تؤخذ الدنيا غلابا.. قصص العمال الفلسطينيين مع حواجز الاحتلال

لم تشرق الشمس بعد على حاجز مدينة بيت لحم الشمالي الذي يفصلها عن القدس المحتلة، لكن مئات العمال الفلسطينيين يحاولون منذ ساعات قبل ذلك اجتياز الحاجز للوصول إلى أماكن عملهم داخل الخط الأخضر.

يخشى معظم العمال الفلسطينيين الحديث عن معاناتهم على حواجز الاحتلال الإسرائيلي، وتأتي الخشية من أنهم يحصلون على تصاريح من سلطة الاحتلال بعد الفحص الأمني.

وهذا الفحص يعتمد على المعلومات التي يجمعها الاحتلال عنهم، وهو ما يجعلهم يفضلون الصمت حفاظا على لقمة عيشهم وعيش عائلاتهم.

يقول أحدهم للجزيرة نت إنه بعد الفحص الأمني اضطر -حتى يصدر تصريح عمل- لأن يدفع أكثر من 2600 شيكل (ما يقارب 700 دولار أميركي)، وبسبب الازدحام على الحاجز فإنه يعمل 12 يوما فقط بساعات عمل طويلة، لا يزيد دخله فيها على ألف دولار، مما يعني أنه يعمل للحصول على ثمن التصريح ويتبقى له بعض الفتات.

تشاهد بوضوح سيلا من العمال الفلسطينيين المتزاحمين بين سياجين اثنين، لا يزيد عرض الواحد منهما على مترين، ويمتد لأكثر من مئتي متر بملاصقة الجدار العنصري الفاصل، قبل الوصول إلى نقاط التفتيش الأولى التي يتحكم بالدخول إليها أحد جنود الاحتلال الإسرائيلي.

ينزع كل واحد منهم جزءا من ملابسه التي قد تسبب صفير الآلة، ويضعونها في جهاز الأشعة لفحصها، ثم يسرعون مرة أخرى للتأكد من أوراق الهوية والبطاقة الممغنطة التي يجب أن يحوزها العامل قبل ذلك للحصول على تصريحه.

بعد ذلك يخرج العامل من الجهة المقابلة التي لم يكن يفصله عنها إلا جدار لا يتجاوز سمكه عشرين سنتيمترا.

قد تستغرق الرحلة خمس ساعات متواصلة. ويقول أحد العمال للجزيرة نت إنه يأتي إلى الحاجز عند الثانية أو الثالثة فجرا، ويخرج منه عند الثامنة صباحا، وهذه هي رحلته اليومية إلى العمل.

إصابات ومرضى
التدافع والازدحام الشديدان لا يقوى عليهما كل هؤلاء، فمرضى القلب والضغط والسكر وغيرها لا يتحملون كل ذلك، وهو ما دفع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لإبقاء مركبة إسعاف بشكل شبه يومي قريبة من المكان.

ويقول مدير الجمعية في بيت لحم محمد عوض للجزيرة نت إن الوضع على الحاجز أصبح لا يطاق، فبشكل شبه يومي يتم نقل مصابين إلى المستشفيات أو تقديم علاج ميداني لهم.

ويؤكد عوض أن جنود الاحتلال رغم كل ذلك يمكن أن يطلقوا قنابل الغاز على العمال، بادعاء عدم التنظيم، مما يستدعي علاج الاختناق بالغاز أيضا، إذا لم يتسبب ذلك بمشاكل صحية أخرى.

ومع ذلك، يصف عوض حال العمال على الحواجز بالجيد مقارنة بالعمال الذين يتم نقلهم بمركبات الهلال الأحمر، ممن يصابون أثناء عبورهم الجدار الفاصل دون الحصول على هذه التصاريح.

هؤلاء إذا ما تم الإمساك بهم فإنهم يتعرضون للضرب والتنكيل، ويصابون بكسور أو خلع في أطرافهم.

11 حاجزا
وبحسب وزارة العمل الفلسطينية، فإن هناك أكثر من 150 ألف عامل فلسطيني يعملون داخل الخط الأخضر، نحو نصفهم فقط يملكون التصاريح، والباقون يدخلون بالقفز من على الجدار الفاصل، وهو ما يجعل العامل الفلسطيني -إذا ما وصل- يعمل في ظروف غير قانونية ويحرم من التأمين الصحي والحقوق العمالية وغيرها.

رئيس وحدة التنظيم في وزارة العمل الفلسطينية عبد الكريم مرداوي، يقول للجزيرة نت إن كل ما يحصل على الحواجز غير قانوني ويأتي بمبررات احتلالية واهية.

ويشير إلى أن الاحتلال أنشأ 11 حاجزا عسكريا على امتداد الضفة الغربية، لعبور أكثر من 82 ألف عامل فلسطيني يملكون التصاريح، ولا يقوم بتسهيل حركتهم عليها بل يعمل على تعقيدها.

وإلى جانب العمال يتزاحم على التصاريح المرضى ومرافقوهم، والتجار الذين يتحركون في الصباح ابتداء من الرابعة فجرا.

هذه الظروف تدفع ببعض العمال إلى عبور الحاجز يوم الأحد من كل أسبوع، ويبيتون في أماكن عملهم في ظروف غير إنسانية، ويبقون هناك أسبوعا أو شهرا كاملا أحيانا، حتى لا يضطروا لعبور هذه الحواجز.

المصدر : الجزيرة