البابا بضيافة أمير المؤمنين.. لقاء السلام في عالم الفوضى
سناء القويطي-الرباط
وتأتي زيارة البابا فرانشيسكو الأولى للمغرب منذ ترؤسه الكنيسة الكاثوليكية في 2013، في وقت تتصاعد قيم التطرف والكراهية والتعصب في العالم، وفي ظرفية تزامنت مع الحدث الإرهابي الذي استهدف مصلين في مسجدين بنيوزيلندا وأودى بحياة خمسين مسلما، وكان القاتل حينها مسلحا ببنادق وبأفكار تنهل من تاريخ الحروب الصلبية.
البابا الذي حظي باستقبال شعبي ورسمي في العاصمة الرباط، أكد -في خطاب أمام آلاف المسلمين والمسيحيين في باحة مسجد حسان التاريخي- أن التطرف الذي يقود إلى العنف والإرهاب يمثل إساءة إلى الدين وإلى الله، داعيا إلى الكف عن استعمال اسم الله لتبرير أعمال القتل والإرهاب.
أما الملك محمد السادس، فأكد في خطابه على ضرورة تطوير وتجديد الحوار بين الأديان، معتبرا أن التطرف -سواء كان دينيا أو غير ذلك- مصدره انعدام التعارف المتبادل والجهل.
رصيد رمزي
وتضمن برنامج زيارة البابا للمغرب فعاليات متنوعة، شملت زيارة معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، وهو معهد يستقبل مئات الأئمة من دول أفريقية وأوروبية، حيث يخضعون لتكوين ديني وفق اتفاقات بين المغرب ودولهم.
ووقع البابا والملك محمد السادس رئيس لجنة القدس على وثيقة "نداء القدس" التي أكدا فيها على أهمية المحافظة على مدينة القدس باعتبارها تراثا مشتركا للإنسانية، وبوصفها أرضا للقاء ورمزا للتعايش السلمي بالنسبة لأتباع الديانات التوحيدية الثلاث، ومركزا لقيم الاحترام المتبادل والحوار.
واعتبر رئيس مركز الدراسات والبحوث الاجتماعية والإنسانية الدكتور سمير بودينار، أن زيارة البابا لمعهد الأئمة ومعالم دينية أخرى في المغرب "أمر غير مسبوق"، وإشارة قوية إلى دور المؤسسات الدينية المحوري والأساسي في مستقبل الحوار والتقارب بين العالمين الإسلامي والغربي.
بينما اعتبر التوقيع على نداء القدس بمثابة استثمار للرصيد الرمزي للملك المغربي بوصفه أميرا للمؤمنين ورئيسا للجنة القدس، وللبابا بوصفه رأس الكنيسة الكاثوليكية؛ في إقرار قيم السلم والعدالة وحماية الضعفاء وحرية العبادة.
وأضاف بودينار أن المغرب انطلاقا من تجربته ونظامه السياسي القائم على إمارة المؤمنين، يرغب في تقديم نفسه بوصفه نموذجا وجسرا للتعاون مع الدول الأخرى فيما يتعلق بتدبير التعدد الديني وحل مشكلة السلم والتعايش.
حل ثالث
ويربط بودينار زيارة البابا فرانشيسكو للمغرب بالسياق العالمي المتسم بتنامي موجة العنف المسلح في عدد من بؤر التوتر في العالم الإسلامي، وتصاعد موجة كراهية المسلمين والتخويف منهم أو ما يسمى الإسلاموفوبيا في العالم الغربي.
ويرى الباحث في علم الاجتماع الديني عبد الحكيم أبو اللوز، أن الفاتيكان يريد تبرئة الأديان من الفوضى التي يشهدها العالم بسبب الإرهاب والتطرف، وإظهار الكنيسة أنها قادرة على لعب أدوار قيادية ريادية قد تشكل حلا لتلك الفوضى.
وأمام موقف دول أوربا والولايات المتحدة الأميركية من الملفات الحارقة المرتبطة بالإرهاب والتطرف، يقول أبو اللوز إن البابا والملك محمد السادس -بصفتهما قائدين يمثلان مؤسستين روحيتين- يريدان تقديم حل ثالث للعالم.
ويتمثل هذا الحل -بحسبه- في تحالف القوى الدينية التي لديها سلطة ولها رمزية لقيادة الحرب ضد الإرهاب، وذلك بتعزيز القيم المشتركة القائمة على السلم والتعارف والانفتاح في مواجهة قيم التطرف التي تمثلها "الظاهرة الداعشية" واليمين المتطرف المتصاعد في العالم الغربي.
المهاجرون والكنيسة
وليست قضايا التطرف وحوار الأديان ما طبع الزيارة البابوية للمغرب، بل كانت الهجرة وهموم المهاجرين واللاجئين حاضرة أيضا، وقد كان للبابا لقاء مع مهاجرين نظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء في مقر جمعية "كاريتاس"، وهي جمعية تابعة للكرسي البابوي وتعنى بتقديم الخدمات الاجتماعية للمهاجرين واللاجئين ذوي الحال الصعبة.
ودعا البابا في خطابه إلى ضرورة الانتقال من الالتزامات المعلنة في الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية إلى خطوات ملموسة، وتغيير الموقف حيال المهاجرين كي يعاملوا كأشخاص لا كأرقام، ويتم الإقرار بحقوقهم وكرامتهم من خلال الأفعال الملموسة والقرارات السياسية.
وبحسب بيانات رسمية للكنيسة في المغرب، فإنها عرفت تجددا وحيوية مع موجات المهاجرين والطلبة المنحدرين من أفريقيا جنوب الصحراء، حيث تجمع ما يقارب ثلاثين ألف مسيحي منهم عشرون ألف كاثوليكي وعشرة آلاف بروتستانتي.
وكان المغرب قد أطلق عام 2013 سياسة جديدة للهجرة واللجوء مكنت من تسوية الوضعية القانونية لآلاف المهاجرين واللاجئين، ليتحول المغرب من أرض عبور نحو أوروبا إلى مكان استقرار.
وتنقسم الكنيسة في المغرب إلى أبرشيتين: أبرشية طنجة في شمال المغرب وتتكون من خمس رعايا، وأبرشية الرباط وتتكون من 32 رعية منتشرة في باقي مناطق المغرب.
وافتتحت السفارة البابوية بالرباط عام 1988، وقبلها بسنتين -أي في عام 1984- صدر ظهير ملكي (قرار) يؤكد مركزية الكنيسة الكاثوليكية في المغرب، ويؤكد على حقها في ممارسة مهامها بحرية.