فلسطين.. آثار في متناول اليد رغم التجريم

عوض الرجوب-الخليل

هل ترغب في اقتناء آثار يعود عمرها إلى آلاف السنين، أو التجول في مقابر أو كهوف رومانية؟ نعم ذلك ممكن والآثار في متناول اليد في كثير من المواقع بفلسطين، لكن احذر فالقانون قاس جدا إزاء الاتجار بالآثار.

أسرجة وأساور وأدوات زينة وقطع فخارية ورموز دينية يعود أغلبها إلى العصر الحديدي (1200-586 ق.م) يحتفظ بها المواطن الفلسطيني "م. ر" في منزله، وهي جزء من مجموعة قطع عثر عليها خلال تنقيبات بموقع أثري غرب مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية.

‪‬ قطع أثرية استخدمت حلية في العصر الحديدي(الجزيرة نت)
‪‬ قطع أثرية استخدمت حلية في العصر الحديدي(الجزيرة نت)

وتقع أغلب المواقع الأثرية في فلسطين بمناطق مصنفة "ج" أي تخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، مما يحول دون متابعتها من قبل الأجهزة الرسمية الفلسطينية، في حين يغض الاحتلال الطرف عن نبشها.

وتمكن المواطن الفلسطيني من بيع قطع أخرى، واحتفظ بالباقي لتدني سعرها، فهي ليست من تلك الآثار التي تهم السماسرة العرب الذين ينقلونها بدورهم إلى التجار الإسرائيليين.

‪‬ قطعة أثرية عبارة عن وجه الخنفساء وعليه رسم يشير إلى اعتلاء أسد لغزال(الجزيرة نت)
‪‬ قطعة أثرية عبارة عن وجه الخنفساء وعليه رسم يشير إلى اعتلاء أسد لغزال(الجزيرة نت)

سعر أعلى
وتحظى القطع الأثرية -خاصة الفخارية المكتوب عليها باللغة العبرية- بأعلى الأسعار، في حين أن الآثار الإسلامية أقل الآثار سعرا ولا تجد من يشتريها.

وشهدت مناطق الضفة الغربية موجات من التنقيب غير المشروع عن الآثار، ويقدر خبراء عدد القطع الأثرية المهربة سنويا من فلسطين بنحو مئتي ألف قطعة.

ويقول "م. ر" إن التنقيب عن الآثار بلغ أوجه خلال الانتفاضة الأولى وحرب الخليج، ثم في انتفاضة الأقصى ومستمر حاليا، مشيرا إلى مواقع كثيرة تعود لآلاف السنين ما زالت مهجورة ومهملة من الجهات الرسمية.

‪‬ أسرجة من العهد الحديدي(الجزيرة نت)
‪‬ أسرجة من العهد الحديدي(الجزيرة نت)

وبين أن سماسرة محليين يتفاوضون على شراء القطع النادرة والثمينة، ثم يبيعونها إلى تجار الآثار الإسرائيليين بأسعار مضاعفة حسب نوعيتها وأهميها، فمجسم العروس (رمز ديني في حينه) وصل إلى 15 ألف دولار.

ووفق روايات سكان من بلدة الكوم غرب الخليل، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق موشيه ديان كان يحضر بنفسه لابتياع الآثار من السكان بعد احتلال الضفة عام 1967.

‪‬ عروس بلا رأس من العصر الحديدي(الجزيرة نت)
‪‬ عروس بلا رأس من العصر الحديدي(الجزيرة نت)

أسرار المهنة
بشأن أسرار تلك المهنة، يوضح المواطن الفلسطيني أن بعض الباحثين عن الآثار وجدوا مقابر جماعية إحداها في بئر، وبينها وجدوا فأسا في جمجمة، لكنها تكون خالية من أي آثار، مما يشير إلى تجريدها تماما قبل دفنها وأخذ كل ما يستفاد منه.

ويبين أن الآثار تكون عادة في قبور فردية اعتقادا ممن يدفنون الجثث بوجود حياة بعد الموت، فهناك أدوات طعام وزينة وأسرجة وغيرها.

وحسب مصادر وزارة الآثار الفلسطينية، فإن في الضفة الغربية أكثر من سبعة آلاف موقع أثري مسجلة، وعشرات آلاف المعالم والمواقع التاريخية، لكن أغلبها يقع في مناطق مصنفة "ج"، أي تخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، مما يحول دون ملاحقة العابثين بها أو محاسبتهم.

وتعد الآثار الرومانية الأكثر انتشارا بفلسطين، فهناك كهوف وقصور وكنائس ما زالت حتى اليوم، وأغلبها مهمل تماما وقد تطالها أعمال البنية التحتية وشق الطرق.

‪‬ آثار من العهد الحديدي بحوزة أحد الفلسطينيين(الجزيرة نت)
‪‬ آثار من العهد الحديدي بحوزة أحد الفلسطينيين(الجزيرة نت)

تحديات الحماية
الباحث المختص في شؤون الآثار أحمد الرجوب يشير إلى جملة تحديات تحول دون حماية المواقع الأثرية يرتبط أغلبها بسيطرة الاحتلال على مناطق "ج"، فمن جهة هناك زحف عمراني على المواقع الأثرية في مناطق "أ" و"ب" الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، ومن جهة ثانية لا تستطيع السلطة ممارسة دورها في ملاحقة المنقبين في مناطق "ج".

ويفرض القانون الدولي على الدولة المحتلة حماية الموروث الثقافي والمواقع الأثرية للدولة الخاضعة للاحتلال، لكن اتفاقية أوسلو كانت مدمرة للآثار وأجلت هذا الملف إلى الحل النهائي، حسب الرجوب الذي قدر القطع الأثرية بالمهربة من الضفة بملايين القطع التي وصلت كل أنحاء العالم.

‪‬ قطعة فخارية من العصر الحديدي(الجزيرة نت)
‪‬ قطعة فخارية من العصر الحديدي(الجزيرة نت)

واصطحبنا الرجوب -وهو مدير عام التراث العالمي في وزارة الآثار الفلسطينية- إلى كهف روماني بمنطقة قاصتين المسجل رسميا موقعا أثريا، وشرح كيف استخدم معصرة، ثم تعددت استخداماته لاحقا، وما زالت بعض معالمه قائمة.

ويفرض القانون الفلسطيني عقوبة تتراوح بين 3 و10 سنوات وغرامة مالية تصل إلى 130 ألف دولار على الاتجار بالآثار، وصدر العام الماضي قانون يعتبر كل ما هو قبل 1917 جزءا أساسيا من التراث الثقافي الفلسطيني، كما وقعت فلسطين على عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

وهناك أربعة مواقع فلسطينية ضمن اللائحة التراث العالمي، بينها البلدة القديمة من القدس وسورها، ومكان ميلاد المسيح عليه السلام في بيت لحم، والمشهد الثقافي لمدرجات جنوب القدس-بتير، والخليل القديمة.

المصدر : الجزيرة