، التي تنتشر في 7 ولايات، سميت بأسماء أشهرها وهي ولايات: كاتشين، وتشين، وكاياه، وكارين، ومون، وريكاين، وشان، خلافا للمناطق التي فيها أغلبية بامارية أو بورمية، والتي تشكل نسبة تتراوح ما بين 60%-70% من سكان البلاد، وفق تقديرات مختلفة.

وفي تلك الولايات السبع، ما يعرف بالجيوش القومية لتلك القوميات وغيرها من القوميات والمجموعات الإثنية المتفرعة عنها، والتي تقاتل حكومة يانغون العسكرية منذ عشرات السنين، وتطمح لحقوق اقتصادية وسياسية وثقافية وإدارية واسعة، وفي مقدمتها تحويل ميانمار إلى دولة اتحادية فدرالية، وهو حلم القوميات والأقليات إلى يومنا هذا.

وقد يبرز خلال الأسابيع والشهور القادمة دور أكبر للمنظمات المسلحة أو جيوش الأقليات في المشهد الاحتجاجي ضد الانقلاب، ويدور حديث عن تشكيل جيش اتحادي أو فدرالي يتولى التنسيق بين مختلف تلك المنظمات المسلحة، وقبل ذلك بدأت بعض الخطوات تظهر في الميدان مثل إعلان الاتحاد القومي الكاريني بأجنحته المسلحة أنه سيبذل جهده في منع وصول الدعم اللوجستي والعسكري لفرق الجيش المنعزلة في المناطق، التي للكارين حضور فيها، بسبب صراع تجدد في المنطقة هناك، تأثر به مئات من قومية الكارين، على حد قول الاتحاد الكاريني المعارض.

هروب معارضين إلى مناطق سيطرة جيوش القوميات

كما أن أعدادا متزايدة من الناشطين المعارضين للجيش وحكومته بدأت تتوافد على الأراضي التي تسيطر عليها المنظمات المسلحة أو جيوش القوميات، كما حصل إثر حراك عام 1988. وتشير تقديرات صحفية مقربة من المعارضة إلى أن مئات تركوا يانغون متجهين نحو مناطق سيطرة جيوش الأقليات في ولايات شان ومون وكاياه وكارين شمال وشرق البلاد؛ بل إن متحدثا إعلاميا باسم الجيش أشار إلى أن نحو ألف شخص هربوا إلى مناطق الأقليات فرارا من اعتقال الأجهزة الأمنية لهم.

وفي مقدمة تلك المناطق التي لاذ إليها الناشطون المعارضون للجيش، ولاية كارين حيث سيطرت أجنحة مسلحة للاتحاد الكاريني القومي، كما أن مجلس إنقاذ ولاية شان المعارض أكد على أنه سيؤوي كل من فر من قبضة مجلس إدارة الدولة، الذي شكله ويقوده العسكر بعد الانقلاب، وتستثنى من ذلك بعض المجموعات المسلحة التي تنشط قرب حدود الصين والتي قد تسعى منفردة لتوقع هدنة مع الجيش.

مجلس للمعارضة أشبه بحكومة ظل

على صعيد آخر، تتقاطع مع موقف المنظمات المسلحة للقوميات مساع مع ناشطي الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية وبرلمانييها في البرلمان السابق لتوحيد جهود المعارضين للانقلاب من خلال ما أسموه باللجنة التمثيلية لمجلس الاتحاد، وذلك في ظل تغييب العسكر لوين مينت، رئيس البلاد، وأونغ سان سوتشي، مستشارة الدولة، وكثير من قادة حزبها وغيرها من الناشطين.

وكان لافتا أن يتم اختيار مان وين كان ثان ليتصدر هذه اللجنة بجعله نائبا لرئيسها، وهو من البرلمانيين الذين فازوا مجددا عن حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية في الانتخابات الأخيرة قبل أن ينقلب على نتائجها العسكر، والده سياسي معروف ووزير في الأيام الأولى لاستقلال البلاد، وكان مقربا من والد أونغ سان سوتشي؛ بل تم اغتياله معه عام 1947، اللافت في اختياره أنه وجه من قومية الكارين، ومن الأقلية المسيحية، وليس من الأغلبية البامارية البوذية، مع ترك منصب رئيس هذه اللجنة، التي تسعى لتكون أشبه بحكومة ظل، شاغرا.

منظمات حقوقية وثقت أسماء 261 شخصا قتلوا في الاحتجاجات حتى صباح الثلاثاء (الأوروبية)

وقد عينت اللجنة التمثيلية حتى الآن 5 من الوزراء منهم زين مار أونغ قائمة بأعمال وزيرة الخارجية، وهي ناشطة نسائية معروفة لدى الأوساط المهمتة بالشأن الميانماري في واشنطن، ومقربة من أونغ سان سوتشي، ومع تثبيت كياو مو تون في منصب السفير الدائم لميانمار لدى الأمم المتحدة، حيث كان من الشخصيات الأولى التي وقفت إلى جانب المتظاهرين ورفضت الانضمام لحكومة العسكر.

وتعيد هذه اللجنة للأذهان تجربة مماثلة بعد انتخابات عام 1990، التي فازت فيه الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية؛ لكن الجيش لم يعترف بنتائجها، ورفض تسليم السلطة لمن فاز، حيث فر عدد ممن فازوا بمقاعد برلمانية من حزب الرابطة من ملاحقات الجيش إلى المناطق الحدودية الشرقية مع تايلند، وأسسوا ما عرف آنذاك بـ"حكومة التحالف الوطني لاتحاد بورما"، التي ظلت حكومة معارضة في المنفى حتى سبتمبر/أيلول عام 2012؛ لكن حضورها في الواقع الميانماري ظل ضعيفا رغم دعم دول غربية لها، حيث بقي العسكر يسيطرون على مفاصل الدولة وتفاصيل الحياة العامة.

المصدر : الجزيرة