نجل شهيد بمجزرة المسجد الإبراهيمي: أنقذت يهوديا من الغرق

الخليل-فلسطين-محمد نجل الشهيد نمر مجاهد أحد شهداء مجزرة المسجد الإبراهيمي عام 194
محمد يحمل صورة والده الشهيد نمر مجاهد (الجزيرة)

عوض الرجوب-الخليل

يبلغ محمد نمر مجاهد اليوم من العمر 32 عاما، وهو العمر ذاته الذي استشهد فيه والده نمر في مجزرة المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل في مثل هذا اليوم من عام 1994.

في ذلك اليوم (فجر 15 رمضان 1414 هجرية)، تناول الطفل السحور مع والده، وأصر على الذهاب معه إلى المسجد الإبراهيمي (على بعد نحو أقل من مئة متر من منزلهم) لأداء صلاة الفجر، لكن الأب أشغل الطفل في حينه ولم يأخذه.

ما هي إلا ساعات بعد الصلاة حتى احتشد الجيران والأقارب حول منزلهم، ولا يزال محمد يذكر حضور سيارة الإسعاف ودفن والده على عجل في مقبرة قريبة خشية استيلاء الاحتلال على الجثة.

مفارقات عجيبة
في حالة الشهيد مجاهد مفارقات عدة، فذووه يجزمون بأن الذي قتله جنود شاركوا المستوطن الطبيب باروخ غولدشتاين في جريمته، إذ تشير أصابع الاحتلال إلى نمر باعتباره المسؤول عن قتل منفذ المجزرة مستخدما طفاية حريق يدوية، وبالتالي فإن الرصاص كان من طرف ثالث.

‪مكان وقوع المجزرة في المسجد الإبراهيمي عام 1994‬ (الجزيرة)
‪مكان وقوع المجزرة في المسجد الإبراهيمي عام 1994‬ (الجزيرة)

يكشف محمد لأول مرة أن جرحه الغائر وفقدان والده في الطفولة، لم يمنعاه من إنقاذ حياة يهودي كاد أن يغرق في مسبح بـالأردن، ويقول إنه لم يكشف عن هويته في حينه وعرّف نفسه بأنه منقذ أردني.

خلال الحديث معه كرر محمد أكثر من مرة أنه لا يكره اليهود لأنهم يهود، ولا يكن أي عداوة لليهود، وإنما العداوة والخصومة هي مع المعتدين وأولئك الذين يقتلون شعبه ويحتلون أرضه ويسعون لإبادته.

محمد يواصل حياته بشكل طبيعي، فقد تزوج وأنجب ثلاثة أبناء وسمى ابنه الأكبر نمر تيمنا باسم والده الشهيد.

طبيب قاتل
مع ذلك وبعد أكثر من عقدين ونصف العقد على المجزرة، يلازم ذوي الشهيد تساؤلُ: إذا كان طبيب مزاول أدى قسم المهنة الإنسانية ينفذ جريمة بهذا الحجم، فماذا ينتظر أهل الخليل من آخرين يخدمون في الجيش أو ليس لديهم شهادة علمية أو تربوا في مدارس عنصرية تعزز الكراهية للعرب أو مستوطنين مدججين بالسلاح؟

‪شهداء مجزرة المسجد الإبراهيمي‬ (الجزيرة)
‪شهداء مجزرة المسجد الإبراهيمي‬ (الجزيرة)

وأكثر ما يؤرق ابن الشهيد اليوم انفلات المستوطنين وعودة السيناريو الأسوأ، وهو المجازر خاصة بعد قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدم التجديد لبعثة الوجود الدولي في المدينة.

وبالفعل هاجم عشرات المستوطنين مساء الـ12 من الشهر الجاري منازل الفلسطينيين بشارع الشهداء بمدينة الخليل، وتعالت النداءات بمكبرات الصوت لنصرة السكان.

ومحمد واحد من نحو 250 ألف نسمة هم سكان مدينة الخليل، بينهم نحو سبعة آلاف نسمة في البلدة القديمة هم الأكثر عرضة لاعتداءات المستوطنين وسياسة التهويد.

بروتوكول التقسيم
ووفق "بروتوكول الخليل" عام 1997، تسلمت السلطة الفلسطينية أجزاء من مدينة الخليل أطلق عليها "خ1" وتشكل 80% من مساحة المدينة، في حين تواصلت السيطرة الإسرائيلية على القسم المتبقي "خ2" الذي يقطنه قرابة 45 ألف نسمة، وفيه تقع البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي.

‪مشهد عام للمسجد الإبراهيمي‬  (الجزيرة)
‪مشهد عام للمسجد الإبراهيمي‬  (الجزيرة)

على إثر تلك المجزرة، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 904 الذي أكد على الحاجة لتوفير الحماية والأمن للشعب الفلسطيني، فأنشئت البعثة الأولى بعد نحو شهرين ونصف الشهر، لكن عملها تعطل لعدم الاتفاق على صلاحياتها.

ولاحقا في 21 يناير/كانون الثاني 2017، وقع الفلسطينيون والإسرائيليون اتفاقية الوجود الدولي المؤقت بمشاركة كل من النرويج وإيطاليا والدانمارك والسويد وسويسرا وتركيا، واستمر عملها حتى قرر نتنياهو يوم 28 يناير/كانون الثاني الماضي عدم التجديد لها، بزعم أنها تعمل ضد "إسرائيل" رغم أن صلاحيتها تقتصر على المراقبة ورفع التقارير للطرفين.

وفي ظل سلطة فلسطينية مسلوبة الإرادة، لا يستبعد محمد مجاهد أن يتمادى الاحتلال في إجراءاته كأن يسعى للاستيلاء على مزيد من المنازل في محيط المسجد الإبراهيمي، والاعتداء على السكان وطردهم، بل تكرار مجزرة عام 1994 لفرض أمر واقع جديد وتهويد قلب الخليل.

120 حاجزا وعائقا
ولتدارك ذلك، يرى أن الحماية الدولية كفيلة بمنع مثل هذا السيناريو، فقوات الوجود الدولي التي جمد عملها وإن كانت بصلاحيات محددة ساهمت في لجم كثير من اعتداءات المستوطنين.

وما يعزز مخاوف الفلسطينيين في الخليل هو تحول 43% من مساحة البلدة القديمة في الخليل إلى مدينة أشباح بسبب التهجير القسري الذي يتعرض له السكان نتيجة انتشار 22 حاجزا عسكريا مأهولا ونحو 100 حجز وساتر داخل أزقة البلدة، وفق منسق تجمع شباب ضد الاستيطان في الخليل عيسى عمرو.

يؤكد عمرو أن تغييب المراقبة الدولية وانتشار خمس بؤر استيطانية وإطلاق يد المستوطنين، كفيل بتكرار مجزرة 1994 وبسيناريوهات أسوأ، مستشهدا بهجوم الثاني عشر من فبراير/شباط.

بعد تجميد عمل المراقبين الدوليين، وفي محاول لتوفير الحد الأدنى من الشعور بالأمن لدى السكان والطلبة، يقول عمرو إن التجمع أسس مجموعات "الكفاح" للتوثيق ومراقبة حقوق الإنسان، لكن تلك المجموعات قوبلت بالتعطيل والعراقيل أكثر من مرة.

وينظم التجمع سنويا تظاهرات في أنحاء العالم للمطالبة بشارع الشهداء المغلق منذ تنفيذ المجزرة، فضلا عن أحياء أخرى ومئات المحلات التجارية التي ما زالت مغلقة منذ ذلك الحين.

المصدر : الجزيرة